في اليوم الدولي للطفلة..فتيات يسترجعن أيامًا سوداء قتلت فيها المشارط طفولتهن تحت لواء «العفة»
“أكتبي كل حاجة بالتفصيل يمكن يحسوا على دمهم ” بهذه العبارة أنهت “سامية أحمد” البالغة من العمر 23 عامًا، مواليد محافظة الإسكندرية، روايتها كناجية من تشويه الأعضاء التناسلية المعروف باسم “ختان الإناث”، والذي يعد أحد أكثر الممارسات المجحفة بحق الفتيات في مصر، وهو كالسرطان في مراحله المتأخرة، ينخر في الجسد المصري من أقصاه إلى أدناه.
بدأت أقاوم، ضممت رجلي، محاولةً إبعاد الطبيب، إلا أن زوجة عمي أقدمت وأحكمت قبضتها على ساقي
كغيرها من الفتيات ممن تعرضن للختان، لم تدر “سامية” يومها ما الذي سيجري، ولم تعرف ماهية الختان، لكن الأجواء غمرها الاحتفال والفرحة، بينما ما بقي في الذاكرة من هذا اليوم هو الاَلم وضياع الثقة في أسرتها.
“في صيف 1999، عندما كنت في الخامسة من العمر، وبعد انتهاء السنة الدراسية، وتحديدًا في أغسطس، فوجئت بأمي وبدون أي مقدمات، تحضر لي أفضل فستان لدي، وتعاملني برقة وحنان لم أعتد عليهما، وعندما سألتها ما السبب وراء هذه الحفاوة، أجابتني “فيه حاجة حلوة علشانك بليل.”
انتظرت حتى جاء الليل وجاء معه طبيب كبير السن إلى منزلنا يدعى”محمود” كان مشهورًا في منطقتنا، وحضر إلى المنزل أيضًا عدد من الجيران والأقارب، كانوا فرحين مبتهجين، وبعد قليل انقسم الموجودين ما بين من ظل في صالة البيت، ومن دخل معي إلى الغرفة وبادروا بتكتيفي.
وتتابع في حديثها لـ«ولها وجوه أخرى»: “شعرت باَلم قاسٍ، كلما تذكرته انتابني شعور بالخوف الشديد، بدأت أقاوم ضممت رجلي، محاولةً إبعاد الطبيب عني، إلا أن زوجة عمي أقدمت وأحكمت قبضتها على ساقي، حتى يستكمل الطبيب البتر الذي يقوم به، وبعد أن انتهى بارك لأمي، بينما أنا أبكي قهرًا، كان الجميع يضحك ويبارك محتفلًا، ومنهن من أطلق الزغاريد.
تواصل “سامية” روايتها عن هذا اليوم المشؤوم، وتقول “منذ تلك اللحظة وحتى بعد وفاة الطبيب، لم أسامحه ولن أفعل، لأنه من المفترض رجل متعلم وطبيب وعلى علم ودراية بأضرار ختان الإناث.”
يحتفل العالم في الـ 11 من أكتوبر من كل عام، باليوم الدولي للطفلة أو الفتاة، وهو يوم أقرته هيئة الأمم المتحدة في 17 نوفمبر 2011 بهدف حماية حقوق الفتيات بالوسائل الممكنة، كالاتفاقيات والبرامج الدولية ومنها برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، وإعلان مؤتمر بكين للمرأة المنعقد سنة 1995 .
هذا العام، يحل اليوم الدولي رقم “5”، ومازالت الفتيات في مصر يعانين من مظاهر العنف التي تلاحقهن باسم العادات والتقاليد، أو التطرف أو بسبب الفقر، وعلى رأسها تشويه الأعضاء التناسلية.
“المعروف والشائع أن الهدف من الختان هو الحفاظ على عفة البنت، لكن ما حدث معي كان العكس تمامًا”. تقول “هبة سيد”
أدركت حينذاك أن ختان الإناث ما هو إلا تقليد غبي ولا علاقة له بالرغبة الجنسية
وتحكي قصتها مع الختان قائلة ” كنت في التاسعة من العمر، عندما أخبرتني أمي أن الختان يحفظ عفة البنت وشرفها، ويقلل شهوتها، ولم أكن وقتها أفهم ما تنطق به، وفي يوم من أيام أغسطس جهزتني أمي، أنا وأختى البالغة من العمر وقتها 10 سنوات، حتى حضر الطبيب وأكد لنا أننا لن نشعر بأي اَلم خلال العملية، لكن الأمر لم يكن كذلك، فقد شعرت بكل شيء منذ البداية وحتى النهاية.”
وتتابع “لقد أُجري لي الختان في مرحلة مبكرة، لم أكن استوعب ما هو الختان، لكن عندما تقدم بي السن ودخلت مرحلة المراهقة، صرت أشعر بأن لدي رغبتي جنسية وشهوة تجاه الجنس الاَخر، أكثر من أختي التي لم تخضع للختان، وعندما أصبحت أميل جنسيًا لفتيات أخريات، أدركت حينذاك أن ختان الإناث ما هو إلا تقليد غبي ولا علاقة له بالرغبة الجنسية.”
يعتقد كثيرون أن العفة تأتي من خلال قطع جزء من جسد الفتاة، وهو المتعلق بمراكز الحس، لكن “هبة” تنفي ذلك كليًا وتقول “الربط بين العفة وجسم الفتاة ربط خاطئ، فالعفة مكانها العقل.”
يذكر أن نصف الدول المنتشر بها الختان وعددها 29، تجرى عمليات الختان للأطفال الإناث ما قبل الــ 5 سنوات، أما بقيتها يجرى الختان فيما بين 5- 14 عامًا.
أخبرته أننى “مختونة”.. فرد قائلًا كل المصريات كده
أما الطبيبة الثلاثينية “اَية محمد”، فلم تنس هي الأخرى هذا اليوم الأسود، وتسترجعه قائلة “كنت في الصف الأول من المرحلة الثانوية، وذهبت مرغمة بعد إصرار جدي وجدتي وطلبهم بإلحاح من أمي أن أخضع للختان مثل شقيقتي الأكبر مني سنًا، ولم أر حينذاك من أمي اعتراضًا أو امتعاضًا، وذهبت إلى عيادة خاصة، خدرني الطبيب بشكل كامل، وعلى الرغم من ذلك، كنت أشعر بكل شيء.”
تكشف “اَية”، أن والدتها تعتبر ختان الإناث ليس شيئًا جديدًا أو مستحدثًا، وأنها ظلت تقول لها “كلنا حصلنا ختان”.
تروي الطبيبة ذكرياتها مع الختان “لقد كنت أفضل حالًا من شقيقتي الكبرى، فقد ذهبت للطبيب وخدرني كليًا، أما شقيقتي ختنتها داية عجوز باستخدام اَلة حادة دون أي تخدير.”
وتلفت “اَية” إلى أنها كانت تقاوم خلال العملية، الأمر الذي دفع الطبيب إلى تقييدها، وتقول “كل الذي دار في ذهني اَنذاك أن شخصًا ما ينتهكني.”
التشويه الجسدي الذي تحدثه العملية ويختلف بحسب تباين درجة الختان، هو ما يجعل النساء خجولات من أجسامهن، وتقول “اَية” عن ذلك “في أول علاقة جنسية كنت متحرجة، لكنني أخبرته أننى “مختونة”، فرد قائلًا كل المصريات كده.”
رفضت “اَية” التي تعمل طبيبة في مناطق ريفية عديدة في محافظة الشرقية العروض والمبالغ المالية التي تقدمها الأسر الراغبة في تختين بناتهن في المنازل، وتقول “في بداية عملي كطبيبة في المناطق الريفية والنائية، وعلى الرغم من تجريم هذه الممارسة، تأتي النساء اللواتي يشكين من برود جنسي وهم لا يدرون أن الختان هو السبب، ومع ذلك يريدونني أن أختن بناتهن، وكنت أرفض على الرغم من أنه الشائع في هذه المناطق أن الطبيبات النساء يجرين هذه العملية وبمقابل مادي كبير.”
كل ما أدركته وقتها من حديثهم أنني سأكون عارية أمام شخص ما
هالة سليم مازالت طفلة بحكم القانون، فلم تتجاوز بعد الـ15 عامًا، وهي من بنات محافظة الإسماعيلية، وبدأت روايتها بالتأكيد على أنها لا تريد أن تخسر شقيقتها، ولا تريدها أن تتعرض لأي أذى، وستمنع إخضاعها للختان مهما كانت العواقب.”
وتقول هالة “كنت طفلة في الصف الرابع من المرحلة الابتدائية، وعرفت أنني سأخضع للختان حتى أكون “محترمة وكويسة”، هكذا كانوا يرددون أمامي كلما ذُكر الختان ولم أكن أعرف ما هو الختان، كل ما أدركته وقتها من حديثهم أنني سأكون عارية أمام شخص ما.”
وتضيف “بعد سنوات أدركت أن الختان مثل السرطان، أثره لا يترك الجسد، حتى بعد إنتهاء العملية واَلمها.”
تختتم “هالة” “بالنسبة لي كل شئ قد انتهى، وليس معقولًا أن أذهب لأهلي وأعاتبهم وهم لا يدركون أن الختان يمكن أن ينهي حياة إنسانة.”
أخضعوني للختان على يد عمتي طبيبة أمراض النساء والتوليد، بعد أن اكتشفوا أنني على علاقة عاطفية بشاب
أخيرًا “منة عبد المجيد” وهي فتاة في الــ18 من عمرها، لم تنس يوم إخضاعها للختان، ليس فقط بسبب فرط الاَلم أو مشهد الدماء المخيف، ولكن لأنه لم يمر عليه سوى بضعة أشهر.
منذ 10 شهور تقريبًا، أجرت “منة” عملية تشويه للأعضاء التناسلية على يد عمتها طبيبة أمراض النساء والتوليد، التي استدعاها الأب لإجرائها بالمنزل، بعد أن اكتشفت الأسرة أن ابنتها تربطها علاقة عاطفية بفتى في نفس المرحلة العمرية.
مارست الأسرة التي تسكن بمنطقة قلعة الكبش، إحدى المناطق العشوائية بحي السيدة زينب، أنواعًا عديدة من العنف بحق الفتاة بعد اكتشاف العلاقة، بداية من التعنيف اللفظي، والإهانة، الحبس، والاعتداء الجسدي، حتى انتهى الامر بإجبارها على الخضوع لعملية ختان.
“منة” تعلم تمامًا أن الختان ليس مساويًا للعفة أو حافظًا للبنت، أو حتى كابحًا لجماح الشهوة، لكن الأمر ليس بيدها في بيت كلمة الأب فيه الأولى والأخيرة.
“أمي لم تعارض أبي في قراره، لأنه أهانها بما يكفي ونهرها متهمًا إياها بالتقصير في تربيتي، وعلى الرغم من الاَلم البشع والجرح الغائر، إلا أن العطف لم يعرف لقلبهما طريق.” تقول “منة”
وتواصل “مشكلتي ليست في الختان وما سيتركه من أثر جسدي، مشكلتي فيما تركه داخلي من أثر نفسي، فلقد اقتطع جزء من جسدي، واتهمت بعدم الأهلية للحفاظ على شرف والدي وعائلتي ككل، بسبب علاقة عاطفية وهو أمر طبيعي في حياة كثيرات غيري، وعوقبت كأنني ارتكبت خطيئةً، وحتى إن صدقوا أنه خطأ، فهل استحق عليه الذبح؟!”
** تم تغيير بعض أسماء الناجيات بناءً على رغبتهن الشخصية واحترامًا لخصوصيتهن