بعد أن دفع جسد المرأة ثمن أوهام «الشرف ورفعة الدين» .. غضب شديد يعم المؤسسات الحقوقية والنسوية
القومي للمرأة: الحادثة فردية وليست طائفية .. زيارة مؤجلة لسيدة الكرم
قضايا المرأة المصرية: حملة ” مصر اتعرت” تظلم سيدة المنيا وليست في صالحها .. والحادثة طائفية ذكورية واستهدفوا السيدة على أساس هويتها الدينية
الاتحاد العام لنساء مصر: كرامة النساء والأقباط من كرامة الوطن .. ومصر لا تتعرى
القاهرة للتنمية: نطالب النيابة العامة بسرعة التحرك في التحقيقات مع الجناة
صفحة سوداء جديدة يكتبها التاريخ في كتاب تعج صفحاته بحوادث انتهاك نساء مصر، ينجلي معها حالة السقوط الأخلاقي والديني والاجتماعي والسياسي التي تدفع المرأة ثمنها، وكيف يزج بها في مقدمة المشهد دائمًا، ويقع عليها العنف بلا هوادة، ليسجل 20 مايو أعلى درجات الانحطاط بعد تجريد سيدة مسنة تدعى “سعاد ثابت” من ملابسها وضربها وسحلها بإحدى قرى محافظة المنيا.
إنها واقعة ليست خيالية، بل من رحم معاناة هذا المجتمع وأمراضه، في قلب الصعيد، حيث يصعب عليك أن تتخيل انعدام النخوة والرجولة، لتدفع المسنة الثمن من كرامتها بدعوى إشاعة متكررة وباهتة تندلع على إثرها حوادث العنف الطائفي باستمرار دون محاسبة أو عقاب.
من جانبها، ترفض “دينا حسين” عضوة المجلس القومي للمرأة ومقررة لجنة الشباب توصيف حادثة المنيا بالعنف الطائفي، وتعتبرها حالات فردية وأنها واقعة مدنية، مشيرة إلى أنها تبقى جريمة عنف يعاقب عليها القانون وليست فتنة طائفية.
تثير هذه الحادثة التساؤل بشأن التحول الذي طرأ على هذه النوعية من الحوادث، ليضيف إلى جمة انتهاكاته استغلال أجساد النساء، وعن هذا الأمر تقول “حسين”: “ليس هناك تحول ولكن السلوك الإجرامي لهؤلاء المنحرفين لم يجد من يردعه مسبقًا في تنفيذ القانون، فيما يتعلق بقضايا العنف ضد المرأة، ومن ثم يشعر هؤلاء المعتدين بالارتياح أو عدم الخوف من العقاب.”
وعن دور المجلس القومي للمرأة، توضح “حسين” أنه قد بحث مع قيادات الكنيسة بالمنيا إمكانية زيارة السيدة الناجية من العنف، إلا أن أعضاء المجلس فضلوا تأجيل الزيارة حتى تهدأ وتتعافى، مؤكدةً أن المجلس سيقدم كافة أشكال الدعم النفسي والقانوني لها، وبمجرد أن تبدأ السيدة إتخاذ إجراءاتها القانونية ورفع دعوي قضائية، سيدعم المجلس ذلك من خلال محاميه.
على الجانب الاَخر، تنتقد “ندي نشأت” منسقة الدفاع وكسب التأييد بمركز قضايا المرأة المصرية، إنكار كثيرين أن الحادثة طائفية، مؤكدةً أن العنف والاعتداء الذي تعرضت له سيدة “الكرم” مزدوج لكونها سيدة مسيحية واستهدفوها بسبب هويتها الدينية، وفي الوقت نفسه، تعرضت للاستهداف الذكوري، بهدف استغلال أجساد النساء في تصفية حسابات انتقامية من العائلة المسلمة ضد المسيحية، وتضيف “كأنها تحولت في أيدي المعتدين إلى أداة يستغلونها لإيصال رسالة للطرف الاَخر أنه قادر على إهانته في شرفه وفقًا لمفهوم ذكوري وعادات صعيدية.”
وتضيف “نشأت” في تصريحاتها لــ«ولها وجوه أخرى»، إن المورثات والأفكار تربط بين السيدة والشرف، بل وتحملها شرف العائلة ككل، ومن ثم يتم التعامل معها من هذا المنطلق فقط، حتى أن الحملات التي انطلقت على الفيس بوك بهاشتاج “مصر _ اتعرت ” جاءت ظالمة لحقوق هذه السيدة، لأنها تنبع من تأثر بهذه الأفكار الذكورية تجاه النساء، تلك الافكار التي نفت عن السيدة صراخها وغضبها أن جسدها وحده هو من تعري، ونفت ذلك سريعًا بشعار أكبر بأن مصر اتعرت، وتقول “هنا انتهاك اَخر لحقها في ملكية جسدها، وتأكيد أن جسدها ليس ملكها بل ملك لأول رجل في حياتها هو الأب ثم الأخ ثم الزوج ثم العائلة ثم القبيلة وأخيرًا الدولة، لينتج هاشتاج #مصر_اتعرت.”
وتؤكد منسقة الدفاع وكسب التأييد بمركز قضايا المرأة المصرية، أن هذه الحادثة أن أكثر ما يصدم فيها، هو ذلك الأسلوب الممنهج لاستهداف سيدة مسنة، وضربها وتجريدها من ملابسها وإهانتها في القرية، لافتة إلى أنه على الرغم من أن هذه ليست الواقعة الأولى، لانتهاك أجساد النساء بهذه الوحشية والمنهجية والجماعية، كما حدث مع نساء متظاهرات ميدان التحرير، وتعرض سيدات كبيرات في السن لتحرش جماعي ممنهج، أو ايام حكم المجلس العسكري والحادثة المعروفة باسم واقعة سحل وتعرية “ست البنات”.
وتستطرد “لكن وقت حدوث تلك الحوادث، المجتمع كان يوجد المبررات لها، وشعار حينذاك كان “ايه اللي وداها هناك”، ولكن هذه المرة المختلف أن السيدة تم الاعتداء عليها في منزلها وسحلها خارجه.”
بشأن مسألة سن تشريع للزواج المدني ليغلق الباب أمام كل هذه الفتن التي تنطلق من شرارة واحدة وهي علاقة رجل مسيحي بامرأة مسلمة أو العكس، تكشف “نشأت” أن مركز قضايا المرأة يعمل منذ فترة على هذا التشريع، وله تصور ومشروع خاص به، لكن ستظل الأزمة قائمة حتى بعد سن هذا القانون، طالما لا يوجد أي تغير في الوعي الثقافي والاجتماعي، فمازال الخطاب الديني في المسجد والكنيسة ذا طابع ذكوري، معادٍ للنساء وحرياتهن، ويرفض العنف ضدهن.
في سياق متصل، استنكرت مؤسسة القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، استخدام أجساد النساء في وضع مركزي خلال احداث العنف الطائفي التي تشهدها مصر من حين لاَخر، وقد أعربت في بيانِ لها، عن بالغ الصدمة في كيفية تصارع الهويات الدينية في مصر لإبراز سيطرتها علي أجساد النساء، وكيف تتخذ النساء وسيلة وتتعامل معهن كـ”موضوعات” يمكن أن تتفاوض عليها قد تخسرها أو تربحها، ولكن ليست كمواطنة لها كامل الحقوق، وعليها كافة الواجبات باعتبارها شخص فاعل في المجتمع وليس مجرد مفعول به.
وتشدد “انتصار السعيد” مدير المؤسسة، على أهمية قيام الشرطة بدورها في حماية المواطنات والمواطنين، مشيدةً بموقف وزارة الداخلية المصرية، بعد أن ألقت على ستة أشخاص من الجناة، ولذا تطالب الوزارة بسرعة التحقيق في الواقعة.
وتتطالب “السعيد” النيابة العامة بالتحرك بأقصى سرعة في التحقيقات مع الجناة، وتقديمهم لمحاكمة عاجلة، كما شددت على أهمية دور الأزهر الشريف وعلماء الدين المستنيرين في تجديد الخطاب الديني التقليدي السائد، ورفع الوعي المجتمعي فيما يخص تقبل الآخر المختلف في الديانة.
وتحذر “السعيد” كافة الجهات المسؤولة في الدولة والمجتمع المصري بأكمله من خطورة وقوع المزيد من أحداث العنف الطائفي والذي سيؤدي حتمًا في النهاية إلى اختفاء مبدأ المواطنة وتفتيت الهوية المصرية.”
وقد لفت بيان مؤسسة القاهرة للتنمية إلى نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة “2” : ” لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء.”
بالإضافة إلى نص الدستور المصري الصادر في عام 2014 في مادته رقم “53” على “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوي الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر”.
وفي نفس السياق طالب الاتحاد العام لنساء مصر في بيان لها، بالحزم واتخاذ الإجراءات القانونية المعتمدة على البحث والتحري الدقيق وعدم غلق الملف بجلسات الصلح العرفي التي جرى استخدامها كأسلوب بديل عن القانون وكمحاولة لإخفاء الداء العضال. إلى جانب تأكيده على ضرورة إصدار تشريع جديد بنصوص واضحة تجرم الأحداث المبنية على أساس ديني وحوادث العنف الطائفي.
فيما تعتبر الدكتورة هدى بدران رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام لنساء مصر، هذه الحادثة بشعة وتستلزم وقفة جادة من كافة جهات الدولة وأن تتحمل كل مؤسسة دورها، مؤكدةً أن كرامة النساء والأقباط من كرامة الوطن مصر لا يجوز أن تتعرى، وهو ما يستلزم وفقًا لها، سرعة التقاضي في مثل هذه الوقائع، ليكون عاملًا مساعدًا في الحد من العنف المبني على أسس دينية وكذلك محاسبة أي مسؤول قصر أو تراخى في اتخاذ رد فعل سريع تجاه هذه الظاهرة، حتى يجعل ذلك جهاز الدولة أكثر قوة وأسرع في تعامله مع هذه الحوادث.”
وكان البيان قد شدد على أن النخب الإعلامية والقوى الشعبية والحزبية والفكرية وأجهزة الدولة المعنية لها دور توعوي لابد أن تمارسه بعيدًا عن الغرق في قضايا شكلية، ويتعين عليها التفكير في التصدي للظاهرة بنشاط مكثف، من خلال عقد مؤتمر وطني جامع يناقش الظاهرة ويحدد آليات المواجهة والأدوار المختلفة لقوى المجتمع وأجهزة الدولة.