هل مازالت «دراما رمضان» بيئة حاضنة لـــــ«تنميط النساء»؟
“مسلسلات رمضان” المصطلح الأكثر ترديدًا على الألسنة خلال هذا الشهر، تتكدس الدراما المصرية بمسلسلاتها خلال رمضان ليصبح الشهر “سباق درامي” يتنافس فيه نجوم الصف الأول من السينما والتلفزيون، وللمخرجين والمنتجين والمؤلفين نصيب من المنافسة التي لم تترك شيئًا أو تفصيلة إلا وأدرجتها على قائمة المتسابقين، حتى تصميم الديكورات والملابس، التي في أغلب الأحيان تتفوق على المضمون نفسه.
انتصار السعيد: تغير بطيء وبسيط في الدراما .. ليس على مستوى المضمون فقط وإنما في تمكين النساء خلف الكاميرا
أحمد حسونة: الأنماط التقليدية التي تقدم المرأة كسلعة أمر محبب في اللا وعي الجمعي للمجتمع
رامي عبد الرازق: الجيل الحالي من الكتاب لديه قليل من الوعي الاجتماعي والسياسي
يُعرَض خلال الشهر الجاري، ما يزيد عن ثلاثين مسلسلًا، بعضها لنجوم كبار على رأسهم؛ عادل إمام ويسرا ومحمود عبد العزيز، وأخرى لنجوم من الشباب نجحوا في حجز مقاعد لدى الجمهور المصري والعربي مثل؛ نيللي كريم ومنى زكي ومي عز الدين، ويفرض الطابع التجاري نفسه في ظل ما تروجه وسائل الإعلام عن أجور النجوم والتكلفة الكلية للأعمال، وعلى الرغم من طغيان المادة على أجواء الدراما الرمضانية، يبقى الدور الاجتماعي لهذه المسلسلات هو الأطول عمرًا والأكثر توغلًا في النفوس، فهي محتوى تلفزيوني يلتف حوله فئات المجتمع على اختلافها، تدخل بعمق إلى وجدانهم يعيشون مع أحداثها وتعيش معهم، تشاركهم صيامهم وإفطارهم، جلساتهم وتجمعاتهم، تخلق جدلًا داخلهم، ترضي بعض قناعاتهم وتثير كثيرًا من التساؤلات برؤوسهم، فتتباين ردود الأفعال تجاه هذه المسلسلات بما تحمله من أفكار، بين دعم ورفض، صدق وكذب، وفي النهاية هناك ثمة تأثير ما يترك بصمته داخل العقل.
خلال السنوات الخمس الماضية، عُرِضَت أعمال درامية، اعتبرها البعض طفرة على مستوي المضمون المقدم، والقضايا المطروحة من خلالها، مثل؛ مسلسل “تحت السيطرة” الذي عُرِض خلال رمضان الماضي، وناقش مشكلة الإدمان بشكل رئيس وفي طياته، وحمل رسائل مختلفة بشأن التمييز ضد النساء، ونظرة المجتمع للخطأ حينما تركبه المرأة والتي لا توازي النظرة إن ارتكب الخطأ ذاته الرجل، أيضًا في رمضان قبل الماضي عرض مسلسل “سجن النساء” الذي كان بمثابة وجبة دسمة، عبرت بواقعية شديدة عن واقع النساء المكبلات بقيود المجتمع ومحبوسات خلف أسواره.
في مقابل هذا التيار المنصف، هناك رواج واتساع لرقعة أعمال ترسخ للإساءة بحق النساء وتدعم اختزالها في صور وقوالب محددة تدعهما الثقافة الذكورية، ولعل أبزرها ما قدمه الممثل “مصطفى شعبان” في سلسلة تتخذ من “تسليع النساء” توجهًا، في مسلسلات؛ الزوجة الرابعة، ومزاج الخير، ودكتور أمراض نساء وغيرهم.
“هناك تغيير حتى لو كان بطيئًا وبسيطًا” هكذا تقول “انتصار السعيد” – مدير مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، معلقةً على مستوى الأعمال الدرامية المقدمة.
وتضيف “خلال الخمس سنوات الماضية، شهد المجتمع تحولات وتغييرات سياسية في المجتمع المصري (25 يناير و30 يونيو)، انعكست على ما يقدم من أعمال تليفزيونية، فأنتج عدد من المسلسلات تراعي المضمون وتبعد قدر الإمكان عن التسطيح في مناقشة القضايا خصوصًا المتعلقة بالمرأة.
وتتابع “السعيد” في حديثها لــ”ولها وجوه أخرى” قائلة، “هناك تغير بطيء يحدث في المجتمع المصري، لكنه ملموس، وقد يساهم في تخفيض وتقليل نسبة المسلسلات التي تساهم في ترسيخ الصور النمطية لدى الجمهور.”
وتشير “السعيد” إلى أن القائمين على الأعمال التليفزيونية ينطلقون من زاوية تجارية بحتة تتلخص في جملة “الجمهور عاوز كده” وهي زاوية خاطئة، وربما النجاح الكبير وحالة الجدل التي أحدثتها المسلسلات الأخرى والمختلفة عن هذا التوجه، خير دليل على ذلك، ليس في مصر فقط، وإنما في العالم العربي كله.
وتردف قائلة “التغير لم يلحق بالمضمون فقط فيما يتعلق بتمكين المرأة ودعم قضاياها، فهناك دعم كبير للنساء العاملات خلف الكاميرات، إذ نجد عددًا من المسلسلات التي أخرجتها وكتبت نصوصها نساء وحققت نجاحًا كبيرًا (مسلسل سجن النساء نموذجًا).
وعن الدور الاجتماعي للأعمال الفنية، يقول المخرج والناقد “أحمد حسونة”، إن الهدف ذا الأولوية للمسلسلات هو البحث عن جمهور كبير لتحقيق أرباح، موضحًا “مهما كان تطور المسلسلات من الناحية الفنية فهي كما شبهها المخرج خيري بشارة بالجريدة اليومية مقابل تشبيهه للسينما بالكتاب”، معتبرًا إياها ليست بالعمق الكافي ولكن تتميز بإمكانية استخدامها أداةً للتوعية والتغيير المجتمعي ومنه كسر الشكل النمطي للمرأة.” ثم يتساءل “هل المجتمع مستعد للأعمال الجيدة أم لا؟”
ويضيف “حسونة” “الأنماط التقليدية تقدم المرأة كسلعة وهو أمر محبب للنساء والرجال في اللا وعي الجمعي للمجتمع .”
ومن جانبه يقول “رامي عبد الرازق” الناقد الفني، إن القضايا الاجتماعية بعيدة عن أذهان فريق العمل من كتاب ومخرجين، لأن المهتمين منهم بمشكلات المجتمع والتحولات التي تدور فيه عددهم محدود.”
ويستطرد “عبد الرازق” قائلًا “الجيل الحالي من الكتاب لديه قليل من الوعي الاجتماعي والسياسي، مقارنة بالجيل السابق وبالتالي فما هو معروض حاليًا يعكس ضعف عامة الكتاب فيما يخص الجوانب الاجتماعية والثقافية، فهم لا يملكون قدرة على استخلاص مشكلات وقضايا المجتمع.”