شيماء طنطاوي تكتب: تحت مظلة الامتيازات الذكورية.. «المساواة» ظلم
شيماء طنطاوي – منسقة برنامج المبادرات النسوية بمؤسسة نظرة للدراسات النسوية،خريجة المدرسة السنوية فى دورتها عام 2013، شاركت فى عدد من العروض لمشروع بصي أبرزها “عاش يا وحش”، وأخيرًا شاركت في إعداد دليل المبادرات النسائية/النسوية الصادر عن مؤسسة نظرة.
ذات مرة، قال لي رجل كان يومًا ما صديقًا، أنه ينتقد بشدة أوضاع الرجال في المجتمع المصري، وأنه يرى أنهم في طريقهم للتحول إلى نساء!، فهم يتخلون عن التزامتهم الواجبة عليهم، ويتحولون إلى شخصيات هشة ضعيفة غير قادرة على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات، وفي المقابل تتحول الفتيات إلى العكس، وكم سيكون هذا ضار جدًا بالمجتمع وتكوينه، وروى لي إحدى القصص الخاصة بفتاة عشرينية كانت قصت عليه ما تتعرض له مع حبيبها من مواقف صعبة في علاقتهما.
هذا الحبيب الشاب المثقف المنتمي للطبقة العليا “يساري التوجه”، المكتئب دائمًا ويريد من “فتاته” أن تقف بجواره طوال الوقت، حتى في أشد أزماتها المادية والنفسية – أقصد هنا بالمادية الأزمات غير المعنوية – لابد أن تكون بجواره، وفي المقابل يقف هو موقف المحايد من أزماتها، فهو يترك لها المجال لتحافظ على كونها فتاة مستقلة وقوية، وهي لا تراه ظالمًا لها، لا تستطيع أن تتركه أو تكرهه، لكنها في الوقت نفسه لاتستطيع أن تحبه أكثر أو أن تثق فيه مجددًا.
حينها تناقشت معه بحدة، لأنني رأيت أنه يريد أن يرسم صورة نمطية للطريقة التي يجب أن يكون عليها الرجل المصري، فما المانع أن نتحدث عن الطريقة التي يجب أن يكون عليها الإنسان المصري “رجل وامرأة”، لماذا لا نتحدث عن المساواة بين الرجل والمرأة؟، وما الذي سيجعل المجتمع ينهار إذا اختفت بعض هذه الصفات من الرجال وظهرت في الوقت نفسه لدى النساء؟
أما الاَن، بعد مروري بعدة تجارب علمتني الكثير عن منطق الرجال المصريين في التفكير والتصرف، فقد كونت وجهة نظر ربما تكون صحيحة وقد تكون خاطئة، وربما تتغير مع مرور الزمن والتجارب، أرى الاَن بكل حدة ووضوح موقف هذه الفتاة من “فتاها” وأفهمه جيدًا بعدما تعرضت لمواقف شبيهة في حياتي، أستطيع الاَن أن أُسمي ماحدث معها، وماحدث معي وما يحدث مع العديد من قارءات هذا المقال هو ما يُسمى في قاموس الحياة بـــــ “الخذلان”، فالموقف المحايد الذي يتخذه الرجل المصري في معظم المواقف الصعبة التي يمر بها مع الأخت – الأم – الصديقة – الحبيبة – الزوجة -الابنة، وحتى الفتاة التي تتعرض للتحرش أمامه في الشارع ولا يتدخل، هذا هو “الخذلان” الذي يترك في نفس النساء المصريات غصة، لا يمكن أن تختفي ذات يوم، هذه الغصة التي تجعلنا كنساء دائمًا لا نشعر بالثقة أو الأمان، دائمًا نخاف من المستقبل ونُنمي مهاراتنا لمواجهة قسوة الحياة واختبارتها واختيارتها، هذا “الخذلان” الذي أراهن على أن أغلب النساء المصريات على اختلافهن تعرضن لصورة منه.
ما أراه الاَن مختلف، أستطيع أن أحلل جيدًا كلام “من كان صديقي الذي خذلني هو أيضًا” عن انهيار المجتمع، أرى المسمى الحقيقي لما قاله وهو”تمتع الرجال بالامتيازات الذكورية مع عدم دفعهم لضريبتها، وابتزاز النساء بمسميات المساواة بين الرجل والمرأة، لأن الواقع يفرض علينا حقيقة أن هناك صفات موجودة بالفعل يتميز بها الرجل المصري، والمطلوب هو تكسير تلك الصفات النمطية التي تضر بالرجل والمرأة سواء، ولكن يجب علينا أن نراعي بكل حرص ونحن نكسر هذه الصور النمطية للرجال أن نرى جيداً عدد الامتيازات التي يمنحها المجتمع المصري “رجالًا ونساءً” للرجل، التي لن تختفي بين ليلة وضحاها، وفي ظلها تكون المساواة المزعومة ظلم للمرأة، هذه الامتيازات وهذا الواقع يٌحتم علينا الاحتفاظ ببعض الصور النمطية التي تُلزم الرجال ببعض التصرفات التي قد تبدو أو قد تكون بالفعل أبوية ولكنها ضريبة تمتعهم بالامتيازات الذكورية التي لا يتخلون عنها.
عزيزي الرجل المصري، أنت تحصل على العديد من الامتيازات الذكورية وذلك بحكم أنك تعيش على هذه الأرض الظالم أهلها، ومن هذه الامتيازات “بتخرج براحتك، غالبًا ليك أوضة في البيت بتبرطع فيها لوحدك، تقدر تسافر وقت ما انت عايز، تتكلم في التليفون مع أي حد في أي وقت زي ماتحب، تعرف بنات علشان تثبت رجولتك وفحولتك قدام أهلك عادي ومايتقالش عليك أي لفظ غير لائق بالعكس، تقدر تدرس الدراسة اللي أنت عايزها، تسافر تشتغل وتقعد لوحدك في شقة وماحدش هيقول عليك أنك ماشي على حل شعرك، تتجوز بدري براحتك، تتجوز متأخر مفيش مانع، تمشي في الشارع بأي لبس براحتك، في أي وقت براحتك ومن غير خوف، تركب أي وسيلة مواصلات في اي وقت، مش مضطر تلبس حجاب أو تقلعه.. وحاجات تانية كتير” ، هذه الامتيازات الذكورية التي تُمنح إياها بموجب أنك ذكر مصري سواء كانت في المجال الخاص أو العام- تُجرَم على النساء – وليس فقط تجرم عليهن، لكن إذا أرادت إحداهن محاولة المطالبة بحق من حقوقها “تقوم عليها الحرب وماتقعدش” إلا بانتهاء جزء من روحها.
لذلك عزيزي الرجل المصري، إما أن تلتزم بواجباتك المفروضة عليك من قِبل المجتمع الذي قبلت أن يمنحك كل هذه الامتيازات التي لا تقبل أن تتخلى عنها، أو أن تُدرك حجم هذه الامتيازات وتساعد في خلق بيئة عادلة للنساء والرجال معًا.
عزيزي الرجل المصري كفى خذلانًا.