عام 1994.. القاهرة تحتضن المؤتمر الدولي الثالث للسكان: معركة خسرها المحافظون.. وكسر تابو «الحقوق الإنجابية»
نظمت الأمم المتحدة المؤتمر الدولي الثالث للسكان والتنمية في القاهرة في عام 1994، في الفترة ما بين 5 إلى 13 سبتمبر، ونتج عنه وثيقة توجيهية لصندوق الأمم المتحدة للسكان مثلت نقطة تحول في مسألة حرية اختيار الأفراد فيما يتعلق بأجسادهم.
وقد سبق المؤتمر الذي احتضنته العاصمة المصرية القاهرة، مؤتمرين الأول انعقد في بوخارست عاصمة رومانيا عام 1974، والثاني في مكسيكو سيتي عاصمة المسكيك عام 1984.
انبثق عن المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في القاهرة، برنامج عمل على مدى عشرين سنةً، تم التركيز من خلاله على احتياجات وحقوق الأفراد الضرورية للتقدم وتحقيق التنمية المتوازنة، واتفق المجتمع الدولي على تخصيص مبلغ سنوي قدره 18.5 بليون دولار بحلول عام 2005 لبرامج السكان والصحة الإنجابية في البلدان النامية.
وخرجت الوثيقة تستهدف تعزيز ممارسة حقوق الإنسان وتأمين الكرامة للجميع وإقرار الحق في تنظيم الأسرة والحق في الصحة الإنجابية وتكريس مساواة النوع الاجتماعي والتصدي للعنف ضد النساء والقضاء على الفقر وتحقيق الاستقرار في النمو السكاني، والمساواة الكاملة في التعليم بين الإناث والذكور.
قبل انعقاد المؤتمر بما يزيد عن السنة، شرعت المنظمات الحقوقية النسوية المصرية، في تشكيل شبكات عمل، للإعداد للمؤتمر، وتشكلت اللجنة القومية للمنظمات غير الحكومية في يوليو 1993، وقد بدأت اللجنة عملها كالجنة تسيير مكونة من 12 عضوًا تم اختيارهم من بين 35 ممثلًا للمنظمات غير الحكومية المصرية لتنظيم منتدى المنظمات غير الحكومية للمؤتمر الدولي للسكان والتنمية، وكانت الأعمال الأساسية لهذه اللجنة استضافة المنتدى وتعبئة ومساندة المنظمات غير الحكومية المصرية للاشتراك في المنتدى، ثم اتسعت أعمال اللجنة فيما بعد.
قبيل انطلاق المؤتمر، خاضت المنظمات غير الحكومية والدولة نفسها حربًا ضارية في مواجهة التيارات الإسلامية، التي لم تقتصر حملتها الشعواء ضد المؤتمر على الداخل المصري، فقد كانت الأسهم توجه من الخارج مثل الداخل.
أصدرت جبهة علماء الأزهر حينذاك بيانًا، أكدت فيه أن برنامج عمل المؤتمر في بعض بنوده «يمثل تهديدًا لمقومات الأمة الإسلامية وقيمها الأصيلة الراسخة ما يعني التدرج إلى طمس الهوية الذاتية لكل المجتمعات النامية بما فيها المجتمعات الاسلامية.»
فيما أصدرت جماعة الإخوان المسلمين وقتها بيانًا أعلنت فيه تضامنها مع الأزهر وطالبت الدول المشاركة في المؤتمر بالامتناع عن التوقيع على وثيقته إلا بعد تعديلها.
الضغوط أجبرت رئيس الجمهورية وقتذاك على أن يؤكد أن مصر لن تقبل أي مادة من مواد المشروع الذي سيقدم الى مؤتمر السكان إن كانت تعارض مع الشرائع السماوية ومع «قيم الأسرة».
خارج مصر وفي السعودية على سبيل المثال، اجتمعت هيئة كبار العلماء بشكل استثنائي قبل انعقاد المؤتمر، وأصدرت بيانًا للتنديد بالمؤتمر واعتبرته من الفتن ونزغات الشيطان، لطرحه قضايا المساواة بين الجنسين، والحقوق الإنجابية والجنسية، ومناهضة زواج القاصرات.
على الجانب الاَخر، استنكر مندوب “الفاتيكان” الذي شارك كمراقب في الاجتماع التحضيري للمؤتمر، في إبريل من العام 1994، ما جاء في الوثيقة التي صدرت رسميًا فيما بعد في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، وكانت الأمم المتحدة قد عرضتها على المؤتمر التحضيري، وأرجع ممثل الفاتيكان موقفه إلى ما أسماه «عدم وضوح الألفاظ في مشروع الوثيقة» واتهم الأمم المتحدة بوضع أفكار غير بريئة تحت ستار مسميات تحجب حقيقة ما يتضمنه المشروع.
وعلى الرغم من الضجة والجلبة التي سبقت المؤتمر إلا أنها لم تحل دون انعقاده، وخرج بالتوصيات المقررة، وتولت لجنة السكان والتنمية في الأمم المتحدة متابعة الحكومات سنويًا.