الانتهاكات ضد غير المحجبات عرض مستمر.. والمجتمع يبارك والمؤسسات الرسمية تكتفي بالصمت
مازال الاعتداء على المساحات الخاصة للأفراد، وانتهاك حرياتهم الشخصية مستمرًا على نطاق واسع ولا يلوح في الأفق أي بوادر لانحصاره، خاصة في ظل قبول مجتمعي تحت غطاء “الحفاظ على تقاليد المجتمع وأعرافه”، وتبقى المرأة أكثر من يدفع ثمن هذه الأفكار والمستهدف الأول من هذه الاعتداءات.
المجتمع أصبح أخطر من الدولة وأقوى من سيادة القانون
بعض التحسن.. الفتيات والسيدات المُعتدى عليهن “عرفن طريق الأقسام” ويحررن محاضر
العنف ضد النساء أشكال وأنماط، ويزيد على أساس المظهر، في مجتمع يُستخدم فيه الدين أداة للحكم على الناس وتوجيههم، وأحد أبرز صوره تتمثل في العنف ضد النساء غير المحجبات، الذي لا يعد جديدًا على مجتمعنا، لكنه أخذ منحى أكثر حدة وتوحشًا، وبعد أن كان قاصرًا على النبذ أو الإساءة أو التمييز، باتت تتكرر على المسامع أخبار الاعتداء الجسدي بحقهن.
“رحمة سامي” صحافية شابة روت عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي – فيسبوك- في نهاية إبريل الماضي، تفاصيل تعرضها لمحاولة قص شعرها باستخدام الكاتر (اَلة حادة) من قبل إحدى السيدات بعربة المترو، قائلة “عشان شعرك اللي فرحانة بيه”، ولم تساعد النساء المتواجدات داخل العربة “رحمة” في الإمساك بالسيدة لتحرير محضر ضدها، بل منحنها فرصة الهروب، ومنهن من قال لها “احمدى ربنا إنها ماضربتكيش بالكاتر” و”حرام يمكن عندها عيال”.
“نيفين عبيد” الباحثة في فضايا النوع الاجتماعي والعضوة بمؤسسة المرأة الجديدة، ترى أن «هذه الواقعة تعد مؤشرًا خطيرًا يكشف أن المجتمع أخطر من الدولة وأقوى من سيادة القانون، موضحةً أن هذه الحادثة أظهرت أن المجتمع ليس راضيًا عن هذا الأمر فقط بل من الممكن أن يقاوم تطبيق القانون.»
وتضيف «المجتمع أصبح يستسيغ معاقبة النساء الخارجات عن المنظومة الثقافية التي ينتمين إليها، وقد يعوق تطبيق القانون بحق المعتدي.»
وتردف “عبيد” قائلة «منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية بعد تجربة الخمس سنوات الماضية، أصبحت في حاجة ماسة إلى العمل على الأنماط الاجتماعية، والثقافات المجتمعية أضعاف ما تم خلال هذه السنوات، خاصة أن هذه المنظمات تعرضت لإضطهاد من قبل الدولة عندما تبنت خطاب رسمي يقاوم الحركة النسوية، فلاقى هذا الأمر قبولًا لدى المجتمع.»
«لا أذكر عدد المرات التي عانيت فيها من التمييز أو الإزدراء لكوني غير محجبة» هكذا تبدأ مي محمود 24 عامًا حديثها لـ”ولها وجوه أخرى”، وتضيف «في الصف الأول بالمرحلة الإعدادية، أجبرتني مدرسة اللغة العربية على إرتداء الحجاب حتى أكون مثل زميلاتي بالفصل، فلا يجب أن أكون مختلفة عنهن، وارتديت الحجاب رغمًا عني وعن أهلي لتفادي لوم المعلمة، وعندما التحقت بالجامعة عزمت على خلع الحجاب، فوجدت نفسي في جدال مع أسرتي، أقرب ما يكون إلى صراع، خوفًا من كلام الجيران والعائلة، وانتهى الأمر بخلعي له لكن بشرط أن ارتديه في المنطقة التي أعيش فيها، أما خارجها فأنا سيدة قراري.»
وتتابع “أتلقى يوميًا نصائح من زملاء العمل والأصدقاء والصديقات حتى أعود لارتداء الحجاب، وحتى من غرباء في وسائل المواصلات وصالونات التجميل أحيانًا، تارة بحافز الفوز بعريس، وتارة أخرى لكي اتجنب عقاب الله في الآخرة وكأنني ليس لدي عقل أزن به الأمور.”
تؤكد الباحثة “نيفين عبيد” أنه لايمكن التقليل من قيمة القانون باعتباره أحد وسائل التوعية، وتقول «لا يمكن أن نتخلى عن تنفيذ القوانين أو تحسين البنية التشريعية، ولكنها ليست كافية على الإطلاق.»
وتستطرد “عبيد” «اللحظة الراهنة التي يمر بها المجتمع لحظة اختناق، بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالمجتمع المدني محاصر وفي حالة إعياء، لابد أن يتم العمل على الجانب الجماهيري، بالإضافة إلى مزيد من التنظيم للنساء وجمعيات المصالح المختلفة، بتقديم خطاب تقدمي للمرأة، حتى تلقى إشكاليات مثل سيدة المترو وغيرها مقاومة ليس فقط من الفتاة التي تعرضت للعنف وإنما من اَخرين يتضامنون معها.»
“مي دبور” إحدى اللواتي يعانين من التمييز على أساس المظهر بسبب عدم ارتدائها للحجاب، ولسبب اَخر تكشفه «الاضطهاد ليس بسبب شعري فحسب، ولكن منذ الصغر كان هناك من يشبهونني بالبرميل بسبب وزني الزائد، وأحيانًا بسبب الأداء والحركة، ومؤخرًا قمت بقص شعري كنوع من أنواع الدعم لمرضى السرطان، فصرت أتعرض إلى إساءات لفظية من نوعية “ياواد يابت”»
داليا عبد الحميد مسؤولة ملف النوع الاجتماعي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تقول إن «هذه ظاهرة العنف ضد غير المحجبات ليست جديدة، موضحة أن الجرائد نشرت عن كثير من وقائع العنف والتعدي على النساء بمترو الأنفاق خلال عامي 2012-2013، تعرضت لها فتيات مسيحيات تحت السن القانوني.»
يذكر أن مؤسسة نظرة للدراسات النسوية قد أصدرت في ديسمبر 2013، تقريرًا بالتعاون مع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أشار بوضوح إلى ارتفاع في وتيرة العنف ضد النساء المسيحيات وغير المحجبات.
ترى “عبد الحميد” أن تحسنًا قد حدث خلال الفترة السابقة، فقد أضحت الفتيات والسيدات المُعتدى عليهن يحررن محاضر، لقد عرف الناس طريق الأقسام على حد تعبيرها بخلاف الماضي.
وتشير مسؤولة ملف النوع الاجتماعي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إلى أن تغييرًا قد طرأ فيما يتعلق بالحرية الشخصية للأفراد، وحرية النساء في أجسادهن في الفضاء العام، لكن فيما يُعرف بالقناعات المجتمعية والثقافية لا يتم تغييرها بالقانون فقط، وإنما لها علاقة بالتعليم والخطط القومية، والإعلام.
«أذكر كيف كنت أعاقب بالخروج مع زملائي المسيحيين في أوقات حصص التربية الدينية لأنني لم أكن ارتدي الحجاب.» تقول سلمى إيهاب – 22 عامًا، وتتابع «أحيانًا كانت السخرية تأخذ صورًا أخرى مثل تعليقات سلبية بسبب شكلي وشعري، أو لأن وجهي مختلف وبه عظام بارزة، أو لأنني لا أصفف شعري (تصفيف الصالونات) كثيرًا.»
دعوات تجديد الخطاب الديني
التمييز والانتهاكات ضد الأفراد بسبب خياراتهم الشخصية خاصة فيما يتعلق بأجسادهم، في ظل ما يروج عن تجديد الخطاب الديني الذي أعلنته الدولة شعارًا للمرحلة الراهنة، يطرح سؤالًا بشأن إدراج مثل هذه القضية ضمن ما تشمله تلك الدعوات أو الخطط.
“نيفين عبيد” الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي ترى أن «أغلب مفاتيح التغيير في الوقت الراهن في يد الدولة دون إشراك الأفراد والمجتمع المدني في قاطرة التنمية، وهو مايمثل عودة إلى نقطة الصفر» وتقول «المجتمع المدني والمهتمين بمثل هذه القضايا أصبح غير مرحب بهم في العمل العام، وهناك مجهودات بالتأكيد ترعاها الدولة فيما يخص تجديد الخطاب الديني، ولكن يقوم عليها جهة واحدة وهي الدولة، باعتبارها الراعي الرسمي لتحسين الخطاب، وهو أمر غير كافٍ، ولابد من استدعاء كافة الأطراف.»
أما “داليا عبد الحميد” الناشطة الحقوقية ومسؤولة ملف النوع الاجتماعي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تعتبر أن «الأهم لإحداث تغيير أن يكون إدراج الأمر ضمن قضية المواطنة، بغض النظر عن الخطاب الديني وما ينص عليه، مشددة على أننا في مجتمع يضم ديانات مختلفة ومن ثم الأشخاص فيه على قدم المساواة بغض النظر عن الديانة التابعين إليها.»
“نوران أحمد” البالغة من العمر 29 عامًا، تعاني من التمييز ضدها بسبب عدم ارتدائها للحجاب منذ أكثر من 15 عامًا، تتذكر عندما كانت بالمرحلة الإعدادية، وبدأت المعلمات وقتذاك بالضغط على الفتيات لارتداء الحجاب، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد دخلت زميلاتها اللواتي يرتدينه على الخط، وأصبحن يلعبن نفس الدور مع من لم يفعلن مثلهن «وجدت نفسي فجأة كالفأر في المصيدة، المعلمات والمعلمين يضغطون علي من جهة، وزميلاتي المحجبات من جهة أخرى، وأضحت صديقاتي تهاديني بتسجيلات للداعية عمرو خالد لتشجيعي على إرتدائه، ولأن أهلي كانوا ضد خطوة الحجاب في تلك السن المبكرة لم يفرضوا علي الأمر، بالعكس دعموني في تجاهل كل ذلك.”
تروي “نوران” إحدى وقائع التمييز ضدها داخل المدرسة «عندما كنت أتوجه للعيادة بالمدرسة، لأي عرض كانت الطبيبة تسيء معاملتي ولا تقدم لي أي عون، حتى اكتشفت أنني مسلمة وقالت لي وقتها: ما هو أنتِ اللي مش محجبة، كنت فكراكِ مسيحية، عاجبك كدا، ليه تحطي نفسك في مواقف زي دي يا بنتي اتحجبي أحسنلك.»
وتتابع “نوران” “عندما دخلت الجامعة هذه الضغوط شبه اختفت داخل الحرم، لكنها لم تختف خارجه خاصة في وسائل المواصلات، وعندما بدأت حياتي المهنية عادت من جديد الضغوط تلاحقني داخل العمل وخارجه، حتى أسرتي التي كانت لا تبالي بهذه المسألة، أضحى من أهم نقاشاتها معي مسألة الحجاب، لأن العديد ممن يتقدمون لخطبتي، يريدون أن ارتديه.”
“نوران” تؤكد أن كل ذلك لن يؤثر على قناعاتها الشخصية، لكنها تشعر بالتعاسة في هذه الحياة التي تملؤها معارك لا لشيء سوى لتنال حريتها الشخصية المستحقة.