نيرة حشمت

 

عن الكاتبة:

ناشطة نسوية، وعضوة بمجموعة “قانون يحمي الفتيات من العنف الأسري”

وهي إحدى المجموعات المشاركة في حملة #وضع_يد

 

يقولون إن هناك لحظة “وعي نسوي”، لحظة يتفتح فيها الوعي على تراكمات كثيرة تثير أسئلة محيرة، وفي الغالب لا يوجد لها إجابات، لا أملك ذكرى واضحة عن تلك اللحظة، لكنني أذكر موقف لم يغب عني طوال ثمانية عشر سنةٍ، كنت في أتوبيس مدرستي؛ استعدادًا للعودة إلى البيت وعلى الرصيف المقابل للمدرسة، رأيت بوابًا لإحدى العمارات يبرح زوجته ضربًا بالحزام، بشكل وحشي وعنيف، وهي لا تستطيع الدفاع عن نفسها سوى بالسباب، لم يكن الموقف غريبًا عليّ فقد تعودت على رؤيته في الدراما التلفزيونية، التي كانت تقدم مشاهد لضرب الزوجات من قِبل أزواجهن، وأغلب ما أتذكره مشاهد من مسلسلات كوميدية.

ظل الموقف يؤرقني لسنوات، ربما لأنني انتظرت يومين أو ثلاث حتى أعود إلى المدرسة وينتهي اليوم الدراسي لأتشفى في ذلك الرجل، الذي بدون شك لم تعد إليه زوجته، إلا أنني رأيتها تحمل صينية عليها شاي وتقدمها له، ظللت حتى فترة قريبة لا أغفر لها ذلك، حتى نضجت وفهمت أنه لا يمكنني أن ألومها، فأنا أردت الحل السهل بانفصالها عنه، وصون كرامتها المهانة.

أُدرك الآن أن القرار ليس سهلًا، وأن أمامها عقبات كثيرة قد تردعها وتجعلها ترضى بالمر كونها امرأة، اليوم استطيع بكل أريحية أن ألوم مجتمعًا يرسخ لثقافة العنف ضدنا كنساء في حياتنا اليومية سواء في البيت وخارجه.

“اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24” ذلك المثل دعوة خالصة للعنف ضدنا، كثيرًا ما تردده الألسنة، وهو يُعبر عن رؤية المجتمع لنا كشيء للتحكم فيه والسيطرة عليه.

تلح عليّ الآن أسئلة أكثر وعيًا، لماذا لم يتدخل أحد؟، بالطبع لأنها زوجته، ولأن الزواج في بلدنا وفي وعينا هو نقل الملكية من ذكر إلى آخر، فكثيرًا ما يتكرر مشهد ضرب ست أو بنت في الشارع ولا يتدخل أحد مفترضًا أنها قد تكون زوجته أو ابنته أو أخته، أي واحدة منهن يحق له أذيتها، وسيجد من يخفف عنه ويلومها، تلك ثقافة المجتمع الذي ننتمي إليه كنساء، أي عنف واقع علينا من ذكور – خاصةً من تربطنا بهم صلة قرابة – يكون مبررًا.
ما الذي يجعل تلك السيدة ترضى بتلك العيشة وما الذي يجعلها وغيرها يرضخن لأجله؟ وما الذي يجعلنا كنساء نرضى ونسكت؟
يومًا ما أخبرت صديقي أن نساء هذا البلد قد يأتي عليهن يوم ولا يمكن ردعهن وسيردن العنف بعنف، يومها سألني “هل تقبلي أن تستخدمي العنف ضد والدك، كم واحدة ستقبل بالرد على أهلها بالعنف؟”

نعم تربينا على أن نكست وأن العنف الموجّه ضدنا، علينا تقبله، فقط لكوننا نساء، أي الحلقة الأضعف في المجتمع.
على الرغم من كل ذلك، لا يبدو العنف هو الإجابة الصحيحة على أية حال، ولذا نختار الحل الأمثل وهو قانون يحمينا من كافة أشكال العنف وخاصة العنف المسكوت عنه وراء الأبواب، العنف داخل عائلتنا من أهلنا، فأغلب البيوت لم تعد آمنة على بناتها ونسائها، فالعنف النفسي والجسدي والجنسي يحاصر العديد من الفتيات ولا قانون يحمينا.