الصحافيين.. الأطباء.. الأسرة.. المجتمع .. كيف يتعامل هؤلاء مع الناجيات؟
كتبت: اَلاء حسني
يولد الناس ذكورًا وإناثًا، يتعلمون منذ الصبا أن كل جنس لابد أن يُعامل بطريقة مختلفة، ثم يكبرون فيعاملون بعضهما البعض بشكل متباين، وهي الثقافة السائدة، التي جعلت النساء في مكانة أدنى، ورفعت الذكور إلى مرتبة أعلى فقط لاختلاف النوع الاجتماعي، من هذا المنطلق ينتشر العنف ضد المرأة، فيزداد عدد المعنفات بناءً على اختلال موازين القوى، وتزداد معانتهن في ظل غياب الثقافة المجتمعية الداعمة للناجيات من هذا العنف بصوره المختلفة بين جنسي، وعاطفي، وجسدي واجتماعي.
تمارس الأسرة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وأفراد المجتمع المحيط أيضًا، ويبدأ العنف بالإهمال مروًرا بالإهانة، والاعتداء الجسدي، والجنسي انتهاءً بالقتل.
تقع الناجية من العنف تحت وطأة ضغط نفسي وعصبي شديد، لا يشعره سواها، ولا يتحسسه سوى من مر بتجربة مشابهة.
تعاني من فقدان الشعور بالأمان، تعيش صدمة نفسية قد تنتهي بها إلى محاولة الانتحار، تنعدم ثقتها في المحيطين، وتدخل مرحلة من الانعزال، علاوةً على ذلك هناك معاناة جسدية تكتنفها لابد أن تُواجه أيضًا.. تعافي الناجيات من العنف عملية صعبة وحتى تتم بنجاح يجب على المحيطين بهن، التعامل بحذر.
في تقريرنا التالي نحاول الإجابة عن سؤال “كيف يجب أن نتعامل مع الناجيات من العنف؟”، سواء كنا صحافيين أو أطباء أو كأفراد الأسرة وحتى المجتمع ككل.
الصحافيين .. الحفاظ على الخصوصية وعدم نشر البيانات في المقدمة
وصحة القول “ناجيات” ولسن “ضحايا”
الناجيات هن نساء مررن بتجربة قاسية ومؤلمة فلا يجب معاملتهن كحالات أو مجرد قصة صحافية.
قبل إجراء مقابلة مع الناجيات من العنف، يجب أن يلم الصحافي أو الصحافية بأبعاد القضية نفسيًا واجتماعيًا وقانونيًا بالإضافة إلى الطرق المناسبة للتعامل معهن وترك المساحة لهن للحديث كما يروق لهن، وعلى الصحافيين تفهم رفض الناجية إجراء المقابلة من الأساس أو رفض النشر بعد الانتهاء من تسجيل القصة.
ويجب مراعاة حساسية الموقف وحماية خصوصية الناجية وعدم الكشف عن الاسم أو البيانات إلا إذا سمحت بذلك، كما يجب احترام حق الناجيات في الامتناع عن الإجابة عن بعض الاسئلة وعدم الضغط عليهن لمعرفة سبب الرفض، ولا يجوز تسجيل المقابلة أو نشرها قبل الرجوع إليهن والحصول على موافقتهن على النشر أو التسجيل.
كما يتعين على الصحافيين اختيار الألفاظ المستخدمة في الحوار بعناية والبعد عن الكلمات والتعابير ذات التأثير السلبي، على سبيل المثال يفضل استخدام مصطلح “ناجية ” وليس “ضحية”.
الابتعاد عن الأسئلة التي قد تُستخدم لتبرير الاعتداء مثل السؤال عن الملابس أو سبب تواجد الناجية في المكان الذى وقعت فيه الحادثة.
من الأفضل أن تجري المقابلة صحافية وليس صحافي، حتى يتسنى للناجية الشعور بالأمان والقدرة على الخوض في تفاصيل دقيقة دون التحرج أو الخوف، وعلى الصحافية محاولة اكتساب ثقة الناجية، وقد يكون ذلك عن طريق إجراء أحاديث جانبية عن حياة الناجية عمومًا، وينبغي ألا تشير الصحافية إلى أي شهادة سابقة لناجيات أخريات.
يستوجب الوضع النفسي عدم إرهاق الناجيات بالأسئلة حتى لا يشعرن أنهن في تحقيق، ومن الضروري أن يتركوا لهن حرية سرد قصصهن بالطريقة التي تناسبهن بدون مقاطعة، والأفضل تدوين الملاحظات والإنصات جيدًا والانتباه لانفعالاتهن ولغة أجسادهن، ويفضل عدم تصويرهن أو إرفاق صور سوداوية بالموضوع.
الأطباء .. التجهيز والتدريب وتصديق الناجية أمور لابد منها
تحتاج الناجيات من العنف الجنسي إلى رعاية طبية خاصة وذلك للتوابع الصحية التي يخلفها الاعتداء سواء كانت جسدية أو نفسية.
يجب أن يكون المكان الذي يُجرى به الفحص مجهز بشكل لائق، وأن تتوفر به الأدوية التي قد تحتاجها الناجية من الاغتصاب والاعتداءات الجنسية، ويفضل أن تفحص الناجية طبيبة مدربة على التعامل مع الناجيات مع تحويلهن إلى طبيب نفسي لتقديم الدعم و الرعاية النفسية الأزمة.
يجب إعطاء الناجية الأولوية وعدم تأجيل فحصها، كما يجب أن يتم الفحص بعد موافقتها مع شرح كيفية إجراء الفحص مسبقًا والأخذ بعين الإعتبار ضرورة سيطرة الناجية على جسدها وحقها في إنهاء الفحص في أي وقت إذا شعرت بعدم الراحة مع التأكيد على الحفاظ على سرية الفحص وخصوصية الناجية.
إن كان الفحص إلزامي لسبب قانوني فمن الضروري شرح ذلك للناجية بوضوح واحترام مساحتها الخاصة وإظهار التعاطف.
لابد للأطباء أن يدكوا أهمية البعد عن أي عبارات قد توحي بعدم تصديق الناجية وتجنب السؤال عن أي تفاصيل غير ضرورية للفحص.
الأسرة و المجتمع .. لا لوم على ما حدث ولا إقناع بالتنازل أو الصمت
أكثر ما تحتاجه الناجيات من العنف هو الدعم الكامل والمساندة من أسرتها ومحيطها وألا تُلام على الجرم المرتكب بحقها.
من الضروري أن تحاوط الأسرة الناجية بالاهتمام، وتدعم قرارتها بخصوص الاعتداء وتساعدها على أخذ حقها وألا تحاول إقناعها بالتنازل أو السكوت حتى و إن كان المعتدي من داخل الأسرة.
تستلزم الحالة النفسية للناجية مراعاتها بدرجة كبيرة، واستيعاب أنه من الصعب تخطي الاعتداء والمضي قدمًا في الحياة سريعًا، فهن يحتجن الدعم وتأكيد أن ما حدث لم يكن خطأهن أنهن قادرات على تخطي المحنة بدون تقليل من هول مصابهن أو فرض القيود عليهن بدعوى الخوف.
كثيرًا ما تميل الأسر إراديًا أو لا إراديًا إلى استعجال التعافي، وهذا لا يفيد الناجية بل يضرها ويزيد من شعورها بالأسى و الذنب، كما يجب أن لا يبالغ المحيطون بالفتاة في المواساة.
الأسئلة التي قد تعيد الناجية إلى الواقعة مرة أخرى تزيد الطين بلة، بينما الصحيح والأفضل لها هو الاستماع إليها بإهتمام وقتما شعرت بحاجة لسرد ما حدث دون الخوض في تفاصيل لم تذكرها.
ويجب الحفاظ على المساحة الشخصية وتجنب لمس الناجية إلا إذا أعربت عن حاجتها لذلك أو وافقت، فكثير من الناجيات يخشين التلامس الجسدي لأنه قد يذكرهن بالاعتداء، وفي المقابل قد تحتاجه أخريات للتغلب على مشاعر الخوف والقلق، ويبقى الأفضل دائمًا أن نسأل الناجية عن ما تحتاجه وتريده، وفي حال كانت متزوجة، يجب مراعاة احتمال خوفها من العلاقة الجنسية ورفضها لها لفترة من الوقت.