في الشهور الأولى من «عام المرأة».. الإحباطات تلاحق المصريات
بعد أن سجلت المرأة المصرية في عام 2016 مرتبة متأخرة في مؤشر المساواة بين الجنسين، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، جاء إعلان رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، عام 2017 عامًا للمرأة المصرية، ليبث قليلًا من الأمل بشأن إمكانية تحسين الحال المتردية، التي تعيشها النساء المصريات في الاَونة الأخيرة، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فبعد مرور شهرين ونصف مما أطلق عليه عام المرأة، يتبين أن الواقع مازال معبئًا بالغيوم، ولا بادرة لصفو في الرؤية عما قريب.
الإحباطات يمكن أن تكون عنوانًا مناسبًا للفترة التي مرت من هذا العام، وفي يوم المرأة المصرية كما نتذكر نضال النساء اللاتي خرجن للتظاهر ضد الاحتلال الإنجليزي في عام 1919، علينا أن نتذكر أن الكفاح والمقاومة مازالا مستمرين في مواجهة كل احتلال مادي ومعنوي يسلب المرأة حقوقها.
التعديلات الوزارية .. كما كنت!
على الرغم من الآمال والطموحات التي عُقِدت على التعديلات الوزارية التي ظلت محل ترقب لشهور، خاصة أنها تأتي في “عام المرأة”، لكنها لم تغير شيئًا وأبقت على عدد الوزيرات كما هو، فكما خرجت وزيرة الاستثمار “داليا خورشيد” في التعديل الذي شمل 9 حقائب وزارية، وتم دمج الوزارة مع وزارة التعاون الدولي تحت قيادة “سحر نصر”، دخلت في المقابل “هالة حلمي السعيد” وزيرةً للتخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، فلا زاد العدد ولا نقص، بعد أن استمرت كل من “غادة والي” وزيرة التضامن الاجتماعي و”نبيلة مكرم” وزيرة الهجرة وشؤون المصريين في الخارج فى منصبهما.
شهدت التعديلات الأخيرة، تعيين نائبة واحدة من بين أربع نواب لوزارتي الزراعة والتخطيط وهي الدكتورة “منى محزر علي” نائبة وزير الزراعة لشؤون الثروة الحيوانية والسمكية والدجاج.
وقد أعرب المركز المصري لحقوق المرأة عن استيائه من هذا التعديل الوزاري، لما جاء فيه من إقصاء للمرأة، وحتى الآن مازالت الأفضلية للرجال على الرغم من وجود نساء مصريات قادرات على الإدارة.
الطلاق الشفهي.. معركة على حساب مصلحة المرأة والأسرة
بدأ النقاش بشأن “الطلاق الشفهي” عندما كان الرئيس عبد الفتاح السيسى يلقى كلمة فى عيد الشرطة وقال وقتذاك “إن ارتفاع نسب الطلاق، أمر يجب ردعه بإيجاد قانون يمنع الطلاق الشفهي”، ومن بعدها وحتى الاَن، أصبحت مسألة “الطلاق الشفهي” محور نقاش بين مختلف مؤسسات الدولة، وتقدم المجلس القومي للمرأة برئاسة الدكتورة “مايا مرسي” بمقترح رسمي لتوثيق الطلاق الشفوي، يتضمن بند “لا يعتد في وقوع الطلاق للمتزوجين بالوثائق الرسمية إلا من تاريخ التوثيق بالإشهاد”، وبعد أن دب الأمل في قلوب وعقول الكثير، جاء الأزهر ليقول كلمته التي قطعت الطريق أمام الأمل في تحقق المطلب، الذي رفعته الحركة النسوية في مصر، قبل أكثر من مئة عام، عندما أرسلت “ملك حفني ناصف” عريضة بعشرة مطالب إلى البرلمان، ومن بينها تقييد الطلاق، وأن يقتصر وقوعه أمام القاضي.
لقد أصدرت هيئة كبار علماء الأزهر بيانًا أقرت فيه وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه، باعتبار أن هذا ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي. رد فعل المؤسسة الدينية الأهم في العالم الإسلامي، أثار حفيظة المنظمات الحقوقية، بعد إصرار على التمسك بحرفية النصوص والتفسيرات التي عفا عليها الزمن، وما عادت تلائم الواقع الحالي، ولذا تُعقد حتى يومنا مؤتمرات وجلسات نقاشية من جانب الحقوقين والمهتمين بالشأن النسوي تضغط بإتجاه ضرورة حظر الطلاق الشفهي، لكن على أرض الواقع، الركود يعم، ولا شيء يشي بأن تغييرًا إلى المبتغى سيحدث عما قريب.
مجلس الدولة يرفض مجددًا تعيين النساء
معركة طال عمرها لأكثر من 57 عامًا، منذ بدأتها “عائشة راتب” وزيرة الشؤون الاجتماعية -في عهد السادات – ومازالت النساء حتى الاَن محرومة من التعيين بمجلس الدولة، حتى في العام الذي أسمته السلطة السياسية “عام المرأة”، بقصد تمكين المرأة، والمفترض أن تنال حقها في المناصب والوظائف دون تمييز، وهو ما كفله الدستور الحالي، لكن على ما يبدو أن مجلس الدولة يأبى التخلي عن شعار “للرجال فقط”.
الجدل بشأن تعيين المرأة “قاضية” لم يتغير، منذ تعيين أول قاضية مصرية وهي المستشارة “تهاني الجبالي” بالمحكمة الدستورية العليا، وقد أثار هذا القرار الكثير من الجدل حينها، على الرغم مما ينص عليه قانون مجلس الدولة رقم 47 لعام 1972 تحت عنوان (التعيين والترقية وتحديد الأقدمية) المادة 73 على “يشترط فيمن يعين عضوًا بمجلس الدولة أن يكون مصريًا متمتعًا بالأهلية المدنية الكاملة، وأن يكون حاصلًا على درجة الليسانس من إحدى كليات الحقوق بجمهورية مصر العربية أو على شهادة أجنبية معادلة لها” وهو نص يحتم المساواة بين الرجل والمرأة في التعيين بمجلس الدولة دون تمييز.
المجلس القومي للمرأة، أعرب عن استنكاره للرفض المستمر من قبل المجلس لتعيين النساء، فهو ليس هيئة قضائية فوق الدستور أو القانون، وتساءل «أين وعد المستشار “مجدي العجاتي” وزير الدولة للشؤون القانونية ومجلس النواب المصري، بالسماح للمرأة بشغل مناصب مجلس الدولة، إن كان أوائل خريجات كلية الحقوق مازلن يبحثن عن حقهن في التعيين بمجلس الدولة!»
في معرض الكتاب .. “التعدد شرع” يلقى اهتمامًا واسعًا.. في مصر كل شيء ممكن!
في الوقت الذي ننظر فيه إلى دول عربية حولنا منعت تعدد الزواج مثل تونس، أو فرضت عليه تقييدًا شديدًا مثل المغرب، نجد أنفسنا غارقين في تعاسة الحاضر، الذي فيه مازال الدفاع عن شرعية التعدد شائعًا، رغم أن الإمام محمد عبده قبل نحو مئة عام أوضح أن الصحيح هو تحريم التعدد وليس إفشاؤه، عندما كتب قائلًا «إن تعدد الزوجات محرم قطعًا عند الخوف من عدم العدل»، وأضاف «من تأمل الآيتين (يقصد فى سورة النساء) علم أن إباحة تعدد الزوجات فى الإسلام أمر مضيق فيه أشد التضييق، وإذا تأمل المتأمل مع هذا التضييق ما يترتب على التعدد فى هذا الزمان من المفاسد.»
قبل شهر تقريبًا، شهد المجتمع حالة جدل في هذا الصدد، بعد إصدار كتاب “التعدد شرع” لكاتبة تدعى “رانيا هاشم”، هدفت منه إلى تشجيع الرجال على التعدد ودفع المرأة إلى قبوله، بل والمشاركة فيه من خلال اختيار الزوجة المناسبة للزوج، حضر عدد لافت من النساء حفل التوقيع الذي استقبلته إحدى قاعات معرض القاهرة الدولي للكتاب في نسخته 48، وحتى بعد أن تحول الأمر إلى الساحات الإعلامية الفضائية للنقاش، تكشف أن هناك جانب من النساء قبل الرجال يؤيد بشدة هذه العادة.
الأغرب، أن الكاتبة “رانيا هاشم” أكدت أن البشرية كلها لم تعرف توحيد الزوجة إلا مع ظهور العلمانية، وعلى حد قولها ” هذه الحضارة هى حضارة ملحدة لا تؤمن بدين الله، حرمت ما أحل الله في كتبه على لسان أنبيائه” وقالت عندما استضافها الإعلامي “وائل الإبراشى” فى برنامجه “العاشرة مساءً” المذاع على فضائية دريم، إن تعدد الزوجات سوف يقضي على مشكلة “العنوسة” – على حد وصفها – في مصر.
على نفس الخط، خرجت “منى أبو شنب” المذيعة بالتلفزيون المصري، لتعلن عن تدشين مبادرة بعنوان “تعدد الزوجات”، وقالت إن هدفها هو مواجهة ظاهرة “غزو السوريات للمجتمع المصري” وبالنسبة لها تعدد الزوجات هو الحل الأمثل والأنسب لمواجهة ظاهرة ارتفاع معدلات الطلاق بين الأزواج.
وكما اشتعل الأمر سريعًا، خفتت حدة النقاش حوله أسرع، دون حلول أو دراسة عميقة للحالة التي بدا عليها المجتمع متمسكًا بظلم النساء تحت شعار “الدين والفضيلة”.
امرأة في منصب المحافظ.. ثقافة رمي الفتات لم تبرحنا
السلفيون.. إن ذُكِر تمكين المرأة ذكر التحريم!
شهدت حركة المحافظين الأخيرة، لأول مرة في مصر، تعيين امرأة فى منصب محافظ، بالبحيرة، وهي المهندسة “نادية عبده”، التي تولت منصب نائب محافظ البحيرة لأكثر من ثلاث سنوات، وكالعادة لا تمر مثل هذه الخطوات بسلام، فقد اكتنف الأمر جدل وجدال لسبيين، أولهما أن “عبده” كانت ضمن كوادر الحزب الوطني المنحل، وفازت عن الحزب في انتخابات مجلس الشعب في عام 2010، التي كانت أحد أسباب إندلاع ثورة يناير في 2011، أما السبب الثاني، يتمثل في انسداد الأفق لدى جماعة من الناس، يلاحقون النساء في كل خطوة يتقدمن فيها إلى الأمام، بالتحريم والمنع.
فمبجرد إعلان تعيين امرأة في منصب “المحافظ”، خرجت فتاوى التحريم، وبيانات الإدانة من السلفيين، وأصدرت إحدى الحركات السلفية بيانًا قالت فيه “تولي المرأة أي منصب حاكم أمر لا يجوز في الشرع” والحجة “لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.
المثير للانتباه، أن الدولة التي كثيرًا ما تدعي انحيازها لتمكين النساء، وتخصص عامًا لها، تلتزم الصمت أمام إهانات وتعديات السلفيين المستمرة بحقهن.
احتج السلفيون أيضًا على عمل المرأة داخل المؤسسات الدينية، فبعد إعلان وزارة الأوقاف تعيين ١٤٤ سيدة بوظيفة واعظة للعمل بالمساجد، كلهن من خريجات الكليات الشرعية بجامعة الأزهر، وتم توزيعهن على المساجد الكبرى على مستوى المحافظات، أعلنوا الرفض والإدانة والحجة “لا يحق للمرأة اعتلاء المنابر”.
منع “السعداوي” من إلقاء كلمة المهرجان الذي اختيرت رئيسة شرفية له!
هكذا تعامل النابغات في عام المرأة!
بعد أن تلقت المفكرة والأديبة “نوال السعداوي” دعوة من إدارة مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوروربية، في سبتمبر الماضي، لحضور المهرجان الذي اختارتها إدارته لتكريمها، بعد أن وقع الاختيار عليها لتكون الرئيسة الشرفية للمهرجان، وهو ما دفعها للإعتذار عن حضور مؤتمر أدبي عالمي في لندن، تقديرًا منها لدور السينما في بناء ثقافة المجتمعات وتوجهاتها، لكنها فوجئت قبل ساعات من إنطلاق حفل الافتتاح، بإتصال من رئيس المهرجان جمال زايدة، يبلغ مدير أعمالها بإلغاء كلمتها، بعد أن طرأ على الحفل تعديلات تسبب في ذلك، ولم يعد الوقت يكفي ليشمل كلمتها التي لن تزيد عن 3 دقائق، بعد أن تأكد حضور الأمير هنريك زوج ملكة الدنمارك، ليلقي كلمةً.
في المقابل، اتهمت “السعداوي” إدارة مهرجان شرم الشيخ السينمائي بعدم الشجاعة والقدرة على الإفصاح عن الأسباب الحقيقة لإلغاء كلمتها.
“نوال السعداوي”، بلغ عدد منتجاتها الأدبية 57 مؤلفًا، تم ترجمتها لأكثر من 40 لغة في أنحاء العالم، وفضلًا عن حصولها على العديد من الجوائز الأدبية العالمية، رُشِحت لنيل جائزة نوبل للاَداب ثلاث مرات.