«من رحم المعاناة يولد النجاح»

في أحد شوارع منطقة منشأة ناصر المصنفة ضمن الأحياء شديدة  العشوائية في القاهرة، التي تكتظ بالسكان وتمتلئ بالأطفال والباعة، تجتذب الأنظار فتاة تقف بشموخ وجلد رغم انكفاء العمود الفقري أمام المكواة لأكثر من عشر ساعات يوميًا، لا تعبأ للهيب الحر وصيام شهر رمضان.

في مشهد لايتكرر كثيرًا في حي شعبي مثل منشأة ناصر له منظومة من العادات والتقاليد المتحفظة، التي تتسم بالذكورية في التعامل مع بعض المهن التي لا يألف السكان رؤية النساء تمارسها، خرجت “نادية محمود محمد” ابنة الـ29 ربيعًا، تتحدى كل العراقيل من أجل أن تستمر في نفس الطريق الذي سلكه والدها وتمتهن مهنته، بعد أن رحل وترك لها مسؤولية 4 أخوات ورعاية أمها المريضة.

“الشغل مش عيب، اشتغلت مكوجية بدل العوز والإحسان من هنا وهناك، العيب أنك تقعدي عالة على أهلك، وتشوفي بيتك محتاج مصاريف وتلعني الظروف وبس، الحركة والسعي هي اللي بتوصلنا لتحقيق أحلامنا.”

هكذا تبدأ نادية حديثها إلى “ولها وجوه أخرى” بمنتهى الحماس والفخر، وتواصل “مات والدي قبل 3 سنوات، ولم يترك لنا سوى معاش 300 جنيهٍ، لايكفي طلبات خمس بنات وعلاج أمهن المريضة، وبالكاد يكفي إيجار المحل، لذا قررت النزول إلى العمل وكان لدي إصرار على تعليم نفسي كي الملابس حتى نجحت في ذلك.”

وتتابع “أنا البنت الوحيدة التي تعمل مكوجية فى منشأة ناصر، يومي يبدأ من العاشرة صباحًا ويستمر حتى الحادية عشرة مساءً، وفي الأعياد وشهر رمضان أواصل العمل حتى صباح اليوم التالي، وكل أهل المنطقة فخورين بعملي، ولا يسمحوا لأحد أن يضايقني، ويسعوا لحمايتي.”

“أنا معروفة في الشارع من الكبار والصغار بــ”أبلة نادية” وأسعد جدًا عندما أسمعهم يلقبونني بالبنت الجدعة أو بنت بميت راجل ” تقول “نادية” وتردف “نجاحي في مواصلة العمل بعد وفاة والدي يشعرنى باستقلالية كبيرة، رغم أننى بدأته في مصانع العتبة بعد حصولي على دبلوم التجارة، وقد تدربت واحترفت العمل على جميع ماكينات الخياطة والقص والتطريز، إلا أنني أمام المكواة ينتابني شعور بقدرتي على إدارة مشروعي الخاص فى المستقبل، وأن امتلك مصنعًا صغيرًا، بعيدًا عن نهر وزجر صاحب العمل، وأوظف فيه كل بنات حي منشأة ناصر، حتى يتوفر لهن أجر عادل، ومعاملة لائقة عن تلك التي وجدتها أثناء عملي في مصانع العتبة.

وعن أحلامها تقول “نفسي أنجح في شراء جهاز الفرح لأخوتى وهن؛ نورهان، وصباح، ونسمة، وسماح، لأنهن أهم ما في حياتى، وأتمنى أن استطيع معالجة أمي عندما تمرض في مستشفى تحترم المرضى وليس في المستشفيات الحكومية، هؤلاء مسؤوليتى التي لن أتخلى عنها أبدًا، خاصة بعد زواج الأخ الأكبر وعدم استقرار الأخ الأصغر في العمل.”

يمكن القول أن نادية لا تواجه صعوبات كبيرة في مشروعها، فهي تعمل على تطوير نفسها باستمرار، حتى عجزت عن كي الجلاليب البلدي الرجالي، ذهبت إلى ترزي المنطقة ليدربها على طريقة كيها ونجحت فى ذلك.

وبسؤالها عن المشكلات التي تواجه المرأة المصرية عمومًا تقول “مفيش مشكلة إلا ولها حل، والست لو صممت على النجاح هتنجح، وتتغلب على كل من يعطلها، وإلا تكتفي البنت ببقائها في المنزل انتظارًا للعريس وتندب حظها لو تأخر، عليها أن تتحرك وتكسب لقمتها بجهد، وأي أن كانت الشغلانة، أكل العيش الحلال لايلومه أحد، لأن السند الحقيقي للستات في هذا الزمن هو الشهادة والفلوس وليس الراجل.”

وعن رأيها في بطالة الشباب، تقول “للاَسف الستات أصبحن رجال المنزل الاَن ينفقن ويربين الأولاد، والشباب والرجال على المقاهي يلعنوا الظروف وينتظرون الوظيفة تصل حتى غرفهم.”

وتختتم نادية “مفيش فرق بين الولد والبنت، وعلى العكس أصحاب العمل يفضلون النساء الاَن لشطارتهم واجتهادهم في العمل، وفي النهاية اللي عايز يفلح هيفلح من غير إعذار أو حجج .”