حملة «كاملة» تنطلق مرةً ثالثة بالتزامن مع احتفالات اليوم الوطني.. ومسرح الشارع لغة «خاصة» لمناهضة الختان.

أجبِرَت الدولة بمؤسساتها على تبديل مساراتها فيما يتعلق بقضية مناهضة «ختان الإناث» بعد مقتل الطفلة “بدور” في يونيو 2007، وقد توفيت الطفلة التي لم تتجاوز الـ12 سنةً، خلال إخضاعها لعملية ختان في إحدى العيادات بمركز “مغاغة” بالمنيا.

وفاة “بدور” كانت ستمر مرور الكرام لولا الضغط الذى مارسه الإعلام من ناحية والجهات المعنية بقضايا الأطفال والمرأة من ناحية أخرى؛ لتغير وفاة “بدور” الكثير فى مسار الحرب ضد الختان، على الرغم من أنها لم تكن أول ضحايا هذه الممارسة.

اتخذت الدولة عقب هذه الواقعة، عدة تدابير وخرجت دار الإفتاء المصرية فى العام نفسه بأول فتوى صريحة ورسمية تحرم ختان الإناث، وشرع البرلمان المصرى بعد الواقعة بعام أول نص قانوني يقضي بتجريمه، وأتى ذلك فى المادة 242 مكرر فى قانون العقوبات المصري، وانطلقت حملات لمناهضته، كما أصدرت المحكمة حكمها فى يونيو 2008 بحق الطبيبة “حنان سمعان” التي أعطت الطفلة جرعة مخدر زائدة تحضيرًا لعملية الختان، بسنة مع الشغل وكفالة 1000جنيهٍ.

وقررت وزارة الأسرة والسكان اعتبار يوم وفاة الطفلة بدور – 14 يونيو – يومًا وطنيًا لمناهضة ختان الإناث، لكن هذه الإجراءات لا تعنى أن الدولة استفاقت فقط بعد وفاة “بدور”، فقد شهدت مصر تحركات قبل ذلك الحدث تمتد لأكثر من 85 عامًا، إلا أن أغلبها لم يرق لمستوى الردع الكافى لمرتكبي هذه الممارسة الضارة كما أن أكثر التحركات كانن تصدر من أفراد أو جهات غير حكومية.

مشاهد من التاريخ توثق الحرب ضد «ختان الإناث» فى مصر

عام 1928 – أعلن الجراح وأول عميد مصري لطب قصر العيني “علي باشا إبراهيم”، خلال مؤتمر طبي بالقاهرة، أنه لم يتعلم ختان الإناث، ولا يعلمه لطلابه، مطالبًا بعدم إجرائه، بعد ما راَه من مضاعفات تحدث للفتيات جراء ذلك الفعل تحتاج كثيرًا للتدخل لإنقاذ حياتهن.
عام 1958 – نشرت مجلة “حواء” التى كانت تترأس تحريرها “أمينة السعيد” عددًا من المقالات ترصد أضرار الختان على الفتاة جسديًا ونفسيًا، واستقبلت رسائل القراء وردت عيها بالتأكيد على أهمية التخلى عن تلك الممارسة مع دعم الإجابات بكافة المعلومات التى تؤكد خطورة الممارسة، واُعُتِبرَت هذه الحملة التى قادتها “السعيد” الأكثر جرأة فى هذه الفترة التى كان ختان الإناث فيها روتينًا ومحطة لابد لكل فتاة أن تمر عليها.
فى فترة الستينات – كانت الأبرز فى محاربة “ختان الإناث” الطبيبة والأديبة ” نوال السعداوى” التى قادت حملة مع عدد – ضئيل جدًا- من الأطباء ضده، وتم مصادرة كتابها “المرأة والجنس” والذى تعرضت خلاله لمسألة الختان ومضارها على المرأة.
فى عام 1979 – قادت جمعية تنظيم الأسرة فى القاهرة برئاسة الراحلة “عزيزة حسين” حملة ضد ختان الإناث من خلال حلقات دراسية بعنوان « الانتهاك البدنى لصغار الإناث »، وكان لهذه الحملة شأن بالغ فى مسألة انضمام مصر لاتفاقية 1990 وهى الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل التى أدانت ممارسة ختان الإناث باعتبارها شكل من أشكال التعذيب والانتهاك الجنسي للطفل.
في عام  1992- شكلت أول لجنة قومية للقضاء على عادة ختان الإناث، وهي اللجنة التى انبثقت عنها الجمعية المصرية للوقاية من الممارسات الضارة بصحة المرأة والطفل.
عام 1996 – أصدرت وزارة الصحة مرسومًا يحظر ممارسة ختان الإناث استنادًا للقانون الجنائي الذي يمنع المساس بالجسد بالبشرى إلا بضوابط طبية.

عام 2007 – أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بتحريم ختان الإناث ودعمها شيخ الأزهر اَنذاك الشيخ محمد سيد طنطاوي، وأصدرت وزارة الصحة المصرية مرسومًا وزاريًا (271)، ليسد الثغرة القانونية الموجودة بالمرسوم السابق الصادر عام 1996 .

عام 2008 – وافق مجلس الشعب المصري على تجريم ختان الإناث بإقرار نص فى قانون العقوبات المصري –مادة 242 مكرر

ركود فى المعدلات ومصر لم تتنازل عن “الأسوأ” عالميًا

أحدث الأرقام الصادرة عن «يونسيف» – هيئة الأمم المتحدة للطفولة – تكشف ركودًا واضحًا فى معدلات ختان الإناث فى مصر حيث تضم مصر 27.2 مليون سيدة وفتاة خضعن لعمليات ختان، لتعتلى مصر بهذا الرقم القائمة السوداء، إذ لم تصل أى دولة أخرى لهذا الرقم الضخم الذى اعتبرته «يونسيف» أكبر تجمع لنساء ارتكب بحقهن هذه الجريمة.

أطباء يتحدون “القانون” على الرغم من عدم اشتمال مقررات الطب على شرح لعملية باسم “ختان الإناث”

بحكم القانون الطبيب الذى يجرى هذه العملية « مجرم » ومع ذلك تؤكد الإحصائيات أن أكثر من ثلثى عمليات ختان الإناث فى مصر تجرى على يد الأطباء بواقع (72% ) بينما تجريها القابلات بنسبة لا تزيد عن 21 % والممرضات بنسبة 6%.

هذا إلى جانب أن مقررات كلية الطب كافة لا تقدم أى معلومة بشأن كيفية إجراء العملية، أى أن الطبيب يطبق شيئًا دون مرجع علمى أو دراسي.

حملة “كاملة”.. «بناتنا كاملين.. عاوزينهم ليه ناقصين»

أطلق “ائتلاف الجمعيات الأهلية لمناهضة ختان الإناث” حملة بعنوان “كاملة” بالتعاون مع وزارة الصحة والعديد من الهيئات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، وقد بدأت أولى فعالياتها فى مطلع يونيو 2013 واستمرت حتى العشرينات من الشهر نفسه، بالتزامن مع احتفالات اليوم الوطنى لمناهضة ختان الإناث، ومازالت الحملة المستمرة حتى الاَن ومن المزمع أن تستمر لسنوات مقبلة بهدف الحد من تفشي ذلك الوباء.

من جانبه يقول “محمود سمير” المدير التنفيذى للبرامج بائتلاف الجمعيات الأهلية لمناهضة ختان الإناث “تستهدف « كاملة » ما يقارب الــ 14 محافظة فى القاهرة الكبرى ووجه بحرى والصعيد، وتتحرك الحملة ذات الطابع الموسمي، خلال شهر يونيو من كل عام، بدءًا من اليوم الأول فيه حتى اليوم الوطنى لمناهضة ختان الإناث الموافق 14 من يونيو، وقد تتعدى فترة الحملة إلى ما بعد ذلك بأيام.”

ويضيف ” سمير” :انطلقت الحملة تحت شعار “بناتنا كاملين ..عاوزينهم ليه ناقصين” بهدف محاربة عادة “ختان الإناث” من كافة الجوانب صحيًا ودينيًا وتشريعيًا، وبدأنا بالتواصل مع الجمعيات الأهلية والجهات الحكومية المعنية بهذا الشأن فى المحافظات التى قررنا العمل فيها، لنتعرف على أبرز المشاكل التى تواجههم، وقدمنا عرضًا مسرحيًا باسم الطفلة “بدور” شهيدة الختان فى تلك المحافظات.

ويتابع: ” فى يونيو 2014، أقمنا لقاءات جماهيرية بمشاركة شيوخ وقساوسة وأطباء وقانونيين، وتحركت قوافل طبية تقدم الخدمات الصحية والتوعوية، أما هذا العام فتحنا الباب للجمعيات المشاركة فى الحملة، أن تطرح أفكارها بشأن الفعاليات التى نتطلع لإقامتها فى الـمحافظات التى نعمل فيها، ومنهم جمعية فى محافظة أسيوط قررت إقامة ” مسرح عرائس” ليجذب الأهل أن يصطحبوا أطفالهم للحضور، على أن يتبعه لقاء جماهيري عن مضار الختان بحضور شيخ وقسيس وطبيب”

“نركز بشكل أساسي خلال الفعاليات على تقديم عروض مسرحية ترصد صور العنف المختلفة التى تتعرض لها الفتاة، وجميعها عروض شارع” يقول “محمود سمير”

فى السياق ذاته، يوضح “سمير” أن الصعيد على وجه التحديد له خصوصية خاصة لكونه مجتمع منغلق على نفسه وشديد التمسك بالتقاليد المتوراثة وأبرزها “ختان الإناث”، مشيرًا أن هناك من يعيشون فى الصعيد ويعلمون جيدًا أنه ليس أمرًا دينيًا ولا أساس طبي له ومع ذلك يتمسكون بإجرائه بسبب ضغوط المجتمع المحيط بهم والخوف من الخروج عن التقاليد.

ويكشف المدير التنفيذى للبرامج بائتلاف الجمعيات الأهلية لمناهضة “ختان الإناث”، أن العادات والتقاليد التى تأصلت فى الثقافة الشعبية خاصة فى الصعيد تحولت بمرور الزمن إلى أشياء ذات مرجع ديني حتى إن كانت العكس تمامًا، مشيرًا إلى أن “حرمان النساء من الميراث”على الرغم من كونه تعد صارخ على حق شرعي للنساء إلا أن مرتكبيه يلصقونه بالدين بأي طريقة وبأي حجة مهما كانت واهية، وهو ما حدث بدرجة كبيرة مع الختان.

من ناحية أخرى، يوضح “محمود سمير” أن مسألة التعليم ليست دليلًا على الانصراف عن تلك الممارسة، لأن هناك أسر متعلمة تخضع فتياتها له، مؤكدًا أن “العادة” هى الحاكم فى هذه الحالات، بالأخص مع الأسر التى وفدت من الصعيد والريف إلى القاهرة.

وعن حالة الركود فى معدلات “ختان الإناث”، يقول “هناك ركود نسبي بالفعل، وفضلًا عن كونها عادة مستوطنة، يأتى تبني قطاع من الأطباء لإجراء عمليات من هذا النوع ليزيد الأمر صعوبة، خاصة أن غالبية الأسر الاَن تلجأ إلى الأطباء لإجراء عمليات الختان ليظهر مصطلح “الختان الطبي”على الرغم من أن ختان الإناث غير موجود بالطب” مشيرًا أن إدانة الطبيب بقضية الطفلة “سهير الباتع”-طفلة فى الــ13 من عمرها توفيت أثناء اخضاعها لعملية ختان في يونيو 2013 -لم يحدث تغيرًا أو تراجعًا فى نسبة الأطباء الممارسين للختان بسبب طول مدة القضية، مشددًا أن تخلى الأطباء عن ممارسة هذا الفعل سيساهم بدرجة كبيرة فى الحد منه قائلًا “لو كل طبيب حضرت له أم تطلب إجراء عملية الختان فرفض ونصحها بتجنب تلك الممارسة سيغير ذلك في الواقع كثيًرا وبالتبعية ستنخفض معدلات ختان الإناث”

أخيرًا أكد “سمير” أن التشريع المتعلق بالختان لا يعدو كونه حبرًا على ورق، وأن ما نفتقر إليه هو اَليات إنفاذ القانون والأدوات الكفيلة بتطبيقه، مضيفًا أنه حتى إن تم تعديل على التشريع الحالى كما تطالب العديد من منظمات المجتمع المدني، لن يكون له أثرًا مثله مثل التشريع القائم لو لم يتم النظر في أدوات تطبيق القانون.