نساء صنعن التاريخ وطواهن النسيان.. من تكون «كنداكة»؟
لعلها أول مرة تعلمين وتعلم بوجود لقب “كنداكة” أو “قنداقة”، ولعل ذلك نتيجة ضعف انتشار الثقافة النوبية، فهو اللقب الذي صاحب أعظم ملكات كوش – أفريقيا القديمة، المعروفة أيضًا بالحضارة “النوبية”.
“كنداكة” هو لقب أطلق على عدد من الملكات النوبيات اللاتي أمسكن بزمام السلطة فعليًا، وعددهن 11 ملكة من أصل 49 (عدد تقريبي)، وأشهر من حملن هذا اللقب؛ أماني ريناس، وشاناداخت، وأماني تيري، و أماني شاخيتي، ولاهي ديمني، وظهر لأول مرة مع الملكة اليكاباسكن في بداية القرن الثالث قبل الميلاد، إلا أنها لم تكن منفردة بالحكم، لكن أكثر ملكة اشتهرت بهذا اللقب هي “أماني ريناس” التي حكمت في الفترة المروية من مملكة كوش الثانية في نهاية القرن الأول قبل الميلاد، ويذكر لها بأسها في حربها مع الرومان في جنوب مصر.
كان لـلكنداكات دور قوي في نظام السلطة في المملكة الكوشية، كن يقدن الجيوش ويجهزن أبناءهن للحكم، وكان يحق لهن عزل الملوك أو أمرهم بالإقدام على الانتحار إذا ما أثبتوا فشلًا، وتشير بعض الدراسات التاريخية إلى أن أول اتصال عُرف بين الحبشة والمسيحية، قامت به إحداهن عندما أرادت تسهيل وصول القساوسة إلى الحبشة.
“كنداكات”
كان لمظهرهن طابع خاص، صاخب بالمجوهرات والخواتم ذات الشكل الدرعي، والعقود، والأساور وخاصة المجوهرات المحببة بإتقان ومطعّمة باللازورد الأزرق. اهتمت “الكنداكات” بالكنوز والمنحوتات النحاسية وغيرها من التحف المزخرفة التي كانت تعد رمزيات دينية، وحتى الاَن هذه المجوهرات مدعاة دراسة من قبل المهتمين بالاَثار حول العالم.
يذكر أن لقب “كنداكة” نال رونقًا خاصًا بفضل 3 ملكات نوبيات على وجه التحديد، لما لهن من تاريخ معمور بالإنجازات، وهن:
كنداكة أمانى ريناس (40 -10 ق.م)
ولدت الكنداكة “أمانى ريناس” أو “أمانى رينا” فى العام 40 قبل الميلاد وكانت زوجة الملك المروي تريتكاس وبعد أن وفاته المنية خلفته هى على العرش، واكتسب لقب الكنداكة فى عصرها معنى جديد لانها كانت من الملكات العظيمات في مملكة نبتة السودانية. فقد كان ذلك اللقب قبلها مجرد اسم يطلق حسب العادة فى مملكة مروى، حيث يعني الزوجة الملكية الأولى ولكن فى عهدها اصبح أقرب الى وصف الملكة العظيمة.
اشتهرت بقوة الشكيمة، واخضعت الكنداكة أمانى السودان لمملكتها فى عام 24 ق.م، عندما تصدت لأعظم الممالك اَنذاك وهي الرومان، مما أغضب ملوك الرومان، فأعلنوا الحرب عليها، وأرسلوا جيوشا لمملكة نبتة، لكنها انتصرت عليهم وأجبرتهم بعد ذلك على عقد مصالحة.
كنداكة أماني شاخيتي (10 ق.م – 1 م)
بعد وفاة الكنداكة “أمانى ريناس” اعتلت العرش “أمانى شاخيتي”، ويختلف المؤرخون حول صلة قرابتهم ببعض، فإما أن الثانية هي ابنة الأولى أو أختها، ويذهب بعضهم الى أنها الزوجة الثانية للملك “تريكتاس”.
شيدت “شاخيتى” قصرًا ومعابد التي توجد إطلالها في ودبانقا (مدينة سودانية)، واكتشف مدفنها الطبيب الايطالي جيوسيبي فرليني عام 1834، الذي يعد من أكبر الأهرامات التي بنيت عمومًا في منطقة البجراوية وله 64 عتبة ويبلغ ارتفاعه 28 مترًا، والمدهش أنه قد وجد أثناء تفكيكه للهرم على علبة مجوهرات فريدة ونفيسة تعود للملكة نفسها في داخل تجويف الجدار الشرقي، وعندما عرضها على المتاحف الأوروبية، لم يصدق علماء الاَثار أن هذه المجوهرات اَثرية أو أنها من أفريقيا، وبعد دراسة النقوش والفحص الدقيق باتت تلك المتاحف تتنافس لاقتنائها، وهي الاَن معروضة بمتحف برلين المصري في ميونخ.
أماني تيري – أماني تور (1- 50 م)
عُرِفت باسم الملكة المحاربة ويقرأ اسمها في الهيروغليفية ميدكير، شاركت في الحكم مع الملك نتكاماني بعد كنداكة “أمني شاخيتي”، قصرها الملكي مازال موجودًا في جبل البركل شمال العاصمة السودانية، وأعلنته يونسكو – UNESCO أحد مواقع التراث العالمي في 2003.
امتد نطاق حكمها ما بين النيل الأزرق وحتى نهر عطبرة (اَخر روافد النيل في شمال شرق السودان)، وتعتقد بعض المصادر أنها ذُكرت في الإنجيل في قصة الحوار مع الأثيوبي في سفر أعمال الرسل الإصحاح 8:26 “ثم إن ملاك الرب كلم فيلبس قائلًا قم واذهب نحو الجنوب على الطريق المنحدرة من أورشليم إلى غزة التي هي برية.. فقام وذهب وإذا رجل حبشي خصي وزير لكنداكة ملكة الحبشة كان على جميع خزائنها فهذا كان قد جاء إلى اورشليم ليسجد.. وكان راجعًا وجالسًا على مركبته وهو يقرأ النبي أشعياء.“