صفحات مطوية من تاريخ «نساء الأسرة العلوية».. دعم لقضايا المرأة وعلاقات وطيدة برائدات الحركة النسوية
المنتصر هو من يكتب التاريخ، ولأن بيده الأقلام وحده، يكتب ما يشاء ويتجاهل ما لا يحب أن يبقى في الذاكرة، والواقع المصري يدلل على تلك المقولة عبر تاريخه الطويل.
أبرز مثال على ذلك، ما حدث بعد حركة الضباط الأحرار في 1952، التي أضحت ثورة فيما بعد؛ فقد تحولت المرحلة السابقة على 23 يوليو من ذلك العام، إلى أيام سواد بلا أي نقطة بيضاء، وكُتِب التاريخ بانتقائية شديدة، وهو الحال مع كل نظام حكم مصر فيما بعد، فعقب تنحية “محمد نجيب” أول رئيس مصري عن المشهد السياسي، كتب التاريخ لصالح جمال عبد الناصر وضد الأول، وبعد وفاة ناصر، قرر السادات، الانقلاب على ما مضى، وإعادة كتابة تاريخ المرحلة الناصرية بتوجه معادٍ لها، وفعل ذلك أيضًا محمد حسني مبارك الذي نسب انتصار أكتوبر لنفسه وحده، وتلاعب بالحوادث لصالحه.
وتبقى فترة حكم الأسرة العلوية الأكثر تعرضًا للتشويه، ولأن النساء يدفعن الثمن مضاعفًا في أي شأن وكل شيء، فنساء الأسرة الحاكمة كن الأكثر تعرضًا للقذف والخوض في حياتهن الشخصية وعلاقتهن الخاصة، فيما مُحيت تمامًا مجهوداتهن وإنجازاتهن في العمل الاجتماعي، وخاصة ما يتعلق بتعليم وتثقيف النساء.
اهتم عدد من نساء الأسرة العلوية بقضايا المرأة، وخاصة قضية التعليم، الذي كان حلمًا اَنذاك يصعب أن يتحقق لعامة الفتيات، وتعد الأميرة شويكار (الزوجة الأولى للملك فؤاد الأول) اسمًا بارزًا بينهن في هذا الصدد، فقد فتحت أبواب قصرها أمام العديد من الشخصيات الأدبية والسياسية،للاجتماع في “صالون الأحد” الذي اعتادت عقده، وكثيرًا ما اشتمل على نقاشات تتعلق بترقية المرأة.
إلى جانب ذلك، جمع بين الأميرة والرائدة النسوية “درية شفيق” علاقة وطيدة، دفعت الأولى إلى تأسيس جمعية ذات توجه نسوي، باسم “المرأة الجديدة”، وأصدرت عنه مجلة تحمل الاسم نفسه باللغة الفرنسية “La Femme Nouvelle”، وأوكلت رئاسة تحريرها إلى “شفيق” بالإضافة إلى تعيينها عضوًا شرفيًا بالجمعية.
وقد لعبت “جمعية المرأة الجديدة” دورًا مهمًا في مجالات الصحة والتعليم والفقر، التي تؤثر مباشرة على وضع المرأة، وكان دورها عظيمًا إلى درجة توازي دور الحكومة وقتذاك.
بعد وفاة الأميرة “شويكار”، تولت “درية شفيق” مسؤولية إصدار مجلة “المرأة الجديدة” كاملة سواء على الصعيد المادي أو التحريري، بينما وجهت الملكة “نازلي” (الزوجة الثانية للملك فؤاد الأول ووالدة الملك فاروق الأول)، اهتمامًا كبيرًا من جانبها لنشاطات الجمعية، ومن بعدها تولت الأميرة “فايزة” (شقيقة الملك فاروق والابنة الثانية للملك فؤاد الأول) رعاية الجمعية، مستهدفة خدمة النساء الفقيرات والحاضنات.
كما حرصت الأميرة فايزة عبر نشاطها الاجتماعي على نشر ثقافة “تعليم الفتيات” وتأهيلهن للعمل بالتمريض والتربية.
أيضًا شاركت الأميرة فوزية (الشقيقة الصغرى للملك فاروق) في الإشراف والمتابعة للفعاليات والأعمال الخيرية التي تقوم بها جمعية “المرأة الجديدة”، وحتى بعد سفرها إلى إيران مع زوجها الأمير “محمد رضا بهلوي”، بذلت جهودًا كبيرةً للنهوض بالحركة النسوية، وعلى رأسها؛ رعاية النادي النسوي الإيراني الذي تأسس في عام 1935، وقدمت كثيرًا من الدعم للنساء الإيرانيات، بالإضافة إلى إعلانها مرارًا تمسكها بحقوق النساء في العمل والمشاركة السياسية.
تأتي الملكة “نازلي” في مقدمة نساء الأسرة العلوية، الداعمات لحركة “تحرير المرأة”، التي قادتها “هدى شعراوي” في أعقاب ثورة 1919، وشجعت “الاتحاد النسائي المصري”، وحرصت على حضور حفلاته الخيرية، فضلًا عن الإعانات المادية المستمرة التي قدمتها لهذا الكيان، إيمانًا بدوره في تمكين النسوة من إدراك حقوقهن والدفاع عنها.
وتجدر الإشارة إلى خصومة نشبت بينها وبين الأديب “توفيق الحكيم” المعروف بعدواته للمرأة، ويعود الخلاف إلى كتابته مقالًا، هاجم فيه خريجات المدارس الأجنبية ومنها مدرسة “دام دي سيمون” التي كانت تراعاها، وتعمد من خلالها إلى تنشئة جيل راقٍ من الفتيات، إذ اتهمهن بأنهن “عرائس جوفاء”، عندها طالبت بطرده من وظيفته الحكومية لاعتدائه اللفظي على الفتيات وبخسه مجهوداتها.