تحتفل مصر في الرابع عشر من يونيو، باليوم الوطني لمناهضة ختان الإناث، الذي حددته وزارة الأسرة والسكان في عام 2007، على خلفية وفاة طفلة محافظة المنيا  “بدور” صاحبة الـ12 سنةً، التي راحت ضحية  واحدة من أسوأ جرائم قتل الطفولة، وانتهاك اَدمية الأنثى.

مقتل “بدور” بأحد عيادات مركز مغاغة في محافظة المنيا قبل 10 سنوات، دفع مؤسسات الدولة إلى اتخاذ عدة تدابير  لمواجهة ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية والمعروفة باسم “ختان الإناث”، فأصدرت دار الإفتاء المصرية أول فتوى صريحة ورسمية تُحرم ختان الإناث، وشرع البرلمان المصرى بعد الحادثة بسنة، أول نص قانوني يقضي بتجريمه، من خلال المادة 242 مكرر فى قانون العقوبات المصري، كما أصدرت المحكمة حكمها فى يونيو من العام 2008، بحبس الطبيبة المسؤولة عن وفاة “بدور” سنة مع الشغل وكفالة 1000 جنيه، وفي أغسطس الماضي، أجرى مجلس النواب تعديلات على المادة 242 مكرر من قانون العقوبات، ترمي إلى تشديد العقوبة على كل من يجري عمليات ختان الإناث.

ومع ذلك، مازالت هذه الممارسة اللاإنسانية تُمارَس في الخفاء، ومازالت سلطة القانون مقيدة بقوة الأعراف والتقاليد الضاربة في القدم عبر الزمن، ويبقى الجهل والأمية من أبرز معوقات التوعية بخطورة ختان الإناث، فضلًا عن أننا نعيش في ظل موروثات لا تعترف بسلطة دولة أو قانون.

وتشير أصابع الاتهام دائمًا إلى الأم فيما يخص اتخاذ قرار ختان الفتيات، ولذا فالسيدات في مختلف القرى والمدن، هن الهدف الأول للمؤسسات الحقوقية والنسوية، إلا أن الدراسة الاستقصائية الدولية التي أجرتها مؤسسة بروموندو Promundo بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (UN Women) وشملت رجالًا ونساءً تتراوح أعمارهم من 18 إلى 59 عامًا، في أربع دول عربية ومن بينها مصر، كشفت أن  الرجال أكثر دعمًا لختان الإناث وهم أصحاب الكلمة الأولى والأخيرة في مسألة إجراء هذه الممارسة لبناتهم.

وبحسب هذه الدراسة، فقد أيد الممارسة ما يقرب من 70 في المئة من الرجال وأكثر من نصف النساء، وأكثر من ثلثي المُستطلَعين قالوا أن قرار ختان بناتهم يُتخذ بصورة مشتركة بين الزوجين، وتكشف دراسات أخرى أن المستوى التعليمي للذكور “الاَباء” هو الذي يحكم قرارهم في مسألة “ختان” بناتهم.

أمل فهمي المديرة التنفيذية لمركز  تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، تقول في تصريحات لـ”ولها وجوه أخرى” إن المعلومات التي كانت تفيد بأن المرأة هي المسؤول الأول عن ختان البنات، ترتكز على الثقافة المجتمعية التي تعكسها تعبيرات مثل “دي حاجات ستات أو هذه رغبة أمها”، ولذلك انحصرت الأنشطة التوعوية للمنظمات النسوية في التوجه إلى السيدات ومخاطبتهن.

وتتابع “فهمي” وهي أحد المشاركين في إعداد الدراسة الاستقصائية الدولية (Images)  “هذه الدراسة أثبتت أن الرجل له دور غير  هين، إذ يصر عدد كبير منهم على اصطحاب بناتهم إلى عيادات الأطباء وهو ما يتطلب مستوى جديد من الخطاب والتوعية.”

سماح إبراهيم ( 25 سنة)  تروي كيف نجت من ختان الإناث الذي كان يصر عليه والدها “لقد شهدت على واقعة ختان ابنة عمي، التي كانت تكبرني بسنة واحدة، كانت في 13 من العمر، أتت إلى منزل عمي في الإسكندرية امرأة عجوز، ومعها اثنين من العائلة وأجريت العملية، مازلت أذكر صراخها الذي ملأ أذني، وتذكرت حينذاك كيف كان أبي قبلها بيوم واحد، يلح على أمي أن تجري لي الختان أيضًا، لكنها رفضت لأنها كانت تراني مازالت صغيرة.”

وتضيف “مازلت أجهل حتى اليوم، السبب الذي منع أمي من الاستجابة إلى ضغوط أبي، على الرغم من أنها لم تكمل تعليمها، ولكن ما أذكره جيدًا أنه ظل على موقفه  لعدة سنوات بعد ذلك، وكانت أمي تتحجج بأن الوقت قد مر ولا أحد أصبح يجري هذه العملية الاَن، أو أنها ستصحبني إلى الطبيب لترى هل أحتاج لمثل هذه العملية أم لا، حتى كف عن الحديث في هذا الأمر.

هذه الواقعة تتفق مع تقوله المدير التنفيذي لمركز “تدوين”، إذ ترى أن قناعة السيدات فيما يخص ضرورة إجراء ختان الإناث في انخفاض مستمر، فقد وصلت إلى 50 في المئة فقط، بعد أن كانت تزيد عن 80 في المئة قبل سنوات.

قصة أخرى تصب في نفس الإتجاه، ترويها “هـ.ا” (29 سنة) “كان عمري وقتها 12 سنة، اصطحبني والدي إلى عيادة طبيب انتقل حديثًا إلى نفس العمارة التي كنا نسكن فيها، ورفض أبي أن تأتي أمي معنا، لأن قلبها ضعيف كما يقول، لم أكن أدري إلى أين كنا ذاهبين ولماذا، كنت أتنصت على أحاديثهم، وعرفت أنه أمر لا يخص سوى الكبار فقط.”

وتتابع  “كنت أجهل تمامًا ماهية العملية ولا أفهم لماذا يبارك الجميع للضحية، والابتسامات التي ترتسم على وجوههم، وهم يتحدثون بصوت منخفض عن العملية، تفسيري الوحيد الاَن أنهم كوكبة من الأغبياء والجُهال”

وترى “فهمي” أن التوعية ينبغي أن تشمل عدة محاور أولها التعليم، مشددةً على أن المناهج التعليمية يجب أن تشير إلى الاَثار السلبية للختان، وتؤكد على أنه نوع من العنف، وتقول” لابد من تفكيك ودحض إشكالية ربط عفة الفتيات بالختان، لقد بات العمل على توعية الشباب ضرورة بعد أن أظهرت دراسة Images أن أكثر من 60 في المئة من الشباب في الفئة العمرية 12-29 يؤيدون ختان البنات، ويقولون أنهم سيختتنون بناتهم في المستقبل.

وتضيف “فهمي” “لابد من التأكيد على أن هذه العادة غير مصرية، إلى جانب تشديد العقوبات على من يجري هذه العمليات من الأطباء.”

وتلفت “فهمي” إلى أهمية توعية الأكبر سنًا من الرجال بالاَثار السلبية لهذه الممارسة وتأثيرها على الحياة الجنسية، فأغلب ضحايا الختان يعانين في حياتهن الجنسية، ولا يدركن أنه السبب وراء ذلك، ولذا ينبغي ألا تقتصر التوعية بخطورة الختان من المنظور الديني والأعراف والتقاليد.

المادة المنشورة في إطار حملة #ليك_فيها