الكابوس الأسوأ .. كيف أضحى “المتحــــرش” رئيسًا للبلد الأكثر تشدقًا بحقوق النساء؟
فوجئ العالم بأسره بفوز المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى الاَن هناك من لا يصدق أنه أصبح الرئيس رقم 45 في تاريخ الدولة الأهم والأكبر في العالم.
الصدمة تأتي بسبب التوقعات شبه الأكيدة بفوز المرشحة الديمقراطية “هيلاري كلينتون” بعد أن أثبتت استطلاعات الرأي كافة أن المعركة محسومة لصالحها، بالتوازي مع احتفاء والتفاف واسع من مشاهير المجتمع الأمريكي وأغلب وسائل الإعلام حول وزيرة الخارجية السابقة.
الصدمة بين الأمريكيين بدأت تظهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ثم انتقلت إلى الشوارع من خلال مظاهرات خرجت في عدد من الولايات، ومازالت مستمرة حتى الاَن ترفع شعار “ليس رئيسي”، فيما أعلن مواطنون أمريكيون نيتهم الهجرة إلى كندا.
كانت نتائج استطلاعات الرأي والمحللين تصب في صالح “كلينتون” ؛ إذ أن 77 في المئة من الناخبين الأمريكيين هم من النساء والملونين -السود واللاتين- والشباب تحت سن 35 عامًا، وهم جميعا فئات لا يحظى ترامب بالشعبية بينهم.
جاءت حالة الاستنكار لفوز رجل الأعمال المنتمي للحزب الجمهوري، لعدة أسباب على رأسها عداوته وتاريخه الأسود مع النساء، سواء عبر ما أثير إعلاميًا عن وقائع تحرش جنسي ارتكبها، أو اتهامات بالبيدوفيليا، أو بلاغات ضده بشأن استغلال نفوذه لإجبار نساء على قبول انتهاكاته الجنسية.
ومن ناحية أخرى لم يكن فوزه متوقعًا نظرًا لطبيعة الظروف، لكون “كلينتون” هي المرأة المنتظرة لرفع الحرج عن الولايات المتحدة في تأخرها عن أغلب دول الغرب في مسألة وصول المرأة إلى الحكم، رغم أنها الدولة التي انطلقت منها الحركة “النسوية”.
ووفقًا لشبكة CNN الإخبارية، فإن 53 في المئة من الناخبات “البيض” صوتن لصالح دونالد ترامب في مقابل 43 في المئة لهيلاري كلينتون.
53 في المئة، يعني أكثر من نصف النساء البيض صوتن لصالح الرجل الذي تفاخر بعلاقاته النسائية “السادية” وتحرشه بالنساء واستغلاله الجنسي لهن، وقد أثبت ذلك التسجيل المسرب له، علاوةً على شهادات نسائية عديدة على نفس الشاكلة، أبرزها للنجمة سلمى الحايك التي قالت أنه راودها وعندما رفضت، أساء إليها.
أما النتائج وفق العرق والسن، كشفت أن هناك قطاعًا واسعًا من الشباب اختار هذا الرجل، على الرغم من أن الشائع، هو أن طبيعة الشباب في الولايات المتحدة أكثر وعيًا بحقوق النساء وأهمية تمكينها.
فوز “ترامب” بالرئاسة في بلد مثل الولايات المتحدة، وبتصويت قوي من جانب النساء، يثير تساؤلًا جدليًا ألا وهو:
ما الذي يدفع “امرأة” للتصويت لصالح رجل قالها صريحةً “النساء أجساد ليس أكثر”؟
فضلت النساء البيض “العرق”، وتنازلن عن القضية “النسوية”، وتجاهلن بل وقفن ضد حقوق الأخريات، سواء ذوات البشرة السمرات، والنسويات، والمسلمات، وذوات الأصول العربية، والمهاجرات، والمتحولات جنسيًا، والمثليات.
وذكرت صحيفة «الجارديان» البريطانية أن نسبة عظمى من النساء الأميركيات من أصول إفريقية وإسبانية صوتن بالفعل لصالح هيلاري كلينتون، إلا أن الصدمة كانت من الأميركيات من العرق الأبيض اللاتي كنّ سببًا رئيسًا في فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية.
ويرجع عدد من المحللين الأمريكين انتخاب النساء له، لعدم ثقتهن في كلينتون، وشعورهن بأنها امرأة كاذبة خاصة على الصعيد السياسي، خاصة أنها لم تحقق “خيرًا” خلال فترة توليها منصب وزير الخارجية، وفيما يتعلق بدفاعها عن حقوق النساء فيرفع كثيرون تساؤلًا استنكاريًا بشأن علاقتها القوية بدولة مثل السعودية تدحض حقوق المرأة والأكثر تضييقًا على النساء.
أما عن تصويت الشباب، فتشير بعض التحليلات – الأولية – التي خرجت عقب إعلان النتائج إلى أن قطاعًا واسعًا منهم كان يميل إلى المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز، وبعد خروجه من السباق، وكشكل من أشكال التعبير عن الإحباط في بلد لا يعرف الاحتجاج – لأنه عبر هذه المرحلة – كان البقاء في المنزل نوعًا من الاعتراض على المرشحين وليس كلينتون فحسب، وهذا ما أكده الأمريكي الشهير “مايكل مور”.
انتخاب النساء لــ”ترامب” ليس مُستغربًا
من جانبها تقول الدكتورة منى بدران أستاذ الإعلام السياسي بجامعة المستقبل والباحثة في شؤون المرأة، أن نسبة النجاح التي حصل عليها ترامب لا تعد اكتساحًا، لأن الفارق بينه وبين كلينتون كان بسيطًا.
وتتابع في تصريحاتها لــ«ولها وجوه أخرى» قائلة “انتخاب النساء لترامب لا يعد أمرًا مستغربًا، لأنه في كل مجتمع مهما كانت درجة تحرره، فهناك أشخاص يحملون أفكارًا ربما تخالف قضية تحرير المرأة، السياسة كان لها الدافع والعامل الأكبر وراء فوزه إذ أن أتباع الأحزاب السياسية ذات الإيدلوجيات المحددة يسارعون لانتخاب ممثليهم وممثلي أحزابهم بصرف النظرعن ما يحملونه من أفكار واَراء.”
أرجعت ورقة بحثية للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فوز ترامب إلى حشد الأمريكيين البيض الغاضبين، بعد ما اَلت إليه أوضاعهم الاقتصادية مما يهدد الطبقة الوسطي للبيض بالانقراض، ليحل محلهم المهاجرين والملونين، وقد غازل ترامب البيض مرارًا.
كما اعتمد ترامب – حسب الورقة – على خطاب شعبوي سطحي بسيط خاطب به مشاعر الأمريكيين الذين يميلون إلى تصديق الرجل الذي حقق نجاحًا في القطاع الخاص “تجسيد الحلم الأميركي”، ويحملون نفس أفكاره عن المرأة والمهاجرين ولكنهم لا يجرؤون على الإفصاح عنها.
اتهام “كلينتون” باستخدام خطاب نسوي الاستعلائي
بحسب ما قاله الصحافي ورجل السياسة المحافظ “كارل روف” بعد فوز “ترامب”، فإن العينات التي تم استطلاعها بين نساء الطبقة العاملة، لا يشغلهن أن تصبح كلينتون أول رئيسة للولايات المتحدة، وبالمقارنة مع أوباما في 2008، فقد حصدت الأولى عدد أصوات من النساء السود والبيض والمهاجرات اللاتينيات أقل من الرئيس المنتهية ولايته.
دون قصد خسرت “كلينتون” قطاعات من النساء، فعلى سبيل المثال عندما أدلت بتعليقات ظاهرها رفض الصور النمطية عن النساء وقالت “افترض أنه كان بإمكاني البقاء في المنزل، وخبز الكعك وشرب الشاي”، فإن ذلك قد أثار حفيظة عدد من النساء الأميركيات اللاتي اخترن فعل ذلك، وهنا تنجلى حقيقة أن جزءًا واسعًا من أميركا هو مثل العديد من البلدان، وما تدافع عنه النسويات لا يثير اهتمام نساء أخريات يتمسكن بأفكار رسخت بيد مجتمعاتهن الذكورية، وهو ما يجعلهن ينظرن لأقوالهن وأفعالهن باعتبارها ثقافة دخيلة مفسدة لطبيعة المجتمع.
والمثير للاستياء، أن هؤلاء النساء تجاهلن تاريخ ترامب الأسود مع النساء، ومنهن من اعتبر تعليقاته المسيئة ليست تعبيرًا عن رؤيته أو هويته أوثقافته، وإنما مجرد كلمات عابرة أو خطأ غير مقصود، بينما لم يتعاملن بنفس المنطق مع كلينتون واعتبرن كل كلمة تقولها معاداة واستعداء لهن.
صدمة الفوز
لم تأتِ التعليقات السلبية المحبطة بعد فوز ترامب في السباق الانتخابي من النساء العاديات فحسب، فقد سارع عدد من المشاهير من النساء للتعبير عن رفضهن وغضبهن.
فقالت الممثّلة الحاصلة على جائزة أوسكار، “جنيفير لورانس”، إنّها لا تجد الكلمات لتعزية النساء بفوز دونالد ترامب، الذي يعني أن “السقف الزجاجي” الذي يلجم وصول النساء إلى أعلى المناصب، لن يتحطّم أبداً.
وكتبت مغنية البوب الشهيرة “مادونا” “حريق جديد تم إشعاله ولكن نحن لن نستسلم” كما كتبت أيضًا “حارب كي تكون حر”.
وتعتبر “كاتي بيري” صاحبة التغريدة الأكثر جدلاً رغم قصرها حيث قالت:” الثورة قادمة”، وتبعتها بعدة تغريدات دعمًا للمظاهرات التي شهدتها البلاد إعتراضًا على فوز ترامب.
أما “ليدي غاغا”، فقد تظاهرت احتجاجًا في شاحنة لعمّال التنظيف، أوقفتها أمام برج ترامب في نيويورك، حاملةً لافتةً مكتوب عليها: “المحبة تقضي على الحقد”.
كما عبرت هذه المذيعة على قناة MSNBC الأمريكية، عن صدمتها عندما تأكدت من خبر الفوز، وقالت: ” أنتم مستيقظين بالمناسبة وهذا ليس كابوس فظيع ولستم أموات هذه بلدكم الان وهذه انتخاباتكم حاليًا وهذه بلدنا الاَن وما حدث حقيقي.”
الشخص المعادي للحق في “الإجهاض”
الولايات المتحدة الأمريكية هي عنوان الحرية وحقوق الإنسان بالنسبة للعالم (على الرغم من عدم صحة المعلومة وفق حقائق المقارنة مع دول أوروبا)، لكن هذا هو الشائع، فكيف لدولة قادت الاعتراف بالأقليات، والحريات العامة والخاصة والجنسية، أن تنتخب رجلًا يرفض حق أصيل للمرأة، الترويج له حول العالم مصدره هذا البلد تحديدًا، وهو الحق في الإجهاض، بل أنه في حوادث سابقة، كان التهجم على المناديات بهذا الحق، وتوفير موانع الحمل، يقابل بمقاطعات من الجمهور العادي ورجال الأعمال، ويذكر أنه في فبراير من العام 2012، خرج المذيع المحافظ “راش ليبمو” في إحدى حلقات برنامجه الإذاعي، وهاجم المحامية والناشطة النسوية “ساندرا فلوك” عندما طالبت بتوفير سبل منع الحمل الاَمن داخل الجامعات، إلا أنه فوجئ بتوقف المعلنين عن دعم برنامجه وسيل من الانتقادات الجماهيرية، مما استدعى اعتذاره.. فما الذي يجري الاَن؟!
في سياق متصل، تفسر دراسة للمركز العربي لأبحاث ودراسة السياسيات أن ترامب استفاد من حالة الاستقطاب الحادة والإنقسام بين المدن الكبرى، وبين الأرياف أو البلدان الصغيرة ، أو ما وصفته الورقة البحثية بين المجتمع المتحرر الذي نجح في فرض تشريعات تتعلق بالإجهاض وجواز المثليين، وبين آخر يرفض هذه التوجهات، فاعتمد على خطاب شعبوي سطحي غازل من خلاله هذه الطبقات الغاضبة.
وفي هذا الصدد تقول مني بدران الباحثة في شؤون المرأة، أن تصريحات ترامب المعادية للحريات لن تكون موضع تأثير، خاصة أن الوضع في الولايات المتحدة، الرئيس فيه ليس صاحب الصوت الواحد أو الأوحد فهناك كونجرس ولوائح وقوانين تحدد هذه الأمور متوقعة أن هناك أمورًا ربما تفرض ذاتها تخالف ما صرح به ترامب خلال حملته الإنتخابية.