حوار- «سعاد أبو غازي» مؤسسة مدونة «أنا حُرة»: النظرة الدونية للصحافة الخدمية ما زالت سائدة.. و«التنميط» يلاحق الصحافيات
- أكثر ما يحتاجه الشباب هو المعلومة ثم إفساح المجال أمامهم لحرية الاختيار
- ادعم المجموعات النسوية لأنني أرى نفسي شريكًا لها
- لو هناك مستقبل للصحافة الورقية فهو للصحافة المحلية فقط
- أقدم نوعًا من الصحافة يناظر الصحافة السياسية والاستقصائية أو الفنية والرياضية
- في بداية عملي، كان زملائي ينظرون لي باعتباري “جاية أدلع” وليس للعمل لأنني امرأة
ليس بالسهل أن نقتحم مجالًا ليس مقبولًا ومقدرًا من كثيرين وعلى رأسهم أبناء مهنتنا أنفسهم، وكم هي صعبة التجربة التي نسلك فيها طريقًا تحفه العوائق المادية والمعنوية، وتزيد الأوضاع إنهاكًا عندما نحمل صفة “أنثى” في ظل مجتمع ومهنة مثل الصحافة، يمسك بتلابيبها الذكور، لكن بيننا من يتحمل كل هذه الضغوط، ودافعه قول الكاتب المسرحي “توم ستوبارد” «مازلت مؤمنًا أنك إذا أردت تغيير العالم، فالصحافة سلاح فوري وأسرع.»
الصحافية الشابة “سعاد أبو غازي” من هؤلاء المبادرين والمؤمنين بقوة الصحافة في تغيير الواقع وخدمة المجتمع على نحو أفضل، مهما كان الوضع القائم مُحبِطًا.
بدأت “أبو غازي” قبل أكثر من 6 سنوات تجربة استثنائية في عالم صحافة الخدمات، تحت عنوان “أنا حرُة”، وهي مدونة تقدم عبر مساحتها خدمة التعريف بأحدث فرص التدريب والعمل، والوظائف الشاغرة، والمنح الدراسية، إلى جانب الندوات، والمؤتمرات التثقيفية، وحفلات التوقيع، وأيضًا العروض السينمائية والمسرحية، خاصة المنتمية للتيار المستقل.
استطاعت مؤسسة “أنا حُرة” باهتمامها ودأبها، تقديم محتوى متجدد وفرص منتقاة بما يضمن صحتها وجديتها، وجذبت انتباه ومتابعة قطاع واسع داخل الوسط الصحافي، ومن الشباب على الفضاء الإلكتروني.
تجربة “سعاد أبو غازي” تنطوي على مثابرة وجهد متفردين، فهذه الشابة تقتطع من يومها ساعات، لتقديم تلك الخدمة دون مقابل سوى الرغبة الحقيقية في مساعدة الشباب والفتيات من جيلها.
“بفضل «أنا حُرة» زاد تفاعلي وتواصلي مع الشباب والفتيات، واكتشفت أن أكثر ما يحتاجونه فعليًا هو المعلومة، ثم إفساح المجال أمامهم للاختيار بحرية دون وصاية، سواء كانت عن توفر وظائف وتدريبات، أو ندوات، أو عن صدور كتاب أو حتى قراءة مختصرة لفيلم.” تقول “سعاد أبو غازي” في مستهل حديثها لــ «ولها وجوه أخرى»
الصحافية الشابة دشنت مدونة باسم «أنا حُرة» في عام 2008، أثناء دراستها الجامعية، لكنها لم تتحول إلى مدونة خدمية إلا في 2010 عندما توقف عملها، وقررت أن تستخدمها وسيلة للحصول على وظيفة جديدة، واللافت أن “أبو غازي” لم تغير اسم المدونة على الرغم من أن المحتوى المقدم من خلالها، لا تربطه علاقة واضحة بالعنوان الذي يتسم بطابع نسوي وينبأ بأن هذه المساحة مخصصة للنسوة أو للتعبير عن تمردهن.
وتكشف “أبو غازي” أن السبب في التمسك بالاسم هو ارتباط جمهور ومتابعي المدونة به، وتقول “لقد أجريت استطلاعًا للرأي بين متابعي المدونة، وأغلبهم كانوا ضد تغيير الاسم، معللين ذلك بأن المدونة عُرِفت به، وقد تحققت حالة من التاَلف بينهم وبينه، ولذا احتفظت باسم «أنا حُرة»”
وتستطرد قائلة “ولابد من الأخذ في عين الاعتبار، أن الأمر لا يتجاوز حدود مدونة وصفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، لذلك فتغيير الاسم ليس أمرًا وجوبيًا، أما في حال تحولت المدونة إلى مشروع أكبر من هذه الحدود، وقتها سيكون تغييره حتميًا.”
تدير “أبوغازي” المدونة وحدها، ومع ذلك فإن نشاطها لافت وغير متوقف، إلى درجة تجعل كثير من متابعيها يتخيلون أن المدونة تقوم على عاتق عدد من الأفراد.
“صحيح أن فكرة الفريق مهمة لتطور المدونة، لكن في الوقت نفسه ضمان استمرارية المتطوعين صعبة، والتزامهم بمعايير النشر على المدونة أصعب، بالتالي هذه الخطوة من المستبعد حدوثها في الوقت الراهن، نظرًا لعدم وجود إمكانيات مادية تسمح لي بتوظيف فريق عمل، بالإضافة إلى رغبتي في أن يكون من يشاركني النشر على المدونة محبًا للعمل والخدمة المقدمة ومدركًا لقيمتها، وهو أمر ليس باليسير .”
إلى جانب النشاط المعتاد للمدونة، تهتم “أبو غازي” بتعريف متابعي «أنا حُرة »، بــالمبادرات النسوية، وتكشف أن السبب وراء ذلك بشكل أساسي هو دعم هذه المبادرات التي تقدم محتوى ومجهود مقدرين بحسب قولها، وتقول “لقد اعتبرت نفسي شريكًا لهذه المجموعات في توصيل ما تقدمه من خدمة من نوع اَخر غير التي أقدمها، لكن في النهاية نحن نشترك في هدف واحد وهو تقديم معلومة وتغطية احتياجات الشباب المتباينة، إلى جانب ذلك لا أستطيع أن أخفي اهتمامي بالشأن النسوي، مع التزامي بعدم فرضه على متابعي المدونة، فأنا أخصص له مساحة بما يتوافق مع طبيعتها وأهدافها.”
تشتمل «أنا حُرة» على عدد من الحوارات تحت عنوان سلسلة “صحافي محلي”، تحاور فيها عدد من رواد هذا النوع من الصحافة، مثل؛ بسام عبد الحميد الصحافي بصحيفة النجعاوية التي تصدر في نجع حمادي، وربيع فهمي مؤسس راديو كرموز، وهو ما تعتبره “أبو غازي” دعمًا مستحقًا لنوع من الصحافة هي تؤمن بأنه لو هناك استمرارية في المستقبل للصحافة الورقية سيكون من نصيب الصحافة المحلية، التي تغطي قضايا وشؤون محافظة بعينها، أو إقليم محدد، أو مدينة، أو قرية أو حتى حي.
وتردف قائلة “لقد فكرت أيضًا في دعم هؤلاء الصحافيين، من خلال مشروع للربط بينهم وبين الصحافيين في العاصمة، حتى يسهل ذلك التواصل بين الطرفين، لإتمام التحقيقات سواء هنا أو هناك، وتخفيف الأعباء خاصة على القادمين من المحافظات إلى القاهرة.”
كل هذه التفاصيل التي تؤكد ثراء المحتوى الذي تقدمه المدونة تقود إلى السؤال عن معايير اختيار وتحديد ما يُنشر، وتجيب “أبو غازي” قائلة “في البداية كنت اهتم بنشر الأخبار الخدمية للصحافيين فقط، ثم اكتشفت أن المجتمع المدني يقوم بنشاطات وفعاليات تستحق أن يُسلط الضوء عليها والتعريف بها، فأضفت أخباره، ثم ذاع صيت الفنانين المستقلين بعد الثورة، فخصصت لهم مساحة.”
وتضيف “من ضمن المعايير أيضًا، الامتناع عن نشر الورش والتدريبات التي تتطلب دفع مبالغ مالية تفوق 1000 جنيهًا، لأنني أخاطب المنتمين إلى الطبقة المتوسطة أو أقل، علاوة على ذلك، لا مجال لنشر خدمة مقدمة أو مرتبطة بجماعات دينية، وأي شيء أستشعر أنه سيثير متابعي المدونة، وسيحولها إلى ساحة جدل وخلاف يضيع الهدف الأساسي من الخبر المنشور.”
تتمسك “أبو غازي” بوصف ما تقدمه بالصحافة الخدمية، على الرغم من أن تهمة تقديم إعلانات وليس مادة صحافية تلاحقها، ولا تنفي مؤسسة مدونة “أنا حُرة” انزعاجها من الأمر، لكنها تواجهه بتجاهل إيمانًا منها بأنها تقدم صحافة لا تختلف عن السياسية والاستقصائية، أو الفنية أو الرياضية، فالجميع يقدم للمواطن خدمة، وتقول “وعلى كل الأحوال فالقارئ يحتفظ بالخبر الخدمي لأنه يغطي احتياجًا أهم بالنسبة له.”
بعيدًا عن الفضاء الإلكتروني، عادةً ما تعاني الصحافيات في عملهن على أرض الواقع من أشكال متعددة من التمييز، مثلما تتعرض النساء في أغلب المهن في ظل مجتمع تعمه الذكورية، وهو ما انتقلنا للحديث عنه مع “أبو غازي”، وعلى الرغم من مسارها المهني المتعرج على حد تعبيرها، نظرًا لغياب الاستقرار الذي اتسم به، إلا أنها تكاد تجزم أن التنميط سيد الموقف في التعامل مع النساء العاملات بالصحافة، وتقول “كان زملائي ينظرون لي باعتباري “جاية أدلع” وليس لأعمل، وعندما تيقنوا من التزامي وجديتي تحولت المعاملة من زميل وزميلة، إلى زميل وزميل اَخر، فوفقًا لأفكارهم لا يعمل سوى الذكور.”
وتواصل “هناك مشكلات أخرى تواجهها الصحافيات، صحيح أنني لم أتعرض لها بشكل شخصي، لكن زميلاتي يعانين منها، مثل التحرش الجنسي، ومحاولات تحطيمهن نفسيًا من خلال إعاقتهن عن إتمام أعمالهن خاصة لو كان العمل ذا طابع تشاركي.”
لكن “أبو غازي” لم تقل أن هذا هو سبب تفكيرها في الإتجاه إلى الأدب، وترك الساحة الصحافية، بل مبررها هو حالة التوتر والقلق، التي انغمست فيها “مهنة الصحافة بقدر أهميتها وقيمتها، لكنها في الوقت ذاته متعبة نفسيًا ومثيرة للأعصاب، والاستمرار فيها ضريبته كبيرة.”
إذ كانت التجربة تقوم على عاتق فرد ودون أي دعم أو عائد مادي، فكثيرًا ما يصيب صاحبها بخيبة الأمل، وهناك من يوقفون تجاربهن لهذا السبب، لكن “سعاد أبو غازي” لا يبدو أنها ستستسلم لتلك المشاعر السلبية “لم أبحث عن المال، وحتى لو استمر الوضع على ما هو عليه، أنا ما أربو إليه هو العائد المعنوي، وكل ما يهمني هو تقديم الخدمة لمن يحتاجونها، وطالما أنا قادرة على القيام بذلك، فأنا أحقق نجاحًا.” وتختتم قائلة “على المستوى المادي أعلم أنني لم أربح شيئًا، لكن كتجربة شخصية لقد ربحت الكثير.“