• مهما كانت الضغوط لإثنائي عن خوض الانتخابات .. أنا مستمرة وسأمضي في طريقي
  • المنتمون لخندق الثورة ومتبنو أفكار التحرر والتقدم وقفوا ضد ترشحي لأنني “امرأة”
  • الشباب هم الأكثر تقبلًا لفكرة ترشح امرأة لرئاسة الإتحاد
  • أولوياتي: تغيير الخطاب المستخدم في القضية النوبية والحفاظ على التراث الذي يوشك على الاندثار

في الـ15 من مايو الجاري، تنعقد انتخابات الإتحاد النوبي العام في محافظة أسوان، الذي تأسس في أعقاب ثورة الـ25 من يناير 2011 ليكون كيانًا يجمع النوبيين والنوبيات للدفاع عن قضيتهم الممتدة لأكثر من قرن، وذلك عبر اَليات جديدة تتواءم مع الحراك الذي عرفته مصر من أقصاها إلى أدناها.

في شهر إبريل الماضي، أعلن الإتحاد النوبي العام فتح باب الترشح لانتخابات مجلس إدارته، وهو الاستحقاق الذي ينعقد كل سنتين، تحت إشراف لجنة تختص بمتابعة سير العملية الانتخابية منذ فتح باب الترشح وحتى إعلان نتيجة الاقتراع، لكن الصادم هذه المرة هو إعلان الاتحاد في منشور رسمي عن توصية “عنصرية” تفيد بقصر الترشح على مقعد الرئيس والنائبين على الرجال وحرمان النساء من هذا الحق، وهو ما أثار حفظية الكثيرات من النوبيات اللواتي شاركن في تأسيس الإتحاد، وانخرطن في كافة نشاطاته.

دشن عدد من الناشطات النوبيات حملة احتجاج ضد هذه الإجراء ولاقت الحملة تفاعلًا كبيرًا سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو على مستوى الكيانات الحقوقية، حتى نجحن في استعادة حقهن، وانعقد اجتماع لمجلس إدارة الإتحاد انتهى إلى رفض مناقشة التوصية الخاصة بشأن منع ترشح السيدات على مقاعد الرئيس والنائبين، لنصبح أمام أول امرأة تترشح لرئاسة الاتحاد النوبي العام وهي “سهام عثمان“.

ناشطة نسوية ونوبية، وعضوة بمؤسسة “جنوبية حرة” المعنية بالدفاع والتوعية بحقوق النساء في المجتمع الجنوبي ومناهضة التمييز ضدهن، فازت بمنصب النائب الثاني للرئيس في انتخابات الإتحاد النوبي العام في عام 2012، وأضحت أول امرأة تفوز بهذا المقعد، وهي حاليًا مسؤولة لجنة التخطيط والمتابعة بالاتحاد وعضو مجلس إدارته.

في البداية لم نكن نشعر بأي نوع من التمييز ضد النساء النوبيات داخل الإتحاد، لقد كنا عنصرًا رئيسًا في تأسيسه، وشاركنا في فعالياته، حتى شرع في الظهور مع قافلة العودة النوبية في نوفمبر من العام 2016” تقول “سهام عثمان” في سياق إجابتها على سؤالنا عن وضع النساء داخل الإتحاد النوبي العام منذ تأسيسه وحتى الاَن.

وتستطرد “لقد تأسس الإتحاد بهدف ضخ دماء جديدة للقضية النوبية، خاصة أن ثورة يناير جعلت الشباب يتقدمون الصفوف، وساهمت النساء في تأسيسه، فقد بدأنا بـ8 أو 9 سيدات، ثم تضاعف عددهن“، لافتةً إلى أن مجمل الأعضاء المسجلين بالاتحاد 400 عضو، لكن نحو 400 منهم هم الأكثر فعالية.”

بحسب “سهام” لم تصطدم النساء بتمييز ضدهم داخل هذا الكيان حتى انطلاق ما عرف باسم “قافلة العودة النوبية” وهي تحرك جماهيري نظمه الإتحاد اعتراضًا على قرار تخصيص منطقة فرقند النوبية، والبالغة 110 ألف فدان من أراضي توشكى ضمن المساحة التي ستوزع بمشروع المليون ونصف مليون فدان، وتحول إلى اعتصام في طريق أسوان – أبو سمبل، استمر من يوم 19 نوفمبر الماضي وحتى 21 من الشهر نفسه، وشاركت فيه النساء من عضوات الاتحاد منذ البداية ثم انضم إليه نساء نوبيات أخريات، ومع ذلك لم يجري تمثيلهن في الوفد الممثل للقافلة، الذي التقى رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل، وتعتبر “سهام” هذه الخطوة أول إعلان صريح عن التمييز ضدهن وتهميشهن، وتقول “كان بمثابة اعتراف بأننا مشاركات في الفعاليات والتحركات لكن لا نمثل الإتحاد في المواقع أو اللقاءات التي تتم مباشرةً مع ممثلي الدولة، ومع ذلك تغاضينا عما حدث حينذاك لأجل تغليب المصلحة العامة.”

عن أزمة التوصية الأخيرة التي نجحت “سهام” وعدد من الناشطات النوبيات في دفع الإتحاد إلى التراجع عنها، من خلال حملة الضغط التي أطلقنها، تقول “لم تكن بداية رفض ترشح الإناث على منصب الرئيس، مع استحداث هذا البند أو التوصية، لقد سبقتها ضغوطات عند العلم بنيتي الترشح لهذا الموقع، فوجدت البعض يحاول إقناعي بالعدول عن قراري، وينصحني بالترشح لمقعد النائب كما فعلت في 2012، وعندها سألقى دعمًا بعكس ترشحي للرئاسة.

“سهام” تبدو حاسمة وقد عقدت العزم على خوض المعركة حتى النهاية مهما بلغت المعوقات “لقد قررت الترشح ولدي قناعة أنني أفضل المرشحين، وبمجرد أن علمت بأمر التوصية، بادرت بالنزول إلى مقر الإتحاد وبدأت بالتحدث إلى المتواجدين هناك، وقدت حملة مع ناشطات أخريات، وتضامن معنا عدد من المنظمات الحقوقية والنسوية، التي أصدرت بيانًا نددت فيه بالبند المقترح، فضلًا عن حملة ضغط واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي عبر وسمي  #ادعم_ترشح_سيدات_النوبة و#شريكات_النضال_يستحقن، وخلال فترة وجيزة تراجع الاتحاد عما كان يسعى إليه.” تقول “سهام” التي نالت لقب أول امرأة تترشح على مقعد رئيس الإتحاد النوبي العام، مشيرةً إلى أن بيان المنظمات الحقوقية والنسوية كان له الأثر الأكبر في تغيير موقف الإتحاد.

المناهضون لترشح “سهام” باعتبارها امرأة وفي أعرافهم لا يصح للأنثى أن تتولى منصب “الرئيس” لأي كيان، حاولوا الضغط على أسرتها حتى تثنيها عن الترشح، وتروي لنا بعض التفاصيل “لقد تواصل البعض مع والدي، ولعبوا على وتر العادات والتقاليد، منهم ما قال له ستتأخر في الاجتماعات ليلًا، ستطاردها المشاكل، وأشياء من هذا القبيل، وبالفعل تخوف أبي بعض الشيء وعبر لي عن ذلك، لكنه لم يجبرني على الانسحاب، ولا أعتقد أنني سأتراجع، أنا مستمرة وسأمضي في طريقي.

السؤال الذي يفرض نفسه، هو لماذا كل هذه المحاولات لمنع “سهام عثمان” من الترشح لرئاسة الإتحاد، إن كان الرافضون يعولون على الثقافة المجتمعية السائدة في صعيد مصر، التي لا تستسيغ فكرة تولي النساء للمناصب القيادية كما يدعون، تكشف “سهام” أن الأمر يعود إلى التوجهات السياسية للمرشحين، فربما ما يرجح كفتها هو نشاطها المكثف في المجال العام منذ ثورة يناير 2011 وحتى الاَن، فضلًا عن أن توجهاتها السياسية لا تحسب على تيار ما قبل الثورة، الذي لا يلقى قبولًا بين الشباب تحديدًا وهم القطاع الأعرض من المصوتين في الانتخابات المزمع إجراؤها في 15 من الشهر الجاري.

ماذا عن الناخبين أنفسهم؟

هذا هو السؤال الذي طرحناه على “سهام”، خاصة أن الانتخابات تجري في ظل بيئة محافظة في أقصى الصعيد، حيث ترتع الثقافة الذكورية، وجاءت إجابتها واضحة “التوجهات السياسية ستلعب دورًا في عملية الاقتراع بلا أدنى شك، خاصة أن الانتخابات تنعقد وسط صراع بين عدة جبهات تتباين رؤيتها في التعامل مع القضية النوبية.”

اللافت أن رفض ترشح المرأة على مقعد الرئيس يأتي أيضًا من جبهة المنتمين للتيارات التي تبنت خطاب الثورة والتحرر والتقدم، وهو ما رفعت “سهام” النقاب عنه خلال حديثها مشيرةً إلى أن هناك من حملها مسؤولية تفتيت الأصوات بين مرشحين ينتمون لنفس التوجه ويتبنون نفس الفكر.

الشباب هم الأكثر تقبلًا لفكرة ترأس امرأة نوبية للاتحاد” تجيب “سهام” على سؤالنا بشأن الفئة الأكثر تفاعلًا مع حملتها الانتخابية، مشددةً على أن “إقناع النساء بترشحها ودعمها ليس بالأمر السهل، لأن كثيرات يتبنين الفكر الذكوري الرافض لترشح المرأة للمناصب القيادية خاصة لو “الرئيس”، على الرغم من أن المجتمع النوبي معروف أن ثقافته أمومية وقد سجل التاريخ النوبي القديم ملكات بلغن سدة الحكم، لكنه في النهاية تأثر بما وفد عليه من ثقافة أبوية تأصلت بمرور الوقت.”

في نهاية الحوار مع أول امرأة تترشح على منصب رئيس الاتحاد النوبي العام، وجهنا إليها السؤال الذي يلاحقها خلال جولاتها اليومية وجاءت إجابتها قاطعةً “لو فزت برئاسة الإتحاد سأعمل في ثلاثة اتجاهات؛ أولًا فيما يخص القضية النوبية، أتطلع لاستخدام اَليات جديدة خاصة على مستوى الخطاب، واستقطاب داعمين جدد للقضية من غير النوبيين لتوسيع رقعة الدعم، وثانيًا مسألة التراث النوبي الذي يوشك على الاندثار، فلابد من الحفاظ على اللغة والفن والمشغولات اليدوية، وأخيرًا الشق الإداري المتعلق بالإتحاد والعمل التنظيمي وهيكلته.