الـ«تونسـ»وفوبيا: متنطعون يشيعون الرعب بين ذكوريين في مجتمع أبوي
منذ أعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي دعوته لإقرار المساواة بين الجنسين في الميراث، والسماح للمرأة التونسية المسلمة بالزواج من غير المسلم، وقد ثارت جلبةضخمة وتعالت أصوات الرفض والاستنكار، ليس في الدولة صاحبة الشأن وحدها وإنما في جل الدول العربية والإسلامية وعلى رأس القائمة مصر، خاصة بعد أن أصدر الأزهر بيانًا وصف فيه الدعوة بالجامحة.
حالة الجدل عاشتها ومازالت مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية، واحتدت النقاشات بين أصحاب الاَراء المتباينة، التي ذهبت في ثلاثة اتجاهات، الأول منها كان مؤيدًا ومتمنيًا أن يحدث نظيره في مصر مع يقين بصعوبته لأسباب كثيرة، والثاني كان رافضًا ولم يكتف بذلك، بل اعتبر أن ما يحدث في تونس خروجًا عن المقطوع به في الدين الإسلامي، أما الاتجاه الثالث نظر إلى الأمر كونه يتعلق بتونس وحدها، وسواء كان مع أو ضد، فهو ليس مستفيدًا أو متضررًا.
لكن الرفض الممتزج بما يمكن وصفه بالذعر مما يجري في تونس، هو ما برز على السطح، خصوصًا بعد تلاحق الخطوات التي يجري اتخاذها هناك لصالح النساء، ولم تكن حالة السخط التي شاعت بعد دعوة الرئيس التونسي الأخيرة جديدة، فقد تبعت حالة مماثلة لم يمض عليها سوى أسابيع قليلة، عندما أقر البرلمان التونسي قانونًا يجرم العنف ضد المرأة، وعاد إلى الواجهة الحديث عن تقدمية تونس في مسألة القوانين الخاصة بشؤون النساء، وفي المقدمة قوانين؛ منع تعدد الزوجات، وإجازة الإجهاض، وهو ما ترفضه المؤسسات الدينية في مصر وقطاع واسع من المجتمع.
الهلع الذي أصاب كثيرين بسبب ما يجري في تونس، أذاع من جديد مقولة “مصر مش تونس”، التي سبق واستُخدِمت من قبل النظام الحاكم في مصر بعد ثورة 17 ديسمبر في تونس وقبيل إندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، يرددها حاليًا المعارضون، ليس لإرهاب من ينادون بنفس الحقوق أو لإثارة الإحباط بين المنزعجين من تأخر مصر الكبير في هذا الشأن، وإنما ليطمئنوا أنفسهم بأنه من المحال أن يستيقظوا يومًا ويجدوا مكتسابتهم التي كفلتها لهم الذكورية المستشرية، قد نزعها منهم قانون أو تجديد حقيقي للخطاب والفقه الإسلامي.
الحركة النسوية في تونس رغم أنها ليست الأقدم في المنطقة إلا أنها الأكثر تماسكًا وتقدمًا.
الحركة النسوية في مصر هي الأطول عمرًا
أول جمعية نسائية في مصر تأسست في عام 1908 وهي جمعية «ترقية المرأة» وأسستها «فاطمة نعمت راشد»
أول جمعية نسائية في تونس هي «الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي»، وتأسست في عام 1936
حتى انتصارات الحركة النسوية ينسبونها إلى الرجال
على الرغم من أن مطلب المساواة في الميراث هو مطلب رفعته الحركة النسوية التونسية منذ كان الحكم بيد الرئيس الحبيب بورقيبة، وظلت منشغلة به رغم العقبات والمعوقات، حتى جاءت ثورة 17 ديسمبر في عام 2010، ولعبت دورًا في تصعيد التمسك بالمطلب والإصرار على إقراره، وصولًا إلى استجابة السلطة أخيرًا من خلال دعوة الرئيس التونسي الحالي «الباجي قائد السبسي» في 13 أغسطس الماضي، لتشريع قانون يعترف بهذا الحق.
كانت الحركة النسوية التونسية حاسمةً وجريئةً في المطالبة بالمساواة في الميراث، وهناك من رموزها من وصف غياب هذه المساواة بــ«العنف ضد النساء»، كما فعلت الكاتبة والباحثة «رجاء بن سلامة»، التي قالت في كتابها «بنيان الفحولة»: هو عنف أساسي ينفي مبدأ المساواة، ويشيع من حوله الإحساس العام بأن المرأة دون الرجل، أو بأنها تساوي نصف الرجل، بما أنها ترث نصف ما يرثه الرجل .”
ورغم كل هذا النضال طويل العمر، إلا أنه وبعد دعوة «السبسي» ومن ثم تأييد ديوان الإفتاء في تونس، لم ينظر البعض لهذا التاريخ الطويل، واكتفى باللقطة الأخيرة، لينسب الانتصار للرئيس وحده، وهذا يناظر فعل من نسبوا انطلاق الحركة النسوية في مصر إلى «قاسم أمين» بعد إصداره كتاب «تحرير المرأة» في عام 1899، متغافلين عن 7 سنوات سابقة على ذلك، شهدت صدور العديد من المجلات النسائية على يد سيدات، هدفت إلى ترقية المرأة، وكانت باكورتها مجلة الفتاة لـ«هند نوفل» في عام 1892، أو يماثلون هؤلاء الذين نسبوا للرئيس المصري «جمال عبد الناصر» وحيدًا نيل النساء حق الترشح والتصويت، متجاهلين عمدًا أن المطلب رفعته الحركة النسوية في مصر، عقب ثورة 1919، ونادت بالاعتراف به في دستور 1923، وحتى عندما كفله دستور 1956، كان بعد إضراب عن الطعام قادته «درية شفيق» داخل أروقة نقابة الصحافيين، واستمر لـ9 أيام، وعلى إثره وعد الرئيس الأسبق «محمد نجيب» بأن الحقوق السياسية للنساء ستُضَمَّنَ في دستور ما بعد ثورة 1952.
أيضًا يُذَكِّرُ موقف هؤلاء الناظرين إلى اللقطة الأخيرة وحسب، بالذين نسبوا صدور التعديلات التي أجريت قانون العقوبات المصري بشأن جريمة التحرش الجنسي في عام 2014، إلى السلطة السياسية دون سواها، متغافلين عن الحرب الضروس التي خاضتها المنظمات والمجموعات النسوية منذ عام 2005، ومعركتها الأشرس خلال ثورة يناير 2011 وما أعقبها، لانتزاع اعتراف قانوني بالجريمة يقضي بعقوبة ضدها.
في الوقت نفسه، لا يمكن نفي شبهة مغازلة السلطات السياسية للحركات النسوية في شتى الدول العربية، وحتى إن صحت مسألة التودد والرغبة في امتصاص الغضب أو تسكين الحراك، فهذا لا ينتقص من تاريخ ونضال الحركات النسوية من أجل تحويل المطالب المدونة على وريقات ومذكورة في بيانات وموثقة في أبحاث وكتيبات، إلى مواد دستورية وقوانين تضمن الأمان للنساء.
واللافت أن هذه النظرة القاصرة لا يمتلكها فقط ذكور بل وإناث أيضًا، وربما يكون ذلك عن عمد، أو عن جهل أو عن رياء.
الطاهر الحداد هو أحد أبرز الأعلام المدافعين عن حقوق المرأة في تونس، وتحدث عن المساواة في الإرث بين الجنسين في كتابه «المرأة في الشريعة والمجتمع» الذي صدر في عام 1930، وتسببت اَراؤه تلك في تكفيره.
«مقطوع به».. الوسيلة المعتادة لإغلاق الباب في وجه التجديد والاجتهاد
حالة الجدل التي أحاطت بما أعلنه «السبسي» في كلمته احتفالًا بيوم المرأة التونسية الموافق 13 أغسطس، ظلت رغم المشاحنات في إطارها التقليدي والمعتاد مع أي انتصار يتحقق للنساء أو أي خروج لهن عن الحيز الضيق الذي يفرضه المجتمع بمعتقداته الذكورية، إلا أن دخول مؤسسة الأزهر على الخط فتح النار على الجبهتين، وطالته نفسه الانتقادات من جانب قيادات سياسية وحقوقية وحتى دينية في تونس.
على الرغم من أن القرار يبقى تونسيًا خالصًا، لكن الأزهر بادر بإبداء رأيه بشكل رسمي ليصبح طرفًا في الأزمة، وذلك عندما أعلن وكيل الأزهر «عباس شومان» أن دعوة الرئيس التونسي مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، وقال في بيانٍ نشرته الصفحة الرسمية لمكتب وكيل الأزهر على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك «المواريث مقسمة بآيات قطعية الدلالة لا تحتمل الاجتهاد ولا تتغير بتغيير الأحوال والزمان والمكان.»
ما قاله «شومان» لاقى استنكارًا من جانب عدد من السياسيين في تونس مثل «برهان بسيس» القيادي بحركة نداء تونس الذي قال « مؤسسة الأزهر سبق أن أفتت بحرمة بث فيلم الرسالة لمصطفى العقاد وصنفت مشاهدته ضمن المحرم دينيًا، تدخل على خط تداولنا الداخلي لقضايا تهم مجتمعنا التونسي، فذلك أمر يدعونا لتحصين أجواء الجدل الفكري والثقافي بيننا كتونسيين من أي تشويش خارجي.»
ورد أيضًا «سمير العبدلي» القيادي بحركة نداء تونس، وقال «أذكّر أنّه ليس للأزهر، وعلمائه ومناهجه، وكتب الفقه فيه، التي تبيح أكل لحوم البشر والمرأة والصبىّ، دون شيّها، وتجيز للإنسان قطع جزء من جسده وأكله إذا اضطرّ، ان تلقّن تونس درسًا في آليّات تطوير الأحكام الشرعية والمجتمعية.»
«قطعية الثبوت والدلالة» لابد من التوقف قليلًا أمام هذه الجملة التي استخدمها الأزهر ليغلق بها الباب أمام أي اجتهاد أو تجديد، واللهجة المستخدمة في البيان وقد بدت حازمة وحاسمة، لم يستخدمها الأزهر قبل ذلك مع العديد من الشيوخ الذين طالبوا بما دعا إلى تقنينه «السبسي»، مثل؛ المفكر الإسلامي «عدنان إبراهيم» وهو من الخطباء المسلمين البارزين في أوروبا، والباحث في الدراسات الإسلامية «طارق رمضان»، وهو مصري سويسري قال إن «التطبيق الحرفي للنص يؤدي في بعض الحالات إلى انتفاء العدل، وهذا ما يتناقض مع جوهر وخطاب النص»، مؤكدًا أن النص فيما يتعلق بالمواريث ليس قطعيًا في تطبيقه.
ولا حتى برز هذا الحسم من قبل مؤسسة الأزهر الشريف مع هؤلاء الذين يحرمون النساء من ميراثهن، وهو الأمر الشائع في صعيد مصر، وتوثق دراسة صادرة عن وزارة العدل أن القضاء ينظر سنويًا في ما يصل إلى 144 ألف قضية نزاع على ميراث.
وحتى إن كانت كل تصريحات علماء الأزهر تصب في عدم جواز حرمان المسلم لوريث من ميراثه الشرعي، إلا أن بيانات شديدة اللهجة لم تخرج ولم تنطلق حملات في الإعلام أو على الأرض في قرى الصعيد، ولم ينتفض علماء الدين بهذه الحدة ضد هذه الظاهرة، رغم أن التوريث حق شرعي ومسألة «قطعية الثبوت والدلالة».
لعل ما حدث من قبل المؤسسة الإسلامية في شأن «الميراث» و«زواج المسلمة بغير المسلم»، يناظر ما يحدث فيما يخص مسألة حظر تعدد الزوجات، الذي أصبح أمرًا واقعًا في تونس منذ عام 1956، أما في مصر فإن الحظر التام في تعدد الزوجات يكاد يكون مستحيلًا، وحتى التقييد يظل أمرًا مُختلف عليه حاليًا داخل مؤسسة الأزهر، ويستخدم فيه المعارضون نفس العلة وهي «قطعية الثبوت والدلالة»، ويعتبرون من يسعى إلى تقنين التقييد يخالف الشرع، رغم أن الإمام «محمد عبده» مفتي الديار المصرية في الفترة (1899- 1905)، كتب قبل نحو مئة عام، عن تحريم تعدد الزوجات، قائلًا «غاية ما يستفاد من آية التحليل إنما هو حِلُّ تعدد الزوجات إذا أُمِن الجور ، وهذا الحلال هو كسائر أنواع الحلال تعتريه الأحكام الشرعية الأخرى من المنع والكراهة وغيرهما بحسب ما يترتب عليه من المفاسد والمصالح، فإذا غلب على الناس الجور بين الزوجات، كما هو مشاهد في أزماننا أو نشأ عن تعدد الزوجات فساد في العائلات وتعد للحدود الشرعية الواجب التزامها وقيام العداوة بين أعضاء العائلة الواحدة وشيوع ذلك إلى حد يكاد يكون عامًّا جاز للحاكم رعاية للمصلحة العامة أن يمنع تعدد الزوجات بشرط أو بغير شرط على حسب ما يراه موافقًا لمصلحة الأمة .»
وتستخدم أيضًا نفس حجة «قطعية الثبوت والدلالة» في مسألة الحجاب، وبغض النظرعن وجود عشرات التفسيرات للاَية رقم 31 من سورة النور، يتباين كل منها في شرح «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»، فمنها ما أشار إلى الاحتشام بتغطية الجيوب (الصدر)، وأخرى بلغت حد ارتداء النقاب الذي يغطي الوجه كله بما فيه العينين، إلا أن المؤسسات الدينية الرسمية التي تستخدم مصطلح المقطوع به أيضًا في هذا الشأن، لم تقر بقطعيته خلال فترة غياب الحجاب عن الشارع المصري فيما بين الثلاثينيات وحتى منتصف السبعينيات، وثمة صور توثق أن بنات وزوجات علماء أزهريين لم يرتدين الحجاب خلال هذه الفترة الزمنية، والاَن يخرج شيوخ أزهريون ليشنون هجومًا ضاريًا ضد كل من يشكك في أن الحجاب «مقطوع به»، وأحيانًا يوصمونهم بالجهل وابتداع دين جديد.
افتى الإمام «محمد عبده» بجواز إبطال تعدد الزوجات.. فيما كتب الباحث الإصلاحي التونسي «طاهر الحداد» قائلًا « «ليس لى أن أقول بتعدد الزوجات فى الإسلام، لأننى لم أر للإسلام أثراً فيه، وإنما هو سيئة من سيئات الجاهلية الأولى.»
هجراتنا .. إلى أين تأخذ ثقافاتنا؟
تصدر الدول العربية النسبة الأكبر من المهاجرين، وأغلبهم لأسباب اقتصادية، ويتأثر هؤلاء بثقافات البلدان المهاجرين إليها، ولذلك فقد تبدو ثقافة التونسيين أكثر انفتاحًا، إذ أن معظم الهجرات تتجه إلى أوروبا الغربية وتحديدًا في فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وتمثل نسبة المهاجرين التونسيين إلى أوروبا 84.5 في المئة من مجمل المهاجرين التونسيين (بحسب إحصاءات رسمية في عام 2012)، فيما تمثل نسبة المهاجرين منهم إلى البلدان العربية 12.3 في المئة فقط.
أما المهاجرون المصريون فيتركزون في الدول العربية وبالأخص في دول الخليج وفي مقدمتها السعودية، وبحسب أمين أحمد علي، الأمين العام لاتحاد العاملين المصريين في الخارج، فإن عدد المصريين في الخارج يقدر بنحو 10 ملايين مواطن، وعددهم في دول الخليج 6.5 مليون، منهم 2 مليون تقريبًااًفي السعودية.
وهذه الأرقام إذا ما ربطناها بما حدث في النصف الأول من القرن الثامن عشر في مصر، سيتبين ما تحمله هذه الأرقام من دلالات، وهنا نشير إلى أنه عندما أراد “محمد علي” الخروج من الظلامية والجمود الذين خيما على مصر في عهد العثمانيين، أرسل البعثات الطلابية إلى أوروبا، وكانت أكبرها إلى فرنسا في عام 1826، وكان من بين المبتعثين رفاعة الطهطاوي الذي عاد ليصبح الإمام التنويري، وهو أحد رواد الدعوة إلى تحرير المرأة الذين ناصروا حق المرأة في التعليم والعمل، فضلًا عن أنه أحد أوائل من عارضوا تعدد الزوجات، فاعتبره مضرًا بالمجتمع والأولاد والمرأة، ولم يرضاه لنفسه وتعهد بألا يتزوج من امرأة أخرى في وثيقة مفتوحة كتبها لزوجته.
كذلك الإمام «محمد عبده» الذي يعتبره البعض اَخر المجددين في الفقة الإسلامي، تأثر بثقافة المساواة والعدل والتحرر التي عايشها عندما ذهب إلى فرنسا بدعوة من أستاذه جمال الدين الأفغاني في سنة 1884، وعندما عاد خاض حربًا طاحنة ضد الأفكار الرجعية والمفاهيم المغلوطة التي كانت تنال من المرأة وتسجنها خلف قضبان الجهل، فنادى بحقها في التعليم والعمل والاستقلال الاقتصادي، وطالب بتقنين الطلاق وإبطال تعدد الزوجات فضلًا عن رأيه المتقدم – بالنظر إلى زمنه- في مسألة الحجاب.
خلال عهد محمد علي، استطاع الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا الابن الأكبر لمحمد علي إسقاط الدولة «الوهابية» في بداية القرن التاسع عشر، واتسمت الإصلااحات التي أجراها داخل مصر بالطابع «العلماني».
لن نبرح مكاننا: الأمية الفكرية أسلم من الإطلاع على ما يخالف السائد
في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة الأمية في مصر 29.7 في المئة، تبلغ في تونس 18,8 في المئة، والتعليم يؤثر ويتاثر بالثقافة، وكما ينقل التعليم تراثًا ثقافيًا، يجدد وينعش الثقافة، ويوسع اَفاق التفكير والتدبر في الأمور، فالتعريف الأكثر شيوعًا للثقافة هو تشكيل السلوك أو نمط التفكير الذي يشترك في مكوناته أفراد المجتمع، وبالتالي فإن التعليم يسهم في تطوير وإعادة الحياة للثقافة، وإن قلت نسبه ومعدلاته، فهو يشير إلى حالة الجمود والتأخر التي ستلحق بالثقافة المجتمعية.
ورغم أن الأرقام المشار إليها تتعلق بأمية القراءة والكتابة، إلا أن أمية المجتمعات في الوقت الحاضر لم تعد تقتصر على هذين الأمرين فقط، فالأمية أضحت ذات أبعاد أخرى، مثل عدم القدرة على الوصول إلى البيانات والمعلومات، والتضييق على الفكر والاجتهاد، وتعويق البحث في مسالك مختلفة عن السائدة، وهذا ما يستحيل أن يحدث إذا ما لوحق بالاتهامات كل من حاول الولوج إلى معلومات غير مقبولة من طرف سلطة أيًا كانت، أو وُصِمَ بالإرهاب كل من بحث في اتجاه مغاير يدحض القديم الذي عفى عليه الزمن.