شيماء طنطاوي تكتــب: أيهن الأسوأ حظًا؟
عن الكاتبة:
منسقة برنامج المبادرات النسوية بمؤسسة نظرة للدراسات النسوية،خريجة المدرسة السنوية فى دورتها عام 2013، شاركت فى عدد من العروض لمشروع بصي أبرزها “عاش يا وحش”، وأخيرًا شاركت في إعداد دليل المبادرات النسائية/النسوية الصادر عن مؤسسة نظرة
طوال اليوم أتساءل من الأسوأ حظًا بيننا، أوجه السؤال لـنفسي وأعدد الصفات الإيجابية والسلبية التي في النهاية أغلبها يجعلني أتعرض للتمييز وأحيانًا للعنف، ثم أنظر حولي أتأمل أحوال صديقاتي المختلفات في بعض صفاتهن عني، وأرى أنهن أيضًا حظهن سيء مثلي أو أكثر وربما أقل، لذا قررت أن أشارك صديقاتي بالأمر لأعرف من الأسوأ حظًا من وجهات نظرهن، فأصل بذلك إلى رؤى مختلفة ومتنوعة.
وسألتهن “من الأسوأ حظًا، هل الـ بنت – صعيدية – مسلمة – مستقلة – من طبقة أقل من متوسطة؟” وكانت هذه الكلمات التي تحصلت عليها كإجابات للسؤال:
بنت – ست – صعيدية – من الأقاليم – مسلمة – غير محجبة – مسيحية – بهائية – متزوجة – مطلقة –علمانية – بايرة – سمرا – مصرية – عربية – مثقفة – متعلمة – أمية – مستقلة – ذات إعاقة – تعمل بالزراعة – تعول – فكرت تخرج بره القطيع – قروية – تعمل بمصنع – صحفية – ممثلة – فقيرة – غنية – طبقة متوسطة – طبقة أعلى من متوسطة –يسارية – لا تستطيع الخروج بدون إذن الزوج – بنت غيرت دينها – هواريه (قبيلة صعيدية) – اتربت في الخليج – بنت وفقط.. ست وفقط
برأيي يمكن أن نصنع من تلك التوليفة من الكلمات شخصيات، ونعقد مقارنة لنحاول الوصول إلى من الأسوأ حظًا بينهن.
ست – مسلمة – مطلقة – عاملة
إذا قمنا بتحليل تلك الشخصية، فهي مسلمة وذلك امتياز وتمييز أيضًا، فلكونها مسلمة استطاعت الحصول على بعض الامتيازات التي منها – سأذكر حق واحد فقط لعدم الإطالة – الطلاق، وبالطبع لديها الحق في الزواج مرة ثانية، ولكن إذا ما ترفعت إحدى العائلات وقبلت بسيدة مطلقة لأحد رجالها المصونين، ولكن هذا الامتياز يترتب عليه تمييز، وهو أنها سيدة طوال الوقت مشكوك في سلوكها ويمكن بسهولة أن تنحرف فقد تخلصت من “نقاط الدم” المعبرة عن الشرف بالنسبة لهم، فهي الآن فقدت “الختم الخاص والممنوح لدخول عالم الشريفات” بزواجها المفقود، وهي حاليًا تملك جزء من حرية جسدها.
كونها مطلقة ينظر المجتمع إليها دائمًا باعتبارها المرأة اللعوب المتاح لها الآن أن تعدد علاقاتها، ويمكن لها أن تفعل ما تشاء بجسدها بدون أن يعرف أحد ما فعلته، وهي أيضًا تلك المرأة الساقطة التي لا تعرف أي رجل إلا وتريد أن تقيم معه علاقة سواء كان شابًا لم يتزوج بعد أو رجلًا متزوجًا (وكأنه طفل صغير مسلوب الإرادة) تخطفه تلك المرأة من زوجته أو من حضن والدته!
أما كونها عاملة بغض النظر الآن عن كونها مطلقة، هي سيدة لديها دخل وبالتالي مستقلة ماديًا وذلك امتياز في حالة ما إن كانت لا تعول، أما إذا كانت تعول فهو امتياز وتمييز، لأنها بذلك ستكون عاملة خارج المنزل بأجر وداخل المنزل بدون أجر، ومع قوانين النفقة التي تُطبق في مصر، التي نعلم أن الزوج في الغالب يتهرب من دفع تكاليف النفقة أو يتم تقديرها بطريقة لا تتلائم مع الوضع الواقعي، وذلك إذا لم نتحدث عن بيئة العمل واعتبرنا أنها تعمل في بيئة عمل آمنة للنساء عامة والمعيلات خاصة.
ست مطلقة عاملة مصرية، مش من حقها تهتم بنفسها أو تخرج مع صحباتها أو تتأخر بره البيت طبعًا، أكيد مش من حقها تحب أو تبني بيت جديد، وطول الوقت مشكوك في سلوكها!
ست – مسيحية – عاملة في مصنع – من أسرة متوسطة
أما الشخصية الثانية فهي سيدة مسيحية، بالتالي المجتمع الكبير لا يهتم كثيرًا بسلوكها، لأنه يرى أنها ليست ممن يحثهن الدين على حماية شرفهن وسمعتهن المزعومة، وذلك يخفف بعض العبء القادم من المجتمع الكبير في دولتنا المسلمة، ولكن يظل عبء المجتمع المسيحي الصغير، فـكونها مسيحية – سأذكر صفة واحدة فقط لعدم الإطالة – لا يحق لها الطلاق مهما حدث، فتاة لا تعرف شيئًا أو قد تعرف بعض صفات الشاب، وممكن جدًا أن تكون صفاته ليست كما تبدو، خاصة في مرحلة بدايات الارتباط، تتزوج هذا الشاب (هي ونصيبها) ومضطرة أن تكمل معه حياتها للأبد بدون فراق، مهما كانت طباعه وصفاته الشخصية، بغض النظر عن التوافق بينهما من عدمه سواء نفسيًا أو جسديًا.
مسيحية أي لها مظهر يختلف عن بقية نساء البلد ذي الأغلبية المسلمة وهذا يُعتبر عند البعض امتياز وعند الآخرين تمييز وهو في الحقيقة الاثنان معًا، فذلك المظهر المريح للبعض هو “حُجة” قوية للتحرش والعنف عند الكثيرين.
من أسرة متوسطة ملتزمة بكل عادات وتقاليد الطبقة المتوسطة والأعراف الخاصة بالمحافظة على البيت والقبول بالأمر الواقع، أي أن كان واقع زواجها ومهما كانت حياتها الشخصية والعملية.
تلك السيدة تعمل في مصنع في مصر، تعمل في بيئة عمل غالبًا لا تناسب النساء عمومًا، عاملة بمصنع قد تتعرض لأشكال مختلفة من التحرش، وإذا ما نجت من ذلك، فهي بالتأكيد تتقاضى راتب بالطبع أقل من راتب زميلها الذكر، وبالتأكيد إذا كانت متزوجة، تعمل داخل المنزل بدون أجر، وإذا كان لديها أطفال فلا توجد بيئة عمل مناسبة لرعايتهم.
بنت – صعيدية – مستقلة – غير محجبة
الشخصية الثالثة، فتاة لم تتزوج بعد وذلك عبء مستمر لا ينقطع ولا يتوقف ولا يهدأ أبدًا من جميع الأطراف في المجتمع “هنفرح بيكِ امتى؟ العمر بيجري لازم تلاقي راجل يصرف عليكِ وتتسندي عليه” وكأن الحياة لا يمكن أن تكون هادئة مستقرة بها السند والحب والراحة والأمان بدون رجل.
لابد أن تتزوج تلك الفتاة ويتخلص المجتمع كاملًا من ذلك الهم والعار المتمثل دائمًا في جسدها، الذي طالما امتدت فترة عدم زواجها تزايد هذا العار، وهنا تنتقل مسؤولية المحافظة على الشرف العظيم الموجود بين ساقيها من ذكور عائلتها جميعًا إلى حامي الحما الذكر الوحيد والأوحد والمالك الجديد، يتخلصون جميعًا من مسؤولية حماية الشرف وحقوق ملكية الجسد الذي كان يتحمله مجموعة ذكور العائلة الصغيرة والكبيرة.
مستقلة سواء كان استقلال مادي أو اجتماعي، فقد أصبحت تلك الفتاة تسيطر على جزء من حياتها وذلك شيء في منتهى الخطورة، جزء من حياة فتاة لم يعد في يد المالكين لها، تستطيع الآن أن تمتلك مالًا؟، لما تمتلك فتاة المال، ما الذي يمكن أن تفعله بالمال؟ أليس أحق بذلك المال الشاب المسكين الذي يعد العدة لشراء جسد جميل تختاره له عائلته المصونة؟
صعيدية تحكمها القيم القبلية الأصيلة والعميقة التي يصعب إن لم يكن من المستحيل تكسيرها، وهي درجات تبدأ من الأب ثم الأخ ثم الأعمام ثم أولاد العم ثم الجد لأب ثم الأخوال ثم أولاد الخال ثم الجد لأم، إلخ.
غير متاح لها السفر بعيدًا عن محافظتها للعمل، وإذا وقع السفر يكون لاستكمال دراستها في أحسن الظروف، مجتمع تُقتل فيه النساء لمجرد الشك في شرفهن بدون أن يعلم أحد عن وجودهن أو اختفائهن، مجتمع يحكمه في الأغلب قوانينه القبلية التي يمكن أن تزوج فتاة قسرًا وتُنهي حياتها في حال اعترضت على الأمر، مجتمع لا نعرف عنه الكثير مهما حاولنا.
ويمكن أن نتحدث لاحقًا عن شخصيات أخرى أصحاب صفات من تلك المذكورة أعلاه، يمكن أن نتحدث أيضًا عن يوم من يوميات هذه الشخصيات لـنرى أنه في أفضل الظروف كونها سيدة مصرية لا تعاني من أي تمييز ولكنها فقط تتحرك في شوارع هذا البلد فـتتعرض لأشكال مختلفة من التحرش، يجعلها أسوأ حظًا بالتأكيد.
وفي النهاية وعلى الرغم من كل التقاطعات “الاجتماعية – الثقافية – العرقية – الاقتصادية – الدينية – الجغرافية -إلخ” التي رأيناها في الصفات المطروحة، إلا أن الشيء الوحيد المشترك بين جميع الشخصيات أنهن نساء، أي النوع الاجتماعي هو الوحيد المشترك الذي يجعلهن أسوأ حظًا.
وفي نهاية الأمر أترك لكم/ن تلك المقالة التي حاولت من خلالها أن أجمع شتات أفكاري وأجيب على التساؤل العالِق دائمًا بذهني، وهذه هي الإجابة التي توصلت إليها، وربما يتوصل آخرون إلى إجابات مختلفة عنها
«النساء المصريات هن الأسوأ حظًا مع مراعاة التقاطعات المختلفة»