لا يعرفها الكثير ولم يذكرها التاريخ سوى في واقعة واحدة، وهي حادثة استشهادها. فتاة تحدت القيود المفروضة على المرأة في ذلك الزمن، ووقفت في وجه احتلال متجبر، فسقطت ضحية حلم الحرية قبل أن تعبر إلى عقدها الرابع.
” لن أنسى الأثر المحزن الذى أحدثه ضرب أول شهيدة مصرية وهى السيدة شفيقة بنت محمد فى نفوس الشعب عامة”

هكذا تحدثت عنها “هدى شعراوى” الملقبة برائدة الحركة النسوية، وقالت في سطور معدودة في مذكراتها “فلن أنسى الأثر المحزن الذي أحدثه ضرب أول شهيدة مصرية، وهي السيدة شفيقة بنت محمد في نفوس الشعب عامة، وقد تجلى ذلك في تشييع جنازتها التي اشتركت فيها كل طبقات الأمة حتى صارت جنازتها مظهرًا من مظاهر الوطنية المشتعلة.”

“شفيقة محمد عشماوي” تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، كانت تسكن حي الخليفة، ووالدها مقاول وهو أحد أعضاء أحد الأحزاب السياسية المصرية التي تنتمى إلى التيار الليبرالي، لذلك تمخضت داخلها دوافع حب الوطن والسياسة، لم تكن من الفتيات اللاتي استسلمن واستسلم أهلهن لقيود المجتمع اَنذاك التي لا ترى أهمية لتعليم الفتاة، فقد حرص أهلها على أن تتم تعليمها الابتدائي وبالفعل حصلت على الشهادة.

انغماس والدها في الحياة السياسية لم يسهم وحده فى تولد الثورة داخلها  وتشبعها بالوطنية الثائرة، بل كان لحي الخليفة دور كبير، فهذا الحي كما وصفه الرافعى “الخليفة كان يشهد ثورة من نوع خاص، فهى ثورة أولاد البلد الذين عرفوا ألف باء الوطنية المصرية بمنطق الحارة والأخوة والجيرة الحسنة.”
كل هذا صب فى اتجاه التعجيل بتبلور قضية الوطن واستقلاله داخلها، و هى لم تتجاوز الــ28 ربيعًا، هذا العمر الذي انتهت حياتها عنده.

أول شهيدة 

قادت “عشماوي” مظاهرة نسائية يوم 10 أبريل 1919، بعد أن بزغت التظاهرات النسائية خلال ثورة 1919، بعد الأولى فى 20 مارس، والخروج النسائي الموازي (للرجال) في 16 مارس.

توجهت “شفيقة” و النساء المشاركات فى التظاهرة، إلي مقر المعتمد البريطاني، فمنعهن العساكر الإنجليز وحصاروهن بالبنادق حتى يرهبوهن، بينما وقف المعتمد البريطانى “ملن سيتهام” مندهشًا من مشهد النساء المصريات وإصرارهن وجرأتهن أمام البنادق.
لم تعني الشهيدة بمحاولات العساكر لإثنائهن عن هدفهن، واندفعت نحو المعتمد البريطاني القائم بأعمال المندوب السامي وهي تحمل العلم المصري في يد وبيان الاحتجاج في الأخرى، ليكون هذا الفعل الوطنى اَخر ما قدمته لوطنها، و اَخر ما سطر فى كتاب حياتها، فما أن تركت المعتمد البريطانى لتعود لصفوف التظاهرة حتى اخترق جسدها  الرصاصات من كل صوب، مصيبةً صدرها وبطنها لتسقط  “شفيقة محمد” أول شهيدة لبت نداء الحرية.

“في ذمة الله يا شفيقة”

لم يثبط استشهاد “عشماوي” من عزيمة المصريات، وإنما إشتدت ثورتهن وأخذن يهتفن “تحيا الحرية .. في ذمة الله يا شفيقة”

هذا الهتاف الذي تكرر أيضًا مرارًا خلال جنازتها التي اشترك فيها المصريون نساءً ورجالًا من مختلف الطبقات، وكانت بمثابة مظاهرة شعبية وطنية تعلن أن “شفيقة” لن تكون اَخر شهيدات الحرية والاستقلال.
لحق بشفيقة عدد من حرائر مصر كان معظمهن من بنات الطبقات المتوسطة والكادحة، وهن؛ “حميدة خليل” من الجمالية و”سيدة حسن” من عابدين و”عائشة عمر” من بولاق و”فهيمة رياض” من باب الشعرية و”عائشة محمد من عابدين” و”نعيمة عبدالحميد” من الجيزة و”فهيمة دهمان” من الإسكندرية و”سيدة بدران” من ميت القرش التي كانت في مظاهرة بعد حفل زواجها بــ 48 ساعة، و”أم محمد” من منيا القمح، و”يمن بنت صبح” و”وحيدة سليمان” من الفيوم و”فائقة عبدالله الشامي” وشقيقتها “بخيتة” من أسيوط.