هي الابنة الكبرى في عائلة تتكون من أب تقتدي به وتتطلع أن تحذو حذوها في الحياة المهنية وتصبح “محاميةً”، وأم ربة منزل، وأخوين، أصغر منها، كانت “ريهام” تستعد للحياة المهنية بعد إنهاء دراستها الجامعية بتفوق عرف عنها منذ الطفولة، وقد تحصلت على تقدير عام “امتياز” بكلية الحقوق.

في هذه الفترة، بلغت أحلامها عنان السماء، وقد سيطرت عليها مشاعر القوة والقدرة والنجاح، تصورت أنها تستطيع أن تحقق أهدافها وتبدأ فصلًا جديدًا في حياتها بعد جهد كبير بذلته على مدار السنوات، لكن الأحلام تكسرت على أرض الواقع.

بعد التخرج بأسابيع، فوجئت بوالدها يطلب منها الجلوس للتحدث سويًا في شأن ما، وبدأ كلامه بالـتأكيد على شدة فخره بها وبتفوقها، ثم تحول الحديث ليأخذ مجرى منافٍ تمامًا لما بدأه، فقد أخبرها بأنه قد وجد الرجل المناسب لها، لتكمل معه حياتها وقال “يا ريهام الست ملهاش غير بيتها وجوزها وابن عمك عارفينه أكتر من أي حد تاني.”

تملكها الصمت، وذهبت بذاكرتها إلى الوراء، إلى ما كانت تعتقدته مزحة، أو مجرد كلام يقال في فترة الطفولة، استرجعت عندما كان جميع من حولها يرددون “إنهما سيكونان لبعضهما البعض”، بمعنى الزواج.

مضى الأب فى حديثه قائلًا “أنا عايز أفرح بيكِ وعمك كان مستني تخلصي دراستك.”

بعد التفكير مليًا وضغط شديد من الأسرة، وافقت “ريهام”  على الزواج بابن عمها، الذي شعرت أنه وافق هو الاَخر على هذا الارتباط من أجل إرضاء العائلة ليس أكثر.

بعد إتمام مراسم الزواج التي انتهت على عجل، صدمها جدار الفشل الذي سرعان ما تشيد في هذه العلاقة، ظهر تسلط الزوج، واكتشفت رفضه واعتراضه الدائم، وإصراره على إنفاذ رأيه وقراراته التي يتخذها وحده.

عندما أرادت أن تشتغل بالمحاماة وتؤسس مكتبًا لها رفض وقال “معندناش بنات تشتغل .. وبعدين هو أنتِ ناقصك حاجة؟”

وصل الأمر إلى حرمانها من قضاء وقت مع الأصدقاء والتنزه معهم، وكان يقول “مش هتخرجي لوحدك لازم أكون معاكِ”

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فعندما أصرت على حقها في أن تعمل، تعدى عليها بالضرب، وعلى الرغم من كل الاَلم النفسي قبل الجسدي الذي أصابها، لم يصب ذلك قلب والديها، الذين وجدا الأمر مقبولًا ومُستساغًا، ورفضا إصرارها على الطلاق، لكن الأمور توقفت عند هذه النقطة عندما أصيبت والدتها بأزمة قلبية احتُجِزت على إثرها بالعناية المركزة، فأذعنت لفكرة التخلي عن قرارها، بعد أن صدقت أنها السبب فيما جرى لأمها وقد تتسبب في وفاتها إن تمسكت بتصعيد الأمور.

استسلامًا لأمها المريضة، استمرت الحياة بينها وبين الزوج، وأنجبت طفلةً، ومع ذلك لم يغير مجيء الصغيرة في طباعه شيئًا للأفضل، على العكس إزداد سوءًا ووحشية، وأضحى اعتداؤه عليها جسديًا عادة، ومهما استنجدت بأهلها كان رفض الطلاق ثابتًا، خاصة بعد إنجابها لطفلة، فكيف تهدم بيتها وتدمر أسرتها!

في هذه المرحلة، انشغلت “ريهام” بعدة أسئلة؛ “كيف يرى أهلها أن ما تعيشه هو المناخ المناسب لنشأة ابنتها؟”

“كيف يريدون أن تنهي ابنتهم حياتها مع شخص لا يحترمها ويعنفها ليلًا نهارًا؟”

“هل يخشون نظرة المجتمع للمرأة المطلقة كأنها ارتكبت جريمة؟”

“هل يتخوفون من ضعف فرصة المرأة المطلقة في بدء حياة زوجية جديدة بسبب النظرة الرجعية للمطلقات؟”

وظلت هذه التساؤلات عالقة بالذهن لا تبرحه، حتى وفاة والدتها، بعد أن أتمت طفلتها الصغيرة ثلاث سنوات.

بعد رحيل الأم، قررت “ريهام” أن تتخذ لأول مرة قرارًا حاسمًا، وأن تتوقف عن تعذيب نفسها، وأن تنجو بنفسها من هذا الكابوس الطويل، حتى تحمي نفسها وابنتها من هذا القهر، خوفًا من مجتمع لا يكل من تحويل المرأة دائمًا من مجني عليه إلى جاني، يُحملها وحدها مسؤولية الطلاق.

عقدت العزم وفضلت العودة إلى الحياة التي تنحت عنها، حولت “ريهام” مسارها ونالت حريتها غير عابئة بلوم المجتمع ولا نظرته، بل لامت نفسها على اليأس الذي استسلمت له وعلى الخوف الذي أسلمت له.