لم يعد محل جدل أو نقاش ما تكرسه الدراما من صور نمطية للنساء، ترسمها أوراق الكُتاب وتحييها كاميرات المخرجين، فقد بات معهودًا تأطير الشخصيات النسائية كتابعات، ملاذهن الاَمن أو المحرك الرئيس في حياتهن هو الرجل، وإن ظهرن متمردات تنسج الدراما خيوطها للالتفاف حول رقابهن باعتبارهن ساقطات خرجن عن “أعراف” المجتمع.

قلما تنتصر الأعمال الدرامية المصرية خصوصًا والعربية عمومًا للنساء اللواتي يتمردن على النظام الأبوي، ويرفعن لواء الاستقلال، وعادةً تُغلق الأبواب في وجه النساء مع الخطأ، بينما تفتح بابًا جديدًا أمام الرجل لو ارتكب الخطأ نفسه، وفي المسلسلات المعروضة خلال هذا الموسم، تكررت شخصية الرجل النذل والأناني، الذي يريد كل شيء، ويسعى إلى تملك أكثر من امرأة، وتقوده رغبة في احتكار الأنثى، لكن مثلما يظهر القبح من ناحية، تُنصفه من ناحية أخرى، مثل الضابط “محمود عبد الظاهر”في مسلسل “واحة الغروب” للمخرجة كاملة أبو ذكري،  ذلك الرجل الذي أبى كبرياءً الاعتراف بحبه لجاريته “نعمة” التي استأثر بها وحده، ولم يكن هو سوى لنفسه، يرضي غروره كرجل شرقي، تفتح له الدنيا ذراعيها ليحقق متعته، ويعود إلى بيته فيجدها تنتظره وحيدة حتى لو لم تطأ قدمه عتبته لشهور.

حتى بعد هروب “نعمة”، يظل مسكونًا بمفهوم الفحولة، فيتزوج من امرأة أيرلندية تدعى “كاثرين”، هي التي سعت إليه، بدون مقدمات مقنعة لانجذابها الشديد إليه، وبدون دليل على حب دب في قلبه تجاهها، وإنما بدا مقصده الخلاص من حبه لــ”نعمة”، إلا أن عشقه للأولى يظل عالقًا بفؤاده، فيخون ويعترف بخيانته وكأنها حق مستحق، وأكثر ما يُجلي حقيقة أنانيته النابعة من القناعات الذكورية، هو سؤالها له بعد أن أقر بخيانته، لماذا لا تفعل هي مثله، فيرد “لو عايزة تعملي كدا اعملي بس أنا هقتلك”

هذا الشخص هو نفسه الثائر المطالب بالحرية والاستقلال، يعبر عن طيف واسع من الثائرين الذين ينادون بالتحرر وهم أول من يمارس القمع بحق النساء، لأن الحرية مفهومها في عقولهم منقوص، فحتى عندما تأسف عن فعله، لم يكن ندمًا بل تبليغًا وتبريرًا، مستخدمًا الجملة المعلبة التي يتذرع بها كثير من الرجال لتبرير خيانتهم “جسدي لا يكفيه امرأة واحدة”، وتبقى الزوجة الأيرلندية مستسلمة لطبائع الزوج، قابعة في مكانها لا تريد أن تتمرد على الوضع المهين، وعلى عكس “نعمة”، لم تهرب “كاثرين” بل اختارت الاستمرار في تعذيب نفسها كالعاجز.

وعلى الرغم من أن “محمود عبد الظاهر” ظابط بالجيش، تدور قصته في نهايات القرن الـ19 بعد فشل الثورة العرابية وبداية الاحتلال الإنجليزي، إلا أن رؤيته وتعامله مع المرأة لا يختلفان كثيرًا عن رجل يعيش في زمننا هذا،  وهو الدكتور “هشام” طبيب التجميل في مسلسل “لأعلى سعر” من إخراج محمد العدل.

مثل الكثير من الذكور اختار “هشام” المرأة الجميلة، ومتوقدة الذهن، والناجحة، اقنعها بحبه وأنه الأخلص لها حتى تمكن مما أراد، فاشترط عليها التنازل عن أحلامها والتضحية بمستقبلها المهني، خاصة لأنها راقصة باليه هو ما يعتبره أمرًا مخجلًا.

الرضوخ والتضحية صاحبهما دعم ومساندة معنوية ومادية، لتستفيق من الغيبوبة التي اقحمت نفسها فيها، على خيانة “هشام” وزواجه بصديقتها، وكما يكشف المسلسل نذالة هذا الرجل، يفتح مجالًا أمام من يريد التعاطف معه، ليجد كل من يردد مقولة “إحنا بنلوم الراجل ليه، الست هي اللي غلطانة محافظتش على جوزها” ضالته، فشخصية “هشام” هي تجسيد لطبيب مجتهد، استغل الفرص التي توفرت أمامه ليصبح أكثر من مجرد طبيب ناجح، ويتحول إلى شخصية عامة، وهو الرجل الوسيم الذي لفت نظر زوجته مرارًا إلى انزعاجه مما أصابها من تغير على صعيد المظهر، وهذه اَفة كل من تشبعوا بالصبغة الذكورية، فهم لا يطرحون نفس الموقف مع تبادل الأدوار، فلا أحد يجرُأ على مناقشة حق المرأة في التخلي عن زوجها، أو يبرر لها خيانته إن تغير مظهره، بالعكس توصم النساء بأقذع الأوصاف إن حدث.

على الرغم من أن شخصية “جميلة” تمثل العديد من النساء، لكن المسلسل لا يقدم قصة جديدة، فما أكثر القصص التي جعلت النساء يدرن في فلك الرجال، ويتصارعن من أجل الفوز بأحدهم.

على نفس النهج تسير شخصية الدكتور “طارق حلمي” الطبيب النفسي، الذي تكشف أحداث مسلسل “30 يوم” للمخرج حسام علي، أنه متزوج من امرأة أخرى ويخفي الأمر عن زوجته، حتى تكتشف الحقيقة عن طريق فيديو مسرب لهما، ومثلما فعل الدكتور “هشام” في “لأعلى سعر”، تمسك “طارق” في “30 يوم” بالزوجتين معًا، يبعثر كلمات الحب هنا وهناك، ويطلب من كل منهما قبول الأمر الواقع، ويمضى المسلسل وكل ما يعرفه المشاهدون أن هاتين السيدتين لا محرك لحياتهما سوى هذا الرجل.

في مقابل ذلك، حالة من الإذلال تظهر عليها الزوجة الثانية “صافي” التي تذهب إلى الأولى تطلب منها أن تقنع زوجها بألا يطلقها، رغم يقينها أنه سيختار زوجته الأولى وابنته عندما يصبح الاختيار حتميًا، فيما يبدو رد فعل الزوجة الأولى “تغريد” فاترًا ومائعًا، تستشيط غضبًا في البداية، وبدون مسوغات تقبل الانتظار، ثم تترك يدها تعانق يده، وكأن شيئًا لم يكن بعد اعتذار لا يعتد به عن صفعة واتهام بالخيانة، بعد أن وجدها تتحدث إلى زميلها بالعمل أمام باب شقة الأخير.

https://youtu.be/m3W-OX7CsOU

نموذج اَخر للرجل الأناني هو “هشام” أستاذ الموسيقى في مسلسل “لا تطفئ الشمس” من إخراج محمد شاكر خضير.

رجل أربعيني يقع في حب تلميذته، وهي ليست المرة الأولى التي يقع في حب امرأة أخرى غير زوجته، التي تعلم بخياناته وتتعايش معها؛”هشام” يأبى توصيف ما يفعل بالخيانة، لأنه يحب كل امرأة في حياته حبًا مختلفًا على حد تعبيره، فيما تظهر الزوجة “زيزي” متمسكةً به، متسامحة مع خيانته إلى حد إفساح المجال ليجتمع مع محبوبته الصغيرة داخل المستشفى بعد أن أجرى عملية بالقلب، ومن جديد تكتفي بوعده الواهي بألا يكرر خيانته مرةً أخرى، على الرغم أنه اعتذر ووعد مرارًا قبل ذلك.

هذه الأنانية طالت “اَية” التلميذة التي أحبت أستاذها، وعندما علمت عائلتها بالعلاقة، لجأت إليه، فتخلى عنها، وتركها تواجه العاصفة وحدها، وتصبح في عيون من حولها “هوجاء” لا يحق لها أن تختار أو تقرر، أما هو “رجل أخطأ وعاد إلى رشده”.