مع نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، بدأت الحركة “النسوية” – موجتها الثانية-  تلتفت إلى أهمية السينما في ترسيخ نظرة المجتمع للمرأة، وفي عام 1972  أعلنت المجلة الأمريكية “المرأة والسينما” فى عددها الأول، أنها ستناضل فى مجال المرأة ودورها فى السينما، وكان القائمون على المجلة جميعهم من النساء اللواتي يؤمن بأولوية حصولهن على حقوقهن ومحاربة التمييز ضدهن، ولذا رأين ضرورة وضع حد للصور النمطية التى تؤديها المرأة في السينما، بالإضافة إلى وضع قانون أو أسلوب مختلف للنقد من منظور “نسوي”، وقراءة وتحليل الأفلام من هذا المنطلق.

وجاءت المحاولات الأولى لوضع قواعد التحليل النسوي في الولايات المتحدة، مستندةً إلى بعض النظريات فى علم الاجتماع، فبدأ بالتركيز بشكل كبير على الأدوار المختلفة للنساء فى الأفلام خاصة الروائية.

وبرزت في هذا الصدد 3 كاتبات هن؛ لورا مالفي، ومولي هاسكل، وجوديث ويليامسون.

رائدات التحليل النسوي للسينما

صدر للناقدة “مولي هاسكل” في سنة 1974 كتاب “من الخضوع إلى الاغتصاب” – “From reverence to rape”، وتناول بالتفصيل كيف تعالج السينما صورة المرأة، وتحديدًا سينما هوليوود وأوروبا، وكان الكتاب محاولة للإجابة على سؤال “هل صورة المرأة في السينما هي انعكاس لنظرة الرجل؟”

وبدأت “هاسكل” الكتاب بالإشارة إلى أن الرجال لديهم وجهة نظر واحدة،  ترى الاَخر كما لو أنه مجرد مخلوق لإشباع نزواته، وأن المرأة ليس من حقها أن تفعل المثل، وعندما يأتى الدور على المرأة بعدئذٍ، فإنها تمارس نفس الطريقة المرضية.

وبحسب “هاسكل” فإن صورة المرأة في السينما الهوليودية تنحصر في 3 صور: المرأة الاستثنائية، حيث تبرز شخصية قوية ومستقلة أو المرأة العادية، وهي الصورة الأكثر شيوعًا وانتشارًا في السينما، هي امرأة خاضعة للرجل دورها يقتصر على إشباع رغباته وتربية أولاده، والمرأة العادية التي تحولت لاستثنائية، ويأتي هذا التحول، لكونها ضحية حاولت تجاوز العنف والقسوة اللذين تعرضت لهما، فكان التحول.

أما “لورا مالفي”، فتعتبر مقالتها  – المتعة المرئية والسينما  Visual  Pleasure and Narrative Cinema –  من أهم الكتابات فى هذا الشأن  حيث يعدها كثيرون الأساس الرسمي للتحليل النسوى فى تاريخ السينما.

وقد أظهرت “مالفي” فى هذة المقالة طريقة نظرة الكاميرا للمرأة، إذ تظهرها كتمثال جميل يحدق فيه الجميع ليس أكثر، ضاربة المثل بالمشهد المتكرر لمرور الكاميرا ببطئ في أغلب الأفلام على جسد البطلة بالكامل  في أول لقطة لها، ويفترض صناع الفيلم أن البطل يتفقدها وأن المشاهد سيستمتع بحركة الكاميرا تلك، علاوة على أن المرأة تظهر في أغلب الأحيان تابعة للرجل، ويتجلى أيضًا انعدام التكافؤ بينها وبينه، إذ تنقسم الأدوار بين ذكر بأفعال إيجابية وأنثى بأفعال سلبية.

في 1971 حصلت “لورا مالفي” على الترخيص بعرض الجيل الأول من الأفلام الوثائقية النسوية، وهي؛ الأنثى النامية، وجاني، وثلاث حيوات، وفيلم نساء.

تلحق بهما الناقدة “جوديث وليامسون”، التي كانت تنشر مقالاتها في هذا الصدد، في جريدة New statesman  خلال فترة الثمانينيات، وناقشت من خلالها فكرة المرأة العزباء العاملة، التي ظهرت في أفلام Fatal Attraction، Black Widow، و 9 weeks and half، وهذه الأفلام وفق رؤيتها تقدم النساء في صورة نمطية ومسيئة ومنفرة.

من التحليل النسوي على الأوراق إلى الأحداث السينمائية النسوية

كان لهذه الانتفاضة أثرها على الأرض، ففي عام 1973، انعقد مهرجان المرأة والسينما في ترونتو، ومهرجان سينما المرأة في واشنطن، وموسم السينما النسائية في دار السينما في لندن، ومؤتمر السينما النسائية في بافلو، ثم في عام 1974، نظم مهرجان شيكاغو لأفلام المرأة، وفي العام نفسه صدرت المجلة الفصلية، Jump Out  وهي فصلية عن السينما المعاصرة، وأكدت في عددها الأولى على أهمية المنظور النسوي لرؤية وتحليل السينما.

لماذا يلقى “منهج نصرة المرأة”رفضًا من النقاد؟

يعرف أيضًا النقد أو التحليل النسوي للسينما، بمنهج نصرة المرأة، واعتبره نقاد كثيرون لا يحكم على الأدوات الفنية بقدر ما يحكم على الجهاز لفكري المتحكم في صناعة الفيلم، وبالفعل هذا النمط من النقد يعول كثيرًا على المضمون الفكرى وعلى التوجه الأيديولوجي، مما يجعل المعارضين لهذا الإتجاه يؤكدون أن القائمين والقائمات عليه يريدون تحويل المادة الإبداعية إلى خطب وكلمات رنانة.

وللاَسف حتى هذه اللحظة، يواجه هذا الاتجاه في تحليل الأفلام معارضة واسعة من المنتمين للمدارس والاتجاهات النقدية الأخرى، وكثيرًا ما يرجع المعارضون ذلك لأن المنهج النسوي في نقد السينما لا يرتكز على نظرية مكتملة، أو اتجاه ثابت حتى الاَن.