احتفلت مصر الشهر الماضي، بيوم المرأة المصرية الموافق 16 مارس، والذى وقع عليه الاختيار، تزامنًا مع ذكرى خروج النساء للتظاهر مطالبةً بالاستقلال خلال ثورة الحرية والاستقلال ثورة 1919.

كان لتلك الثورة أثر عظيم على الحركة النسوية الاجتماعية، وكانت نقطة تحول كبرى في مسيرة جيل هو الأهم في تاريخ الحركة في العالم العربي.

عقب الثورة، تزعمت “هدى شعراوي” مساع التغيير، وتبنت المطالب التي ترمي إلى الارتقاء بالمرأة اجتماعيًا وأدبيًا، حتى تتمكن من الاشتراك مع الرجال في كامل الحقوق والواجبات، ولكن من بين هذه المطالب هناك أحلام شخصية، نجمت عن تجارب خاصة عاشتها رائدة الحركة النسائية، لذا أولت اهتمامًا خاصًا لقضايا مثل؛ وضع حد لتعدد الزوجات، والتصدي لفوضى الطلاق، وتحديد سن زواج الصغيرة بحد أدنى 16 عامًا وكفالة حقها في التعليم.

لم ترفع “شعراوي” وحدها هذه المطالب بل رفعها جيل بأكمله من المدافعات عن حقوق النساء وقتذاك، وعلى الرغم من مرور عشرات السنين إلا أنها لاتزال قائمة، حتى لو وجد قانون ينص على حق النساء فيها، فالثقافة المجتمعية باقية راسخة ضاربة بجذورها في الأرض وكأن الزمن لم يغير شيئًا.

فما الذي تحقق من تلك المطالب حتى الاَن وما الذي لم تمسه رياح التغيير؟

حق السن الأدنى للزواج

طالبت هدى شعراوي بضبط سن الزواج للفتاة بوضع حد أدنى 16 عامًا، بعد أن كانت هي نفسها أحد المتضررات من فوضى التزويج المبكر، عندما زوجها أهلها وهي في عمر 13 عامًا.

لم يتحقق مراد “شعراوي” في حياتها، ففي عام 1955 أي بعد وفاتها بـنحو 8 سنوات، تحدد سن الزواج فى لائحة المأذونين الصادرة بقرار وزير العدل رقم فى 10/1/1955 المادة 33/1 منها ( المضافة بقرار وزير العدل فى 24/5/1956 ) تنص على “…… ولا يجوز مباشرة عقد الزواج ولا المصادقة على زواج مسند الى ما قبل العمل بهذا القرار ما لم يكن سن الزوجة ست عشرة سنة وسن الزوج ثمانى عشرة سنة وقت العقد

وفي عام 1996، حدد قانون الطفل السن الأدنى لزواج الفتاة بـ16 عامًا في حين حدده للذكر بـ18 عامًا.

وأجرت مصر تعديلات على بعض أحكام قانون الطفل لعام 1996 تضمنت عدم جواز توثيق عقود الزواج لمن لم يبلغ من الجنسين سن 18 سنة ميلادية كاملة، أي حظر الزواج للذكور والإناث قبل بلوغ هذه السن.

ومع ذلك الظاهرة لم تنته في مصر مع اتخاذ هذا الإجراء، بل تستمر حتى الوقت الحالي بالمخالفة للقانون والدستور، إذ ينص الدستور المصري الحالي في (المادة 80)، “يعد طفلًا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره

وتضيف المادة “وتلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي

الأمر الذي يعني حمايته من الزواج لأن ذلك يعد نوعًا من أنواع الاستغلال الجنسي، طالما كان لقاصر.

Hoda Shaarawi

فضلاً عن ذلك، كان القانون المصري ينص صراحة في المادة 28 من قانون الأحوال الشخصية على أنه “لا يجوز توثيق عقد الزواج إذا كانت سن الزوج أقل من 18 سنة وسن الزوجة أقل من 16 سنة”. ولكن هذه المادة كانت تخالف اتفاقية السيداو لأنها تميز بين الذكر والأنثى بخصوص السن الأدنى للزواج، بالإضافة الى أنها كانت تسمح بزواج البنت وهي لا تزال طفلة طبقاً لتعريف قانون الطفل. لذلك، تم في عام 2008، تعديل قانون الأحوال المدنية لتنص المادة 31 مكرر منه على أنه “لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة ميلادية كاملة“.
طبقاً لصياغة المادة، فإن القانون لا يحظر الزواج لمن هم دون الـ18 سنة بل يحظر توثيق الزواج، ما قد يؤدي إلى فتح الباب أمام الزواج العرفي.

وعلى الرغم من كل هذا، فمطلب التوقف عن تزويج القاصرات قائم، لأن الظاهرة مازالت موجودة في ريف مصر وصعيدها ويتم التحايل على القانون لإتمام هذا الزواج عرفيًا حتى تتم الفتاة الـ18، وتبلغ نسبة زواج القاصرات في مصر 15% من نسبة الفتيات المتزوجات.

التغير الذي يتعين الاعتراف به، أن الزواج المبكر لم يعد منتشرًا أو مقبولًا على كافة الصواعد، وإنما في حالات الفقر أو في حالات التطرف الديني، مع الأخذ في الاعتبار أن نسبة الفقر في مصر تتجاوز 40%، مما يطيل عمر الزواج المبكر للفتيات، إلى جانب غزو التيار الوهابي الحامل لأفكار تروج للزواج المبكر والمتعدد.

فإن كان مطلب “شعراوي” تحقق قانونيًا بل وأفضل مما طالبت به إذ تحدد سن الأنثى للزواج بـ18 عامًا بدلًا من الــ16 عامًا التي كانت تنادي بها، لكن الأمور على أرض الواقع ليست كذلك فمازال بين الفتيات المصريات من يجبرن على الزواج مبكرًا قبل 16 عامًا وأكثر من مرة في موسم واحد تحت مسمى “الزواج السياحي” أو “الزواج الصيفي”.

ضبط تعدد الزوجات

Huda-Shaarawi

عانت “هدى شعراوي” شخصيًا من مشكلة تعدد الزوجات، إذ تزوجها ابن عمتها “علي شعراوي” الذي يكبرها بـ40 عامًا، وكان متزوجًا قبلها “وقد كذب على هدى وأسرتها بإدعاء أنه طلق زوجته الأولى حتى يتمكن من الزواج بالصغيرة”، فضلًا عن أنها نشأت مع أمها التي جاءت زوجة ثانية، وكانتا الزوجتين تعيشان سويًا في نفس البيت.

في حياة “شعراوي”، طُرِحَت القضية للنقاش مرارًا وشهدت حراكًا، حيث وُضِعَت مقترحات في عام 1926، لإضافة شرط موافقة القضاء على “التعدد” إلى قانون الأحوال الشخصية؛ وذلك تأثرًا بدعوة أطلقها الشيخ محمد عبده، بأن تشرف الحكومة على تعدد الزوجات حتى لا يُقدِم عليه من ليس له استطاعة، لكن تم رفض كل تلك المقترحات من قِبل رجال الفقه حينذاك، حتى صدر القانون رقم 25 لسنة 1929 الذي خلا من تقييد تعدد الزوجات، لكن هذا لم يمنع تجدد المطالبات بتقييده.

في سبعينات القرن الماضي، بزغت المناقشات بشأن تقييد تعدد الزوجات وحق المرأة في الطلاق؛ فأسفرت عن إصدار القانون رقم 44 لسنة 1979، الخاص بتعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية، فأوجب على الزوج المسلم أن يقدّم للموثق إقرارًا بحالته الاجتماعية، وذكر أسماء زوجاته اللاتي في عصمته (إذا كان متزوجًا) مع قيام الموثق بإخطارهن بهذا الزواج.

كما اعتبر القانون أن زواج الرجل على زوجته بغير رضاها أو دون علمها يعدّ إضرارًا بها، حتى وإن لم تشترط عليه في عقد زواجها عدم الزواج عليها، وأعطى الزوجة حق طلب التطليق لهذا الضرر، وذلك خلال سنة من تاريخ علمها بالزواج، أي أن هذا القانون اشترط لتعدد الزوجات رضاء الزوجات أنفسهن.

لكن أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمًا بعدم دستورية هذا القانون في 4 مايو 1985 لعيوب شكلية وإجرائية، فصدر القانون رقم 100 لسنة 1985 ليحل محله، وأجاز القانون الجديد للزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها الذي تزوّج عليها، خلال سنة من تاريخ علمها بالزواج بأخرى، إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي بسبب التعدد يتعذّر معه دوام العشرة، حتى ولو لم تكن قد اشترطت عليه في عقد زواجها ألا يتزوّج عليها، ويتجدد حقها في طلب التطليق كلما تزوّج بأخرى، وتأخذ نفس الحكم، الزوجة الجديدة التي لم تكن تعلم بأن زوجها متزوج بسواها، فلها أن تطلب التطليق كذلك.

وهذا القانون لا يجعل من مجرد التعدد في ذاته ضرراً يوجب التطليق، كما كان الحال في قانون سنة 1979، بل يضع على الزوجة عبـــء إثبات وقوع ضرر مادي أو معنوي عليها يدفعها لطلب التطليق من زوجها الذي تزوج عليها.

إلى جانب تعسف القانون في هذا الصدد، تتمسك المؤسسات الدينية بحق الرجل في تعدد زيجاته، دون قيد أو رابط، مما يجعل الأمر مستساغًا بين أفراد المجتمع ولا يقدم عليه الرجال فقط بل تؤيده نساء أيضًا في ذلك من منطلق “الشرع بيدي له الحق”.

وكشفت تقارير الجهاز المركز للتعبئة والإحصاء، أن أصحاب المهن أو التجار ليسوا وحدهم الذين يحرصون على تعدد الزوجات، فهناك من يحملون درجات علمية مرتفعة يقدمون على ذلك.

ويبقى حلم “هدى شعراوي” بوقف تعدد الزوجات، مجرد حلم بعيد المنال، بل ربما أبعد مما كان عليه في بدايات القرن الفارط، حيث لا يوجد بيننا مجدد مثل الإمام محمد عبده الذي أبطل أحقية الرجل في التعدد لاستحالة تحقق شرط العدل بين الزوجات، بالإضافة إلى أنه يعد منشأ الفساد والعداوة بين الأولاد لاختلاف أمهاتهم، وهذا يدفع إلى إبطال التعدد لما يخلفه من فساد.

وقف فوضى الطلاق

284517

طالبت هدى شعراوي بتقييد “الطلاق”، وأن يتم على يد القاضي، وهذا المطلب مازال مرفوعًا، خاصة في ظل فوضى الطلاق الشفوي، الذي أصبح قضية أغلب المترددين على لجان الفتوى بالأزهر ودار الإفتاء، وفي ظل مجتمع يعطي الحق مطلقًا للرجل في إنهاء العلاقة وقتما شاء، فيهدم البيت وتتمزق الأسرة.

وقد أكدت “هدى شعراوي” اَنذاك، أن هذا الحق لا يمكن أن يستخدمه الرجل وحده مطلق اليدين، وكأن الزمن لم يبرح محله قبل أكثر من 90 سنةً، فمازالت المنظمات والشخصيات المهتمة بشؤون النساء، وقد طالب المجلس القومي للمرأة في أكثر من موضع بإتمام الزواج والطلاق أمام المحاكم وليس لدي المأذون، بهدف التنظيم والحد من كثرة حالات الطلاق والزواج للقاصرات ولغلق صنبور أطفال الشوارع لأنهم ضحية لشخصين عندهما الزواج سهل والطلاق أسهل، واعتبر المجلس هذا الاقتراح سيقلل من ظاهرة الطلاق المنتشرة في الآونة الأخيرة ويضع قيودًا على الزوجين ويضمن حقوق الزوجة بعد الطلاق.