«2016» العام الأشد قتامة على الحقوقيات .. 366 يومًا بين المنع من السفر والتحقيق وتشويه السمعة
ربما كان أكثر عنوان ارتبط بأخبار الحقوقيات والحقوقيين خلال هذا العام هو “منع فلان أو فلانة من السفر”، وتشترك أغلب الأخبار في عنصر المفاجأة، إذ أن كثير منهم عَلم بالمنع في المطار قبل السفر مباشرة، فلم يُخطروا به، ولا بأسبابه.
المادة 62 من الدستور المصري
“حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة. ولا يجوز إبعاد أى مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه. ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة فى جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة، وفى الأحوال المبينة فى القانون.”
بحسب منظمات حقوقية مصرية، فعدد الممنوعين من السفر في الفترة بين يونيو 2014 ونهاية سبتمبر 2016 بلغ 217، بينهم 115 لأسباب سياسية، وليست جنائية، ويزيد الرقم شهريًا.
بين هؤلاء الممنوعين، حقوقيات وناشطات نسويات، لهن باع لا يستهان به في دعم النساء المعنفات، والتبشير بحقوق المرأة، وزيادة رقعة الوعي بالانتهاكات التي تطال النسوة في مجتمعنا، وخضن نضالات ومازلن من أجل استصدار قوانين تحميهن ومعارك شتى بغية تغيير الثقافة المجتمعية المتقبلة للعنف ضدهن، وهو ما يجعل التكريم هو المتوقع بعد كل هذا الكفاح والمقاومة، لكن لعنة التشويه والتضييق والمنع هي التي عبأت الأجواء، خاصة خلال العام الذي نوشك على مفارقته.
«مــــزن حســن» حرمها المنع من السفر من استلام جائزة نوبل البديلة
في يونيو الماضي، علمت “مزن حسن” الناشطة النسوية والمديرة التنفيذية لمؤسسة نظرة للدراسات النسوية، بقرار المنع من السفر كغيرها، في مطار القاهرة الدولي، من قبل إدارة الجوازات، قبيل سفرها إلى بيروت للمشاركة في اجتماع إقليمي للمدافعات عن حقوق المرأة.
وبعد شهرين، جاء اسم “حسن” ضمن قائمة الفائزين بجائزة «رايت لايفليهود» Right Livelihood لعام 2016، والمعروفة باسم جائزة «نوبل البديلة» أو «نوبل الظل»، لتصبح ثالث شخصية مصرية تفوز بها، بعد المعماري “حسن فتحي”، والعالم “إبراهيم أبو العيش”، لكن هذا الإنجاز لم يغير شيئًا في مسألة المنع من السفر، فلم يتسن للناشطة النسوية أن تسافر لاستلام جائزتها في الاحتفال الذي أقيم نهاية شهر نوفمبر الماضي في العاصمة السويدية استوكهولم.
وقال “جاكوب فون أوكسيكل”، مؤسس جائزة «نوبل البديلة »، في كلمته خلال الحفل «للاَسف تتابع الناشطة النسوية المصرية، مزن حسن، الحفل عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، لخضوعها لقرار بحظر السفر.”
وكانت “حسن” قد أسست “نظرة للدراسات النسوية” في عام 2007، بهدف تطوير الحركة النسوية المصرية والإقليمية، وكانت بذرتها مبادرة دشنتها في عام 2005، تهتم بالنساء في المجال العام والنسويات من جيل السبيعينيات اللاتي لم يتحدثن عن حكاياتهن، وكانت المبادرة ترتكز على مدونة إلكترونية.
وتعد “نظرة” من المنظمات الحقوقية النسوية الأكثر اتصالًا بالشابات، ولعل أبرز أنشطتها في هذا السياق، المدرسة النسوية التي انعقد منها دورتين في 2013 و2014، شارك فيهما شابات من مختلف المحافظات المصرية، أسسن فيما بعد مبادرات نسوية في محافظتهن، تعمل حتى الاَن على نشر الوعي بحقوق المرأة، وتقديم الدعم والمشورة للمعنفات، إلى جانب التوثيق.
وكانت السلطات شرعت في إتخاذ إجراءات صارمة ضد عدد من منظمات المجتمع المدني غير الحكومية في عام 2011، بدأت بالتحقيق في مشروعية عملها وتسجيلها لدى الجهات الرسمية، ومدى قانونية التمويل الذي تتحصل عليه، وانتهت القضية التي عرفت إعلاميًا باسم “قضية التمويل الأجنبي” بصدور الحكم في يونيو 2013، الذي قضى بعقوبات سجن تتراوح بين 1 إلى 5 سنوات بحق 43 موظفًا مصريًا وأجنبيًا بتلك المنظمات، بالإضافة إلى إغلاق عدد من المنظمات الأجنبية التي تعمل داخل مصر.
لكن القضية عادت للحياة، وفُتح التحقيق مجددًا بنهاية عام 2014، لتكون “مزن حسن” أحد الأسماء المسجلة بقائمة طويلة، تواجه المنع من السفر، وأحيانًا التحفظ على الأموال مثلما حدث مع المحامية الحقوقية ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية “عزة سليمان”.
«عـــزة سليمــان» .. تحولت من محامٍ في القضية إلى متهم فيها
في 19 نوفمبر الماضي، فوجئت المحامية الحقوقية “عزة سليمان”، عند وصولها إلى مطار القاهرة الدولي، متوجهة إلى الأردن لحضور مؤتمر هناك، بمسؤولي المطار يمنعونها من إنهاء إجراءاتها، والسبب هو أمر من قاضي التحقيقات بمنعها من السفر، على خلفية قضية التمويل الأجنبي.
وعلقت “سليمان” على القرار، مؤكدةً أنها لا تعلم بالقرار ولم يتم إخطارها، إلى جانب أنها لا تعرف أنها من بين المتهمين بالقضية، وقالت”كنت محامية في هذه القضية والآن أعرف للمرة الأولى أنني متهمة.”
“عزة سليمان” من الأسماء البارزة في الحركة الحقوقية منذ تسعينات القرن الماضي، فقد شاركت في تأسيس منظمة “قضايا المرأة المصرية” في عام 1995، وهي الاَن تترأس مجلس أمنائها، وخاضت المنظمة معارك عديدة دفاعًا عن حقوق النساء المهدرة خاصة على المستوى التشريعي.
وعملت المحامية الحقوقية مستشارة لحكومات عربية ومنظمات غير حكومية، وشاركت في إعداد تقارير لجنة القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة Cedaw، وكانت من مؤسسي منظمة “مساواة” الدولية التي تسعى لدمج تعاليم الإسلام وحقوق الإنسان العالمية، والإتفاقات والمواثيق الدولية، والواقع المعاش، لتحقيق المساواة بين الجنسين، بهدف خلق أسرة سوية.
“سليمان” من أوائل المطالبين بحق الطلاق للمرأة المسيحية، ولعبت دورًا محوريًا في معارك الدفاع عن حق الأم المتزوجة من أجنبي في منح الجنسية لأبنائها، وتعديل قانون الأحوال الشخصية.
نفس قرار المنع من السفر الذي عرفت به “سليمان”، فوجئت به الدكتورة “عايدة سيف الدولة” مديرة مركز النديم للتأهيل النفسي لضحايا العنف والتعذيب في المطار أيضًا، ليحول ذلك دون مشاركتها في مؤتمر للمنظمات العاملة على تأهيل ضحايا العنف بتونس.
«عايدة سيف الدولة» 40 سنة من النضال.. لا عزيمتها كلّت ولا التضييق توقف
تعرضت مدير مركز النديم الدكتورة “عايدة سيف الدولة” للإيقاف بمطار القاهرة الدولي للسبب ذاته، وبنفس الطريقة مُنِعت من إنهاء إجراءات السفر إلى تونس، حيث كانت بطريقها لحضور فعاليات مؤتمر المنظمات العاملة على تأهيل ضحايا العنف بشمال أفريقيا، تميدًا لإصدار دليل توثيقي موحد عن ضحايا العنف
وسبق ذلك الإجراء، تجميد الحسابات البنكية لمركز النديم خلال الشهر الماضي، فضلًا عن صدور قرار بإغلاق المركز في فبراير الماضي، بداعي وجود مخالفات رصدها مفتشو الصحة أثناء زياراتهم له.
“سيف الدولة” طبيبة نفسية حاصلة على درجة الدكتوراة في عام 1991، وبدأت المشاركة في المجال العام من خلال الحركة الطلابية، وشاركت في انتفاضة الخبز في السبعينيات، وانضمت بعد ذلك إلى “حزب العمال الشيوعي” حتى بداية التسعينيات.
في 1993، أسست ومعها عدد من الأطباء مركز النديم لعلاج وتأهيل ضحايا التعذيب والعنف، ليقدم خدمات التأهيل النفسي والدعم القانوني لضحايا التعذيب بدون مقابل، ويقدم نوعًا من الدعم الاجتماعي والتوعية، إلى جانب إصدار تقارير دورية ترصد حالات تعرض المواطنين للعنف، وبخلاف مساعدة ضحايا التعذيب يشارك النديم في التصدي للعنف ضد المرأة، إذ يقدم برنامجًا منفصلًا للمرأة يرتكز على الاستماع والمشورة للمعنفات.
«منـــى مينــا» .. اتهامات بالجملة وحملات تشويه مستمرة والرد دائمًا بــ«ابتسامة تكسر القيد»
يعد اسم الطبيبة “منى مينا” من أكثر الأسماء التي تعرضت للتشويه، طيلة الفترة الماضية. وعلى الرغم من كونها أول امرأة تفوز بمنصب أمين نقابة الأطباء في ديسمبر من العام 2013، وتشغل حاليًا منصب “وكيل مجلس النقابة العامة للأطباء”، إلا أن ذلك لم يمنحها تكريمًا بل ربما ضاعف الأعباء على كاهلها، وأنهكها بمزيد من الاتهامات.
“منى مينا” قضت شوطًا طويلًا تدافع عن مهنتها وزملائها من الأطباء، وتناضل ضد الانتهاكات والظلم والقمع سواء قبل ثورة يناير أو بعدها.
قبل الثورة، أسست حركة أطباء بلا حقوق للدفاع عن حقوق الأطباء المهدرة والنهوض بأوضاع الصحة في مصر، وبعدها شاركت في إضرابات الأطباء الجزئية في مايو 2011، وأكتوبر 2012، و2014 للمطالبة بتحسين الأجور، وتأمين المستشفيات، ورفع ميزانية الصحة، وتغليظ عقوبة الاعتداء على المستشفيات والأطباء.
خضعت الطبيبة والناشطة الحقوقية للتحقيق أكثر من مرة خلال هذا العام، اَخرها منذ أيام إثر اتهامها بتكدير الأمن والسلم الاجتماعيين، ونشر الفزع والرعب بين المواطنين، بعد تصريحها بأن أحد الأطباء أخبرها بوجود تعليمات من وزارة الصحة باستخدام الحقن (السرنجات) أكثر من مرة.
وفي فبراير الماضي، جرى التحقيق معها ونقيب الأطباء الدكتور حسن خيري، على خلفية غلق مستشفى المطرية عقب حادث تعدي أمناء شرطة بقسم المطرية على الأطباء العاملين بالمستشفى.
وبسبب الأزمة التي أحدثتها واقعة مستشفى المطرية، بين نقابة الأطباء ووزارة الداخلية، واجهت “مينا” حملات تشويه ونيل من شخصها وتاريخها، لكن ذلك لم يثنها عن المضي قدمًا في مسيرتها دفاعًا عما تصدق أنه حق.
“منى مينا” ليست مجرد رمز من رموز ثورة يناير، هي جزء من تاريخها، وعند التوثيق، سيحضر اسم “منى مينا” متفردًا، فهي من مؤسسي المستشفى الميداني بميدان التحرير خلال موجتها الأولى (25 يناير – 11فبراير)، ولم تبرح الميدان طيلة فترات الاحتجاج حتى عام 2013، وهي من وجوه الثورة النابضة بالحياة التي مازال لها صوت بعد اختفاء كثيرين طواعية أو قسرًا.