المخاوف بشأن تطبيق القانون تفسد الاحتفاء بتغليظ عقوبة ختان الإناث.. لماذا لا يكفي القانون وحده؟
بعد حالة احتفاء واسعة من جانب منظمات المجتمع المدني، والمبادرات النسوية، والمحاربين والرافضين لــ”ختان الإناث”، إثر تغليظ عقوبة ممارسته، بموجب التعديل الأخير على قانون العقوبات، الذي يقضي بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تتجاوز 7 سنوات فى حين أن القانون سابقًا كان يضع العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن ألف جنيه، ولا تتجاوز 5 آلاف جنيه، وعرف المشروع “ختان الإناث” بأنه إزالة أى من الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام أو إلحاق إصابات بها دون مبرر طبى.
وكانت الحكومة في أغسطس الماضي، قد أرسلت مشروع القانون الذي يقضي بتغليط العقوبة، بعد تتابع حالات الوفاة بين فتيات أجريت لهن عمليات الختان، أبرزهن؛ ميار محمد موسى التي توفيت داخل مستشفى خاص بالسويس إثر إخضاعها لعملية ختان.
اعتبر الحقوقيون التعديل الجديد مكسبًا جديدًا يضاف إلى نضال طويل ضد عادة “ختان الإناث” المنتشرة في مصر، لدرجة تضعها على رأس دول العالم في عدد النساء اللواتي خضعن لهذه الممارسة بواقع 27.7 مليون امرأة، وفي الوقت ذاته لم يخف كثيرون منهم قلقهم بشأن تفعيل العقوبات الجديدة وتطبيق القانون بحذافيره، خاصة في ظل حالة جدل صاحبت موافقة مجلس النواب على مشروع القانون، حتى من قبل بعض نوابه وعلى رأسهم النائب إلهامي عجينة ونواب حزب النور السلفي.
الاعتراض من داخل بيت التشريع نفسه
بدأ الجدل عندما اعترض عدد من النواب على تغليظ العقوبة أثناء مناقشة المشروع داخل أروقة المجلس، وفي الواجهة حزب النور السلفي، الذي دخل في معركة مع الأزهر بسبب تحريمه لختان البنات، وبعد الموافقة على التعديل، جاء على لسان النائب إلهامي عجينة، تصريحات تبرر الختان، وقال فيها إن الرجال المصريين يعانون من ضعف جنسي والدليل أن مصر من أكبر البلدان المستوردة للمنشطات الجنسية، وأضاف “مصر إذا توقفت عن ختان الإناث ستحتاج لرجال أقوياء، ولا يوجد لدينا هذا النوع.”
الغريب في حالة “عجينة” أنه عاد وناقض نفسه، وقال إنه ضد ختان الإناث، ويرى أن الحل هو الإعلام والمنبر من خلال الأوقاف.
لا قانون بدون توعية ولا توعية بدون قانون
توضح الدكتورة “فيفان فؤاد” منسقة البرنامج القومي لمناهضة ختان الإناث، أن التوعية مهمة إذ أن الختان من العادات والتقاليد في المجتمع، لافتةً إلى أن القانون هو أداة من أدوات التوعية.
وتضيف “فؤاد” في حديثها إلى “ولها وجوه أخرى”، أن أبسط وأول سؤال يطرحه المواطنون على رافضي الختان “إذا كان خطأ فلماذا لم تمنعه الحكومة أو يجرمه القانون؟!”
في مصر، يساهم “تطبيب الختان” في إطالة عمر الظاهرة، وكشفت وزارة الصحة والسكان أن 82% من حالات ختان الإناث في مصر تتم على يد الفريق الطبي “أطباء وتمريض”، وقد أصبح الأطباء يجرون عمليات ختان الإناث – رغم التجريم- في المستشفيات بعدما كانت تُجرَى في البيت.
وعن تلك الظاهرة تعلق “فؤاد” قائلة إن القانون الحالي يعد أفضل من ذلك الذي صدر في عام 2008، لأنه يجرم الشروع في ختان الأنثى، مؤكدةً أن الرقابة بشكل أكثر إحترافية على المستشفيات والعيادات الخاصة من قبل وزارة الصحة، يجعل تطبيق القانون أكثر فاعلية.
وأكدت منسقة البرنامج القومي لمناهضة ختان الإناث، أن الهدف هو الوعي بأن الختان له أضرار كثيرة على صحة الفتيات الجنسية والنفسية، معتبرة أن العقوبة – طبقًا- للتعديل الجديد ستكون مصدر قلق للأطباء على مستقبلهم المهني.
“بالتأكيد لا أريد أن يعاقب أي طبيب من الأطباء وخاصة صغار السن منهم، بالسجن خمس سنوات بموجب مواد القانون ولكن هذه العقوبة تمثل وسيلة ردع لأي طبيب.” تقول الدكتورة “فيفيان فؤاد”.
الضعف الجنسي وهم سببه ختان الإناث
ومن الناحية الطبية، يرد الدكتور “عمرو حسن” استشاري النساء والتوليد، ومنسق حملة “أنتِ الأهم”، على تصريحات “عجينة”، ويكشف أن توهم القذف المبكر في أغلب الحالات التي يعتقد الأزواج أنهم يعانون منه، ما هي إلا حالات بطء أو ضعف استجابة بسبب ختان الإناث وليست مرضية تحتاج إلى علاج.
ويضيف “حسن” في تصريحاته لــ”ولها وجوه أخرى”، “تعاني بعض الزوجات من برودة جنسية، وبتكرار الاَلم أثناء الجماع تكره المرأة العملية الجنسية، وبالتالي تصبح سلبية مع الزوج أثناء هذه العملية، وتعتبرها واجبًا كريهًا لابد منه، ومع تزايد صعوبة وآلم العملية الجنسية يظهر الرفض النفسي داخلها، الذي يؤدي بدوره إلى صعوبة أكثر وآلام أشد أثناء الاتصال الجنسي، فضلًا عن تشنج العضلات عند ضعف أو سلبية التجاوب أثناء الاتصال الجنسي بين الزوجين، فتتحول العلاقة الجنسية بالنسبة للزوج عملية قذف للسائل المنوي فقط، وهذا يؤدي إلى نقص الاهتمام بهذه العملية، وهو ما يؤدي إلى ضعف الانتصاب وسرعة القذف.”
ويتابع “حسن” “نظرًا لأن بعض السيدات اللاتي أجري لهن تشويه في الأعضاء التناسلية، يحتجن وقتًا أطول للوصول إلى الارتواء، فإن بعض الأزواج يلجأون إلى استعمال المخدرات وتحديدًا الحشيش والترامادول والمنشطات الجنسية، اعتقادًا منهم أن هذا يطيل العملية الجنسية.”
وتابع منسق مبادرة “أنتِ الأهم”، لافتًا إلى أن هناك ربط زائف بين الختان والعفة، وهو السبب في استمرار هذه العادة حتى الآن.
وأردف قائلًا “هناك اعتقاد راسخ أن الختان يمنع الهياج الجنسي قبل الزواج، ويتردد على الأسنة القول “تبقى أعقل وتبرد” وكما قلنا فإن العفة مرتبطة بالعقل، والتفكير في فرض العفة بحد السكين يعتبر عنفًا ضد المرأة لا يفكر أحد في ممارسة مثله بحق الرجلن، على الرغم من أن العفة مطلوبة للجنسين.”
في سياق متصل، كانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قد طالبت بإعفاء الأهل وشركاء الجريمة من العقوبة في حالات الإبلاغ، وذلك في مقترحات تحت عنوان “نحو تطبيق أكثر فاعلية لمادة تجريم الختان”، وأوضحت الورقة التي قدمتها المبادرة إلى مجلس النواب الشهر الماضي أثناء المناقشات، أنه على الرغم من مرور 8 سنوات على صدور قانون تجريم الختان لم تصل إلى المحاكم سوى قضية واحدة، بسبب خوف الأهالي من الإبلاغ في حالة حدوث مضاعفات للفتاة أو حتى وفاتها لأن القانون يعتبرهم شركاء في الجريمة.”
تغليظ العقوبة.. سيجعل ممارسة ختان الإناث أكثر “سرية”
أزمة تطبيق القانون، تتحدث عنها “وفاء عشري” الناشطة الحقوقية وإحدى مؤسسات مبادرة جنوبية حرة بأسوان، وتقول “هناك إشكالية كبيرة في تطبيق القانون لأن عموم الأسر لديهم قناعة أن الختان هو الحل الأمثل لزواج الابنة.”
وتابعت في حديثها لــ”ولها وجوه أخرى”، لافتةً إلى أن تغليظ العقوبة على الأهالي يجعل الأمر أكثر سرية ويدفعهم أن يكونوا أكثر كتمانًا.
“الحل هو التوعية قبل تغليظ العقوبة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المجلس القومي لحقوق المرأة لا يقوم بدوره – فيما يخص التوعية في أماكن عديدة – وعلى سبيل المثال هناك أماكن في أسوان المبادرات النسوية لا تستطيع الوصول إليها، بينما القومي للمرأة يستطيع، لكنه لا يقوم بدوره على النحو المرجو منه.” تقــول “عشري”.
وأخيرًا تؤكد “وفاء عشري” تأييدها لتغليظ العقوبة على الأطباء والعاملين بالصحة لقبولهم بإجراء الختان سواء في المستشفيات الخاصة أو العيادات أو المنازل مضيفة أن حل الأزمة يكمن في “ردع الأطباء وتوعية الأهالي.”