تعرفوا إلى «قانون يحمي الفتيات من العنف الأسري».. حملة تعلن الحرب على تبريرات العنف
خلف الأبواب المغلقة كثير من العنف، وخلف بوابات الصمت اَلام لا تعد ولا تحصى، وجروح غائرة فى النفس لا تلتئم، تمر السنوات والعنف باق، يلاحقها بصور مختلفة، قبيح كما هو بل يزداد قبحًا،عنف يبرره مرتكبه لكونها «أنثى» ويبيحه لنفسه لأنه «ذكر» مع إضافة أوصاف اخرى كالأب والزوج والأخ.
«العنف الأسري» تعانيه الفتاة فى المجتمع المصري خاصة والعربي عامة، منذ الطفولة ويكبر معها، بل أنه لا يفارقها حتى الموت وفى أحيانٍ كثيرة يكون هو سبب الموت.
إحصائيات المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية تتحدث عن تطور العنف وزيادته داخل البيوت المصرية خلال العام الماضى 2014 ، واحتل “الضرب” المرتبة الأولى بين صور العنف الأسرى، بنسبة 29.5%، وجاء التوبيخ والسباب في المرتبة الثانية بنسبة 24.1%، ثم أسلوب الحرمان من الأكل أو المصروف بنسبة 20.8% والضرب باستخدام آلة 6.3% والتوبيخ أمام الناس 9% واللسع بالنار 2% وارتفعت الجرائم العنف الأسرى خلال عام واحد إلى مليون و500 ألف واقعة، بمعدل ألفين وسبعمائة و41 حالة كل شهر.
هذه الصور لا يمكن أن تكون مرت بشكل سماعى فقط على 99% من الفتيات والسيدات المصريات، وإنما كانت تجارب عايشنها أو قصة حياة فرضت عليهن فرضًا باسم التقاليد والموروثات الثقافية، ولكن للأسف لا يملك الجميع القدرة على خوض حرب ضد هذا العنف بكافة صوره، خاصة حينما تكون حربًا ضد عنف مرتكبه ليس غريبًا بل أشخاص المفترض أنهم الأقرب لهن، لكن من بين هؤلاء الشجاعات اللواتى اَثرن سلك طريق الثورة على المعهود والحرب على السلطوية، قررنا الاقتراب من ثلاث فتيات دشن حملة بعنوان “قانون يحمى الفتيات من العنف الأسري” وهن: هبة النمر وشيماء طنطاوى ومنة موسى.
الفتيات الثلاث أطلقن الحملة فى الـ28 من إبريل الماضى، من خلال دعوة إلكترونية على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك بهدف الكتابة والتدوين عن العنف الأسري من قبل المعنفات ومن ثم قررن التوسع ونقل الحملة من الفضاء الإلكترونى إلى الأرض لتشمل محافظات مصر المختلفة.
الحملة تنقسم لعدة مراحل أولها توثيق حالات العنف بشتى صوره، من ثم تكوين مجموعات عمل فى كل محافظة، إلى جانب توعية الفتيات بمعنى العنف وأنواعه والعمل على مشروع قانون ضد العنف الأسري.
“حتى إن تم تفعيل قانون ضد العنف الأسري، ستظل الحملة مستمرة لدعم ومساندة المعنفات” تقول هبة النمر إحدى مؤسسات الحملة، والتى تروى لنا تفاصيل إطلاق الحملة: “بدأت بـ”بوست” على موقع التواصل الاجتماعى “فيسبوك” يرصد بالصور العنف الذى تواجهه الفتيات داخل نطاق الأسرة فى حال اتخذن قرارًا يتعلق بحرية الاختيار مثل خلع الحجاب، وكان ملحقًا بهشتاج #قانون_يحمى_الفتيات_من_العنف_الأسري ، ومنه تطورت فكرة عمل Event على الموقع ذاته، بهدف فتح المجال للفتيات لتوثيق حكايتهن مع العنف الأسري مثل ختان الإناث وزواج القاصرات وجرائم الشرف ثم تطورت الفكرة إلى جروب للمهتمات والمهتمين بالقضية ثم صفحة وحملة تسعى للتحرك على الأرض ومساعدة المعنفات فعليًا”.
وتضيف ” هبة”: ” أنا مؤمنة أن كل بنت معنفة بين أسرتها لكن أسلوب العنف هو الذى يختلف، وعن نفسي، لو صنفت العنف الذى أتعرض له، فهو نفسي ويصل أحيانًا للتهديد بالاعتقال داخل المنزل, هذا فضلًا عن أننى شهدت على حالات كثيرة للعنف الأسرى واَخرها، اعتقال إحدى صديقاتى بالمنزل، ومنع الطعام والشراب والأدوية ووسائل الاتصال كافة عنها وحتى باللجوء للشرطة لم تتدخل وتساعد الفتاة وكانت وساطة أصدقائها هى الملاذ الأخير بعد عنائهن وتعرضهن للإهانة من قبل أسرتها”
وتوضح”النمر” أن أهداف الحملة تتلخص فى ثلاثة رئيسية، وهم: مساعدة دعم وتمكين الفتيات المعنفات أسرياً، تنفيذ مشروع قانون يجرم العنف الأسري بجميع صوره، ومساعدة الفتيات في الحصول على حقهن في الاختيار واتخاذ القرارات المرتبطة بحياتهن في شكل اَمن وتحت حماية القانون.
فى السياق ذاته، تتحدث”منة موسى”، ثانى مؤسسات الحملة، تجربتها مع العنف الأسري وتقول: “لقد تعرضت لأشكال وأنواع كثيرة من العنف الأسري، بدءًا من الختان مرورًا بالضرب واللسع بالنار، وأمور أخرى كنت لا أحبذ التحدث عنها، حتى شعرت أن الوقت قد حان للحديث عن ذلك الجانب فى حياتى واخترت الحديث بديلًا عن السكوت حتى نشجع أخريات على كسر حاجز الخوف والصمت”
وتضيف”هذا إلى جانب توثيقى لوقائع العنف ضد الفتيات والنساء فى مدينة المحلة – ضمن أعمال مبادرة ذات- والذى ساهم بشكل كبير أيضًا فى اقتناعى بضرورة إطلاق حملتنا هذه، فهناك الكثير من المعنفات بشكل بشع، فمنهن من تعرضت للاغتصاب من قبل والدها، والتى تعانى الاغتصاب الزوجى تحت التهديد، وفتاة قاصر تم تزويجها عنوة وهى لا تدرك أنه عنف، كل هذه الصور اجتمعت أمامى لتكون دوافع أساسية فى إطلاق الحملة”
وعن اختيار «العنف الأسرى» تحديدًا كمحور للحملة، تقول “منة”: “العنف الأسري يحدث في المجال الخاص، وفي أغلب الأحيان لا تستطيع الفتيات التحدث عن الظلم الواقع عليهن في هذا المجال, وهذا يؤثر بالتبعية بشكل بالغ على حياة النساء في المجال العام، فإذا كانت الفتيات يمنعن من التعبير عن اَرائهن في المجال الخاص فكيف لهن أن يطالبن بحقوقن في المجال العام, وإذا كن يتعرضن للعنف منذ طفولتهن بقطع جزء من أجسادهن فيما يسمى بـ”ختان الإناث” فكيف يستطعن الخروج بهذا الجسد في المجال العام؟ وبالتالي يتم التأثير عليهن من جميع النواحي بشكل سلبي، لذلك قررنا العمل على العنف الأسرى حتى نساعد الفتيات أن يكن أفضل فى المجال الخاص وبالتالى العام.
وعن الشق الأول من اسم الحملة «قانون» تخبرنا ” موسى” عن مساعيهن للنص على تشريع ضد العنف الأسري، وتقول:” نعمل الاَن على تكوين فريق من المحاميات والمحامين المهتمات والمهتين بالقضية للعمل على كتابة مشروع قانون لحماية الفتيات سواء القاصرات أو اللواتى تعدين السن القانونية، من العنف الأسرى، وسوف يتم تقديم التوصيات بمشروع القانون للجهات المختصة بالدولة للضغط من أجل تنفيذه.
وفى هذا الإطار، تشدد “موسى” أن قضية «الاغتصاب الزوجى»، مشمولة فى صور العنف الأسري التى تتناولها الحملة حتى إن كانت من المحظورات فى المجتمع المصرى، وتقول”الاغتصاب الزوجي عنف جنسي يقع على الزوجة من قِبل الزوج, والعنف الزوجى يندرج تحت العنف الأسري”
من يتصفح الصفحة الخاصة بالحملة على الفيسبوك «قانون يحمى الفتيات من العنف الأسري»، يلاحظ روايات شخصية لمواقف تجسد صورًا مختلفة للعنف الأسري ضد فتيات وسيدات من أعمار متفاوتة، وعن تلك الروايات تقول “شيماء طنطاوى” ثالث مؤسسات الحملة: “لقد انتهينا من عمل «استمارة توثيق» وقمنا بنشرها، ويتم حاليًا توثيق ما نستقبله من روايات لمعنفات” لافتةً أن الغرض من هذه الاستمارات هو توثيق تلك الروايات للتاريخ، واستخدامها فى تعديد أنواع وأشكال العنف الأسري ضد الفتيات، خاصة أثناء كتابة مشروع القانون المناهض له، كما أشارت “شيماء” إلى أنه سيتم توصيل الناجيات من العنف، بمؤسسات ومنظمات لدعمهن نفسياً وصحيًا وقانونيًا.
وتؤكد أن عدد المتطوعات والمتطوعين فى تزايد، وأن الحملة تستقبل منذ انطلاق الحملة أى فى شهر تقريبًا، استمارات تطوع تكاد تقترب من الـ70 استمارة.
“سنقوم بحملات مناصرة، إلى جانب التشبيك مع المجموعات المهتمة بقضايا المرأة، من أجل حشد التأييد لحملتنا وأهدافها” تواصل “شيماء” مؤكدة أن مسألة جمع توقيعات لدعم مطلب الحملة بتشريع قانون ضد العنف الأسرى، مازال قيد النقاش كون الحملة فى طور دراسة اَليات التعامل على الأرض.
وعن ردود أفعال الذكور على الحملة ومطلبها الرئيسي، تقول “طنطاوى”: “تباينت ردود أفعالهم لكن الأغلب منها كان إيجابيًا, والبعض كان سلبيًا في شكل تهكمي، بالإضافة إلى مطالبة البعض الاَخر بتفعيل قانون يحمي الأطفال عمومًا وليس الفتيات فحسب، مما دفعنا لتوضيح أن ما نتطلع إليه هو قانون لا يقتصر على الفتيات فى سن الطفولة وإنما يشمل الفتيات فى كافة المراحل العمرية، طفولة ومراهقة وشباب، وحتى فيما بعد الزواج”
“شيماء” لم تسلم من العنف الأسري مثلها مثل أغلب الفتيات المصريات، وتتذكر من حياتها مشاهد تجسد هذه المعاناة مثل إخضاعها لـ”الختان”، وتعرضها لـ”الإقامة الجبرية” في البيت لمدة شهر ونصف، فضلًا عن مساومتها فى تحقيق رغبتها فى العمل مقابل “ارتداء الحجاب”، مع فرض العنف النفسي الذى يمارس بحق أغلب بنات مصر بالضغط علي من أجل الزواج والملاحقة الدائمة بــ “متقدملك عريس”، مؤكدة أن الزواج من وجهة نظر الأهل يكون بهدف نقل ملكية البنت من الأب أو الأخ إلى الزوج، وتقول:” المهم أن تكون الفتاة تحت مسؤولية رجل لكن لا يحق لها أن تكون مستقلة ومسؤولة عن نفسها”
وتتابع “شيماء طنطاوى” قائلة: ” كل هذه المشاهد اجتمعت كدوافع لعملي على القضية النسوية بشكل عام وإطلاق الحملة بشكل خاص، والدافعان الأساسيان لاطلاق الحملة بالنسبة لى هما الختان والحجاب”
وتختتم: “معالجة ظواهر العنف ضد النساء من منطلق أننا تعرضنا لنفس العنف، لا يعيب أبدًا لأن الدافع هو الرغبة الحقيقية فى ألا يتعرض غيرنا من الفتيات لهذا العنف فى المستقبل مع محاولة الحد منه قدر الإمكان فى الوقت الحاضر”