ليزا سعيد

 

عن الكاتبة:

باحثة نسوية متخصصة في دراسات المرأة والنوع الاجتماعي

 

خرجت علينا إحداهن بتقليعة مبتكرة لحل مشكلة تأخر سن الزواج بين الفتيات والأرامل والمطلقات في مصر، من خلال كتاب تحت عنوان “التعدد شرع” بالإضافة إلى حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار “التعدد شرع ورحمة”، وذلك من أجل نشر ثقافة التعدد وإحياء شريعة إسلامية صميمة كما تدعي، وطلبت من الزوجات السماح لأزواجهن بالزواج من أخريات حتى يصل إلى أربعة لا أكثر والحمد لله.

لا تمتلك مبررات منطقية يقبلها عقل واعٍ، لذلك تلجأ في ردودها دائمًا إلى مقولة يمكننا أن نطلق عليها مصادرة على المطلوب، فتقول “التعدد شرع الله، وأمر أصيل في الدين ولا جدال فيه”، أي أنها تنطلق من الدين حتى تُغلق باب المناقشة، وتتجاهل تمامًا المشكلات الحقيقية التي نعاني منها وتتفاقم كل يوم.

تتحدث بهدوء مستفز ومثير للأعصاب، متجاهلةً المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وذهبت فقط إلى أن كوكب الأرض سيستقيم وتُحَل مشكلاته عبر التعدد وزواج الرجل بأربع نساء.

قرأت ما كتبَت ولم أكتفِ، فقد ذُهِلت ولم أصدق في البداية، وقُلت في نفسي لعلها شائعات أو ما شابه، ولكن صدمت – وأي صدمة – حين وجدت فيديو على موقع يوتيوب لمناظرة أدارها الإعلامي “وائل الإبراشي” بينها وأخرى مناصرة لها وفي مقابلهما كاتبتين معروفتين، ولا أعرف كيف احتملتا كلامها المهترئ حتى النهاية.

لم تكن مناظرة بل مهزلة، فكيف يُسمَح بمثل هذا الهزل والخبل أن يُذاع في الإعلام!

ولن أتحدث عن الكوارث التي ستنجم عن احتمالية الاستجابات الواسعة لمثل هذه الحملة البلهاء، فقد أشارت الكاتبتان إلى بعضها، ولن أرد على صاحبة الحملة ردًا دينيًا، لأنه ليس في مجال عملي، وأنا أفضل دائمًا أن أنطلق من منطلق إنساني عام لا منطلق ديني، لأن الدين إنما تنَّزل من أجل الإنسان، وقد كان الإنسان بحق  – وقت نزول الأديان – هو الرجل بألف ولام التعريف، أما الآن فقد وسِعَت الإنسانية للمرأة كما للرجل سهمًا بسهم. تماما.

إن المشكلة الحقيقية في فكر مثل هؤلاء  – إن جاز إطلاق مصلح “فكر” عليه – هي تلك النظرة للعلاقات عمومًا؛ فهن لا يفهمن أن المشكلة لدينا في العلاقات لأنها لا تُبنى على أساس سليم لتستمر، وأن ما نتعرض له من ارتفاع نسب الطلاق وتأخر سن الزواج وغيره يرجع إلى أسباب عديدة أهمها الأسباب الاقتصادية وعدم الوعي الكافي أثناء تكوين العلاقة.

فإن الزواج لدينا نظام عجيب، ويجري اختيار شريك الحياة بشكل أعجب، فربما كان الحل مثلًا أن ننشر ثقافة حسن الاختيار السليم والتروي وإعمال العقل إلى جانب العاطفة والفرق بين الحب والرغبة… وهكذا.

والمشكلة الأكثر بروزًا أنهن يرين الرجل أداة للمتعة ووسيلة لإنجاب الأطفال، وينظرن إلى المرأة على أنها مفرخة للبيض (الأطفال)، وبالطبع تحتاج إلى ذكر من أجل تلقيح هذا البيض الذي سيملأ العالم بالكتاكيت الضالة الجائعة الجَهُولة، لأنها لن تجد من يرعاها وينفق عليها ويعلمها ويوفر لها سبل الحياة الكريمة، وببساطة من يملكون هذه النظرة ويعتبرون الرجل وسيلة للجنس، يرون أيضًا أن العلاقة بين الرجل والمرأة كالعلاقة بين قرد وقردة في موسم التزاوج.. «فعادي بقا أي قردة والسلام.»

علاقة الرجل بالمرأة والحب الذي يجمع بينهما، ويتجسد في تكوينهما لأسرة من أسمى وأنبل العلاقات. بالحب تحيا العلاقة وتتغذي وتستمر، وبالحب والتفاهم يحيان معًا في وئام، ولكن ليس الهدف الأسمى هو الجنس  – رغم أهميته الكبيرة – أو الأطفال، فلو على الجنس من الممكن أن يمارسه مع أي أحد في حال وجود رغبة لفعل ذلك، ولكن ليس معنى ذلك أنهما يريدان تكوين أسرة وخلق عش يجمعهما معًا، ولو على الأطفال هناك بنك الحيوانات المنوية والتلقيح الاصطناعي وإنتاج الأطفال.

العلاقة الجميلة التي تجمع الرجل والمرأة من الصعب على أمثالها ومُتَّبِعاتها فهمها، فهن يرين فقط الجنس والإنفاق والأطفال، والحياة بالنسبة لهن كما يقول المثل الشعبي «أكلة ونومة»