من سلسلة «حكاوي ناجية» لمركز القاهرة للتنمية .. فتاة تحكي قصة الاَلم التي عاشتها مع «ختان الإناث»
فى إحدى الزيارات إلى الشرقية بلد أمى ..
جدتى الله يرحمها بقى كملت كلامها مع أمى “هو ايه بقى هاتنفذى امتى؟” ماما قالتلها “أول ما أرجع القاهرة عشان أخلص، البنتين بيكبروا وعايزة أعفهم.”
طبعًا لا أنا و لا أختى كنا فاهمين أي حاجة من اللي بيتقال أو هيحصل.
المكان: غرفة إفاقة فى مستشفى (د) في مصر..
البنت عندها تقريبًا 6 أو 7 سنين، بتفوق من البنج شوية بشوية بس حاسة باَلام لا يمكن وصفها أو تحملها.. مامتها كان شكلها مبسوط، خالاتها كمان وكام جارة مبسوطين كلهم، بس مش حاسين بيها ولا باَلمها.
أختي على سرير تانى فى نفس الأوضة ومش بتنطق هى كمان.
أنا كنت لسه مش فاهمة ومش مستوعبة ايه اللي حصل ليا ولا بيحصل، الأم من الأرياف والجدة من الأرياف، لكن الاستقرار في القاهرة ما غيرش حاجة فى معتقدات الأم القبلية في حاجات كتير.. الأب طيب بس من الصعيد وده خلاه يؤيد أو يستسلم لفكرة الأم، والأم مش متعلمة.
بيضحكوا والبنت الاَلم بيعتصرها ومش عارفة تتكلم، لأنها عارفة ما حدش هايفهم، وإزاى تتكلم مع حد فكر وقرر يدبحها.
البنت فضلت ساكتة لحد ما سريرها اتغرق دم، كان لازم تتكلم فى الوقت ده لأنها حست أن روحها بتروح والأمر أصبح أكبر من أنها تسكت عليه، لمست البلل على السرير اللي نايمة عليه وشافت إيديها كلها دم، الاَلم غير محتمل والدم عمال ينزل.
الساعه تقريبًا 1 أو 2 بالليل، ندهت على من تسمى أمها وقالتلها في دم بينزل، الأم شافت الدم صوتت “بنتي بتموت إلحقونى”
الأم حافية وبتنده على الممرضات، البنت جالها نزيف وبتبكى عشان مش فاهمة ومش عارفه تترجم لسه هو ايه اللي بيحصل، وليه هى فى المكان ده و إيه النزيف ده ..
الأم فى حالة هلع و الممرضات مش عارفين يتصرفوا.
الدكتورة اللي عملت العملية مش موجودة وبيكلموها في التليفون.
الأم بتصوت بنتي “هتروح منى” .. وكأني لسه ماروحتش.
الممرضات بيتكلموا ومش عارفين لسه يعملوا ايه .. واحدة منهم قالت تقريبًا “من النزيف الغرز فكت .. هاقول للدكتورة”
البنت مذعورة ومش فاهمة برضه إيه اللي بيحصل ولا ايه اللى هيحصل .. الوقت بطيء ومخيف والأم بتعيط والممرضات مش بيتصرفوا لأنهم مش عارفين يتصرفوا ومستنيين الدكتورة اللى شاكلها نايم عشان الوقت متأخر.
ابتدوا يدوا البنت حقن عشان توقف النزيف.. النزيف مش بيقف.. والبنت فعلًا بتروح .. كلموا الدكتورة وقالوا لها أن البنت حالتها بتدهور والنزيف مش بيقف .
الدكتوره جت وقالت البنت عندها سيولة فى الدم وده اللي سبب النزيف والغرز فكت ولازم تدخل عمليات تاني.
عمليات تاني والأولانية طيب ايه اللي حصل فيها؟
ستات كتيرة متجمعين فى البيت بالليل والأم مبسوطة، والبنت بتسأل هو بكرة فى إيه؟ مفيش إجابة اتقالت لها عشان تحاول تفهمها .. البنت مستسلمة ولا حول لها و لا قوة .
اتشدت فى تاكسي واتشدت لمستشفى واتشدت لأوضه عمليات واتشدت لحد ما نامت بعد ما اتبنجنت، اتسحبت تانى لأوضه العمليات.
البنت هذيلة ولسه فايقه من بنج كلي .. دكتور التخدير بيقول “مينفعش بنج تاني” .. بس لازم عملية تانية عشان الغرز اللي فكت.
الأم اللي افتكرت أنها بتعمل فى بنتها معروف واقفة حافية فى أوضه العمليات وبيطلعوها بره عشان التعقيم.
الدكتورة قررت تعمل العملية التانية بدون بنج، في أربع ممرضات ماسكين البنت من ايديها الاتنين ورجليها الاتنين زى خروف العيد، استعدادًا لدبحها تانى بدون رحمة – بدون بنج، مع كل غرزة بتتخيط البنت بتصوت وروحها بتروح، في صريخي كنت بنده على ماما وبابا وبعيط جامد وبقول “حراااااااااام” .
هى حاسه بكل حاجة ومن كتر الاَلم والصريخ وأنهم مبيردوش ولا بينقذوها، قررت إنها تكره أمها وحياتها .. هو مش قرارها الحقيقة .. بس عقوبة بتدفع تمنها لحد دلوقتي.
البنت دلوقتي عندها 32 سنة، بتكتب السطور دي وهي بتدرس لدرجة الماجيستير فى حقوق الإنسان فى دولة اجنبية بتحترم حقوقها كأنثى.
علاقتها بكل ما هو مؤنث أصبحت علاقة رعب واَلم وخوف، عندها رهبة من الجواز اللي أمها لسه مصرة على أنها تجبرها عليه وعلى عملية تانية قبل الجواز.
المرة دي البنت ما استسلمتش وقاومت ورفضت ولسه بترفض وبتعافر حتى مع اَلام عشان أختها التالتة ما يتعملش فيها الجريمة البشعة دي، بس البنت هربت من الحياة، هى خايفة زى ما كانت طول عمرها خايفة.
البنت ما متتش لما اتختنت، ومامتتش لما اتخيطت من غير بنج ومامتتش لما معرفتش ايه الفايدة و لا ليه نزفت، بس روحها ماتت وعلاقتها بأمها ماتت، وعلاقاتهم بقت فاترة زى ما هى مهددة بالظبط أن علاقتها بزوجها تبقى فاترة، ده لو قررت أنها تتجوز أساسًا وبطلت تخاف من أن حد يجي جنبها أو يلمسها.
البنت ناجحة فى علاقاتها الاجتماعية وقررت أنها تشتغل فى حقوق الإنسان والمرأة تحديدًا عشان تمنع الجريمة دي.
بس هى خايفة لسه، البنت زى الفراشة اللي اتنزعت جناحتها وهى صغيرة، هى بتضحك وبتساعد كل اللى حواليها حتى لو بتيجى على نفسها عشان عارفة يعنى إيه حد يكون محتاج مساعدة، مكانش ليها اختيار، كل اختيارها أنها تفضل تهرب وتهرب عشان تحاول تعيش كجزء من إنسان لأنها اتحرمت تبقى إنسان كامل ومش بإراداتها.
العذر دين والعذر عادات وتقاليد وعفة ليست من العفة في شيء.
ارحموا بناتكم ارحموهم، وجعى واَلم روحى لسه موجودين، طيب ايه المؤلم بقى اَلم الضعف اللي ماليش ذنب فيه.. اَلم الاستضعاف رغم قوتي .. بقى فيه شخصيات متناقضة جوايا محبوسة.. إحساس القمع والضرر اللي اتسببت فيه من تسمى أمى بسبب جهل وعادات وتقاليد اجتماعية لا تغني ولا تسمن من جوع.
إحساس إجبارى أني لازم أعيش فى مجتمع جاهل ومريض شايف في البنت عار دائمًا مهما كانت محترمة ومتعلمة ومتدينة، وأم شايفة أن بنتها لازم تتختن مرتين أو تتدبح مرتين، مرة وهى طفلة ومرة وهى كبيرة ولما تسأل عن السبب يبقى الرد هما علمونا كده وده فى مصلحتك عشان تتجوزى!
طيب مصلحتى ايه فى أني أحس أني كائن منقوص؟ مصلحتى أنى أحس أني شخص بيتحكم فيه مايراه المجتمع أنه زوائد؟ مجرد إحساس أني بنت بقى مصدر إزعاج عشان مجتمعي وأمى شايفين غالبًا أنها جريمة.
وأد البنات ما انتهاش عشان لسه عايشين فى جاهلية، البنت بيتوأد روحها بشكل يومي مع ممارسات زى الختان، التحرش، الإجبار على الزواج، الإمتثال لعادات وتقاليد مجتمعية ضررها أكبر من نفعها.
قسوة، عنف الذكريات بتخليها لسة عايشة ومش بتموت .. واَلمها مع الوعى بيزيد لأن ختان البنات أضراره النفسية والجسديه جسيمة، مش بس على البنت لا طبيًا كمان فى أبحاث بتأكد مخاطرة على الأطفال أثناء فترة الحمل.. ما اعتقدش إن إزالة جزء من جهازي التناسلى هتيحمينى من أي انحراف جنسي ممكن أفكر فيه.
ميه سخنة ومطهر لمدة أسبوع أو عشر أيام عشان نعرف نتبول بشكل طبيعى أو نستحمل الاَلم اللي عامل كأنه ميه نار و الأمر معايا كان أصعب طبعًا بعد اللي حصل.
اَلم -دم- اقتراب من الموت – قسوة- جهل- استضعاف- انتهاك- -حسرة-اضطهاد – ظلم- ضحية – خوف- غضب- أسئلة زى ليه أنا اتخلقت بنت؟ وليه أمي تعمل فيا كده؟ وليه أبويا يوافق على كده؟ وليه مكانش فيه وقتها قانون يحمينى من كده؟ و ليه فيه مستشفى ودكتورة تعمل كده ؟ وليه اتكتب عليا اأضل أعانى طول عمرى؟ وفين حرية اختياري المزعومة؟
علاقتى بربنا علاقة مضطربة أكيد لأن من وأنا صغيرة بسأل إزاى يُسمح بفعل عدوانى زي ده؟ إزاى خلقني وفيا عيب وناس معندهاش وعي ولا رحمة هو اللي يصلحوه بالقسوة والوحشية دي، إزاي ما يحمنييش من أمي وأسئلة كتير فى سكة الغضب اللي ما قداميش غيره عشان أنفس عن اللي جوايا.
طيب أنا عندي 32 سنة ومرعوبة من أني حتى أدخل في علاقة مع راجل .. عمرى ما سمحت أن راجل يقرب مني.
مجهود كبير بعمله فى تعليمي وعملي عشان أحقق الكمال وأعوضه.. روحى حرة بس مكسورة ومشوهة من الاَلم.
علاقتى بنفسى بقى دي المشكلة الأكبر، طبعًا مشاكل كتير في الثقة بالنفس، تقديرها، مش متقبلة جسدي وشايفة أنه كان سبب فى ألمي.
هى دي الذكريات المصاحبة بدون تهويل وغيرها كتير مر من اللي مش عارفة احطة فى كلام.. ربنا يسامح أمى على اَلمى النفسي والجسدي اللى مستمرين معايا لحد النهاردة.
بكتب الكلمات دd عشان توصل وتحذر وتترجى كل أم .. بنتك دى روح جميلة ربنا خلقها مصونة وانتى تقدري تخليها تصون نفسها وتعف عن أي انحراف جنسي أنتِ خايفة منه بأنك تقربى منها وتربيها وتحبيها وتحببيها فى كونها أنثى حرة كريمة مش كائن غير مرغوب فيه أو كائن معيوب محتاجة أنك تقصي منه حتة عشان يكمل ويتجمل.
الجرح المعنوى بيفضل والاَلم الجسدي بيستمر على حسب نوع الختان اللي اتعمل.
على فكرة أمي متعرفش أني بدرس فى دولة تانية، مفهماها أني بشتغل فى محافظة تانية فى مصر وبستغل عدم تعليمها وبساطتها عشان تصدق وبنزل زيارة كل فترة عشان ما تحسش أني في بلد تانية.
أرجو الدعاء منكم لى إن اَلمى واَلم كل بنت اتختنت يخف ويصبح بردًا و سلامًا على قلوبنا المرهقة و أجسامنا المنتهكة و أرجو أن كل أم و أب يرحموا بناتهم من عذاب دائم مالوش لزوم .