«بنــات النــاس» فيلم يبشر بسلاح المقاومة.. وحقوقيات يستعرضن معوقات تحجيم ظاهرة «التحرش» في مصر
نظم مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي عرضًا خاصًا للفيلم الوثائقي «بنات الناس» الذي يتناول ظاهرة التحرش الجنسي المتفشية في مصر، وأعقب العرض جلسة نقاشية جمعت كل من “أمل فهمي” مديرة مركز تدوين، و”نيفين عبيد” الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي والعضوة بمنظمة المرأة الجديدة، والمحامية “هبة عادل” عضوة مبادرة المحاميات المصريات.
عُرِض الفيلم يوم الأحد الماضي بالمركز الهولندي الفلمنكي في منطقة الزمالك، ليكون العرض الثاني له داخل مصر بعد أيام من عرضه بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ويرصد الفيلم معاناة عدد من الفتيات مع التحرش الجنسي الذي تحتل مصر المركز الثاني عالميًا في انتشاره بعد أفغانستان.
ويدعم “بنات الناس” فكرة مقاومة الفتيات لهذه الظاهرة التي طالت 99.3 في المئة من نساء مصر بحسب دراسة صادرة عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة في عام 2013، وقد قدمت مخرجتا الفيلم “كوليت غونيم وتين فان لون” تجربة في سياق أحداثه توثق مقاومة إحداهما للتحرش في أحد أيام الأعياد بمنطقة وسط البلد التي تعد بؤرة للتحرش الجنسي بحسب العديد من المبادرات الشبابية التي عملت على مكافحة الظاهرة منذ عام 2011، وتكشف التجربة أن مواجهة المتحرشين سواء من قبل المُتحرش بهن أو المارة تساهم في ردعهم.
«كره الجسد» مسألة طرحتها الدكتورة “ماجدة عدلي” مديرة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، عبر مداخلة لها خلال الفيلم، متحدثةً عن العنف ضد الفتيات في الشارع الذي يتسبب في كراهيتهن لأجسادهن التي كلما نظرن إليها تذكرن الانتهاكات التي طالتهن، مشددةً على أن الرادع لا يجب أن يكون قانونيًا فقط ولكن مجتمعيًا.
يعرض الفيلم حالة فتاة تعرضت للتحرش الجسدي داخل مصعد العقار الذي تسكن فيه بحي الوراق، وتروي كيف صرخت واستنجدت بالجيران، فحاول المتحرش الفرار ولاحقته ومعها الجيران حتى أمسكوا به، ثم تتطرق إلى تفاصيل تحريرها لمحضر ضده بقسم الشرطة.
قصة هذه الناجية كشفت في طياتها مدى القبول المجتمعي للتحرش، الذي يصل إلى الدفاع عن المتحرشين، فقد أشارت الفتاة إلى ردود الأفعال السلبية لجيرانها خاصة عندما علموا بنيتها تحرير محضر ضد المتحرش فمنهم من قال “حرام تضيعي مستقبله ده متجوز ومراته قربت تولد “وهناك من قال “دا زي أخوكي”، والأسوأ من حملها الخطأ لأنها “ركبت الأسانسير معاه”.
شاركت الناجية في جانب من الجلسة النقاشية التي أعقبت الفيلم، وقد ظهرت دون حجاب الرأس كما كانت في الفيلم، وتحدثت عن ذلك موضحةً أنها ارتدته بغية حمايتها من التحرش، لكنه لم يحقق مرادها، وهو ما دفعها إلى خلعه.
بدت الفتاة محبطة إلى حد ما من بطء الإجراءات فيما يتعلق بالمسار القانوني لقضيتها، لكنها لم تُظهر أي نية للتراجع عما عزمت عليه.
خلال الجلسة تحدثت “أمل فهمي” مديرة مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، عن نشاط منظمات المجتمع المدني والمبادرات الشبابية التي ظهرت في أعقاب ثورة يناير لمواجهة ظاهرة التحرش الجنسي خاصة بعد أن عرفت طريقها إلى ميدان التحرير في خضم المظاهرات التي اجتاحت الشوارع وقتذاك، وأعربت عن اَسفها مما اَلت إليه أوضاع هذه المجموعات في ظل التضييق الذي يحيط بها ويعيق نشاطاتها الميدانية وهو ما دفع بعضها إلى حل نفسها بنفسها أو اللجوء إلى الفضاء الإلكتروني للاستمرار في التوعية بالظاهرة ودعم الناجيات منها.
كما أفردت “فهمي” مساحة من حديثها، للتعريف بأهم الأرقام والإحصاءات التي تتعلق بالتحرش الجنسي، مسترشدةً بالدراسة الاستقصائية الدولية عن الرجال والمساواة بين الجنسين (فهم الهويات الجندرية للرجال) الصادرة مؤخرًا عن مؤسسة بروموندو وهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (UN Women)، وذكرت أن 60 في المئة من الرجال تحرشوا بالنساء، ونسبة مماثلة من النساء أكدت تعرضهن للتحرش، و70 في المئة من الرجال يرون أن النساء اللواتي يرتدين ملابس على حد وصفهم مستفزة يستحقن التحرش بهن، والأمر الباعث على الاهتمام أن 64 في المئة من النساء أيدت ذلك.
فيما انتقدت الباحثة “نيفين عبيد” خلال كلمتها أداء الوزارات الحكومية فيما يتعلق بقضية العنف ضد المرأة بشكل عام والتحرش الجنسي بشكل خاص، معتبرة أن التعامل الرسمي مع القضية تعامل أتوماتيكي يفتقر إلى التخطيط الهادف إلى حل المشكلة الفعلي، خاصة أن هناك مشاريع يجري إطلاقها في هذا الصدد لكنها تنتهي مع أي تعديل وزاري يطرأ.
وعن وعي الناس بالتحرش عمومًا والجماعي خصوصًا، أكدت “عبيد” أنه موجود لدى عموم الناس، وليس بسبب الوقائع التي شهدها ميدان التحرير فحسب ولكن قبل ذلك، مشيرةً إلى واقعة التحرش الجماعي بفتاة العتبة في أوائل التسعينيات، والتحرش الجماعي بالراقصة دينا أمام سينما مترو بمنطقة وسط البلد خلال عيد الفطر في عام 2006، ثم واقعة التحرش بالصحافيات والناشطات السياسيات على سلالم نقابة الصحافيين في 25 مايو من العام 2005 الذي عرف بالأربعاء الأسود.
أما المحامية “هبة عادل” فقد ركزت في كلمتها على الجانب القانوني وأبرز الإشكاليات التي تواجه الناجيات عندما يقررن استعادة حقوقهن عبر المسار القانوني، مستنكرةً بطء الإجراءات الذي ينتج عن إشكالية إرسال المحاضر إلى النيابة العامة لتدخل ضمن اَلاف المحاضر على الرغم من أن هذه القضايا لها خصوصيتها ولا تحتمل المماطلة والتأخير، وسلطت الضوء على بعض المشكلات التي تواجه الناجيات أثناء توقيع الكشف الطبي عليهن، في ظل عدم مراعاة الحالة النفسية لهن وغياب الخصوصية، وافتقاد الأطباء إلى التدريب على التعامل مع هذه الحالات.
وأوضحت “عادل” أن القضايا التي يكتب لها النجاة من مصير بطء الإجراءات هي فقط التي يتناولها الإعلام باهتمام.
“القانون نسبيًا جيد لكنه غير كافٍ” هكذا عبرت “عادل” عن رؤيتها للتعديلات التي أجريت في يونيو من العام 2014 على قانون العقوبات المصري بشأن جريمة التحرش الجنسي.
يذكر أن التعديلات التي أصدرها الرئيس السابق عدلي منصور تنص على:
«المادة 306 مكرر (أ) من قانون العقوبات المصري: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيها و بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه.
وفي حالة العودة تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى.
المادة 306 مكرر (ب): يعد تحرشا جنسيا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 306 مكرر (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.»