«مريم».. مزيد من التنميط والتسليع المبطن.. نساء يتصارعن للفوز بالرجل.. المرأة صورة من ثلاث: خائنة..محتالة..قاتلة
ارتبط اسم “هيفاء وهبي” لأكثر من عقد منذ ظهورها كمغنية، بصورة المرأة الجميلة، التي تعتمد الإثارة أسلوبًا، وتتفنن فى استعراض جسدها، لحصد مزيد من الشهرة والنجومية.
دخلت “هيفاء” الدراما، من نفس الباب، ولم تتخل عن هذه الصورة إلا قليلًا في فيلم «دكان شحاتة» للمخرج خالد يوسف، ورصيدها فيلمين، وثلاثة مسلسلات، اثنين منهم عرضا في رمضان الأخير وهما “مريم” و”مولد وصاحبه غايب”.
قدمت “وهبي” العام الماضي، مسلسل “كلام على ورق” والذى تعرض لحياة بنات الليل والدعارة وعمليات النصب والاحتيال في مجتمع تسوده الرذيلة، واشتمل على جرعة زائدة من الألفاظ البذيئة والإيحاءات الجنسية.
لكن هذا العام، اختارت “هيفاء” الخروج من هذه الشرنقة – ليس كليًا- إذ قدمت دورين، الأول منهما لسيدة أعمال وأم لطفلة مريضة بالسرطان، وهى شخصية عملية تتسم بالجدية والطموح، بعكس شقيقتها، التي ظهرت سطحية، تتابع الأخطاء فى حياتها فتزداد تورطًا، ترتبط بصداقات تدخلها عالم الصخب، وإدمان الخطأ، وهواية الكذب، فيما تتزوج عرفيًا من أحد هؤلاء، رغمًا عن إرادة والدها، الذي بمجرد علمه بذلك الزواج، يتعرض لوعكة صحية ويتوفى على إثرها، فتتعرض هى الأخرى لصدمة نفسية بعد وفاة والدها، تصيبها بالخرس وفقدان القدرة على الكلام.
شخصية “مريم” كانت مجالًا لتحتفظ “هيفاء” بمظهرها المعتاد، واستغلال جمالها بالصورة المعروفة عنها، بينما حاولت من خلال شخصية “ملك” التأكيد على كونها ممثلة تستطيع أن تدخل معترك التمثيل.
العمل من تأليف: أيمن سلامة ومن إخراج: محمد علي، بطولة هيفاء وهبي، وريهام عبد الغفور، وشيرين الطحان، وهند رضا، وخالد النبوي، وحسن حسني وعمرو السعيد.
“ملك” محوره الرئيس ومع ذلك المسلسل يحمل اسم “مريم”
على الرغم من أن المسلسل يحمل اسم “مريم”، إحدى الشقيقتين التوأم اللتين تقدمهما “هيفاء وهبي”، إلا أن أحداث المسلسل، طيلة أكثر من ثلثي حلقاته، تدور حول شخصية “ملك” وعلاقتها برجل الأعمال ذو النفوذ القوي الملياردير “نديم فخري”، الذى يتزوجها فيما بعد، في الوقت الذي يتبين للمشاهد أن “مريم” بداخلها حب تجاه “نديم فخرى”.
صدمة ” مريم” فى الزواج، أعادت لها القدرة على الكلام مرة أخرى، وهذا ما يدفعها لقتل شقيقتها وانتحال شخصية”ملك” حتى تتمكن من أن تعيش مع “نديم ” كزوجة؛ إلا أن أمرها سرعان ما ينكشف أمام “نديم”، فتخبره بخبايا ما ارتكبته شقيقتها “ملك”من جرائم ما بين تزوير، واستيلاء على الميراث، وتأجير بلطجية، والتحريض على القتل، إلا أن “نديم” يتمسك بأن يعاقب “مريم” حتى لو كانت بريئة من كل هذه الجرائم التى قامت بها “ملك” فيتركها لمصيرها بل ويساهم في ألا يكشف أي شيء ورائها أنها “مريم” وليست “ملك” لينقضي أمرها بالإعدام شنقًا.
مزيد من التنميط .. نساء لاهثات وراء رجل واحد
«ملك .. مريم .. رشا .. أميرة» الشخصيات النسائية الرئيسة تتصارع من أجل رجل واحد
مثلما برز الصراع بين الأختين “ملك” و”مريم” من أجل الفوز بـ”نديم”، يتجلى صراع اَخر موازٍ بين “ملك” و”أميرة” سكرتيرة “نديم” – قامت بالدور شيرين الطحان – التى فاتحته بما داخلها نحوه، إلا أنه لم يلتفت لها، لأنه قد أحب “ملك” واتخذ قراره بالزواج منها، مما دفع “أميرة” أن تحاول أن تدمر العلاقة بينهما، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل بعد أن مضى “نديم” فيما قرره، وتزوج فعلًا من “ملك”.
على نحو اَخر، ظهرت “رشا الجمال” – الدور الذى تؤديه ريهام عبد الغفور- زوجة “نديم” الأولى، والتى أنجب منها ابنته “لوجي”.
“رشا الجمال” ، هى المرأة اللعوب، التى تداهن زوجها، وتخونه، ومع ذلك تتمسك به، حتى بعد اكتشافه خيانتها وتطليقه لها، تطلب منه العودة له مجددًا والحفاظ على بيتهما.
وخلال الحلقات الأولى، تتشابك الأحداث لتقول أن “رشا” تصارع من أجل إبعاد “ملك” عنه، والأبرز بين تلك الأحداث، ما ظهر من سيدات مأجورات اعتدين على “ملك”، بينما ينكشف فى الحلقات الأخيرة أن “ملك” هى من دبر لذلك لتبعد المسافات أكثر بين “نديم” و”رشا”، ويتضح أيضًا أن من كان وراء معرفة “نديم” بخيانة زوجته كانت “ملك”، التي كانت تسعى لهدم العلاقة وإفساح المجال لتحل هى محل الزوجة.
الغياب النسائي سيد الموقف فيما وراء الكاميرا
الحضور النسائي أمام الشاشة كانت لافتًا، خاصة بالنسبة لـ”هيفاء” بحكم تجسيدها لشخصيتين، أيضًا بالنسبة لمن شاركن فى البطولة، إذ أن أغلب الشخصيات النسائية كان رئيسًا، ومؤثرًا فى الأحداث؛ إلا أن ذلك الحضور بدا ضعيفًا فى أدوار ما خلف الكاميرا، فقد غابت عن أدوار التأليف والإخراج والمونتاج، والتصوير، وإنتاج وتصوير.
ملك ومريم الجارجى .. مهما كانت الاختلافات ظاهرة هما وجهان لعملة واحدة.. كلمة المصلحة “محفورة”على الوجهين
ملك الجارحي هى سيدة أعمال، تملك شركة دعاية وإعلان، شخصية طموحة تركض وراء النجاح وتبذل كل ما بوسعها بطرق سليمة أو غير ذلك حتى تبلغ هدفها.
“ملك” امرأة مطلقة وأم لطفلة تعانى من مرض السرطان، وتخضع للعلاج الكيميائي.
كشف المؤلف عن الجانب الإنساني المتناقض فى شخصية “ملك”، التى تختص ابنتها بمشاعر حب وحنان، وخوف شديد، مسؤولة عن شقيقتها “مريم”، تسعى لحل مشكلاتها مع زوجها المبتز، تقف إلى جوار “نديم”، وتسانده فى أزمته بعدو وفاة ابنته الصغيرة.
وفى الوقت ذاته، هى من يكيد المكائد من أجل إيقاع “نديم ” في حبها من أجل تزاوج المصالح بشكل رئيس، وتزور فى أوراق رسمية لتحرم عمها وشقيقتها من ميراث والدها، تستسيغ الخطأ من أجل الوصول لأهدافها، فتقدم الرشاوى، وتستخدم الأكاذيب والسبل الملتوية لتذليل العقبات فى طريقها.
“ملك” تجمع بين القوة والضعف، الشر المبطن بطبقة من الخير.
على صعيد الأداء التمثيلي:
أشاد عدد من النقاد بأداء “هيفاء وهبي” في دور” ملك” حيث تمكنت من تحسين أدائها كثيرًا عن ذى قبل، الذى قدمت من خلاله شخصية غير معتاد عليها منها، اتسمت فى كثير من المواقف بالحزم والشدة والمضمون فيها تحدث أكثر من الشكل.
مريم .. غياب الأم وانشغال الأب قد يدفع للبحث عن الحب في أي مكان
لكن إن قتلنا الأشقاء، فأي حب يتبقى؟!
الشقيقة التوأم التي تصاب بالخرس بعد اكتشاف والداها لزواجها السري من خالد الليثي (عمرو السعيد )، على الرغم من رفضه زواجها.
“مريم” شخصية عاطفية بعكس “ملك” العملية، تربت بعيدة عن أمها بعد إنفصالها عن والدها حيث عاشت مع والدها وحدهما، بينما انتقلت “ملك” للعيش مع والدتها بأمريكا.
قد ترى “مريم ” سطحية، لا يمكنها تحمل مسؤولية أى شئ، شديدة الأنانية، ويمكن أيضًا أن ترجع ما هى عليه، إلى افتقادها لوجود الأم، إلى جوارها وهو ما جعلها تلقى بنفسها وسط مجموعة من الشباب والشابات الذين يدمنون السوء، ليملأوا الفراغ القائم فى حياتها، فى ظل غياب أب منشغل بعمله بعيدًا عنها، وكونها بلا خبرة وبلا راعٍ تنقاد وراء مشاعرها ويجذبها أى جديد، وتقترب من أى شخص يوهمها بالحب، حتى لو كان ذلك، قشرة للاستغلال والابتزاز والسرقة.
اندفاع “مريم”، سهل من ابتزاز “خالد الليثى” لها، ومقايضتها إما أن يحصل منها على 5 مليون جنيهًا، أو أن ينشر لها صورًا تجمعمها في أوضاعٍ مخلة أثناء فترة زواجهما.
“مريم” لم تر “نديم فخرى” سوى مرة واحدة حينما كانت متزوجة من “خالد الليثي” وظهر عليها إعجاب به، وتبقى الموقف الذين التقيا فيه لمدة لتتجاوز بضع دقائق عالقًا فى ذاكرتها، ورأته فيما بعد مرة واحدة بمنزلها عندما جاء يزور “ملك” وقتما كانت علاقتهما تقوم على الشراكة فى مشروع عمل.
الكاتب، أظهر حالة اعجاب أو رغبة فى التقرب لكنها لم ترق لحب خاصة أنه لم يكن هناك أى تواصل بينهما، إلا أن نهاية القصة جاءت مغايرة لما ظهر خلال الحلقات السابقة، وكأن “مريم” تعشق الرجل منذ زمن.
على صعيد الأداء التمثيلي:
لم تقدم ” هيفاء وهبي” جديدًا فى هذه الشخصية، سواء على مستوى الأداء تعبيريًا لأنها خرساء، أو حتى فى المشاهد الناطقة فيها، وهى الأقرب لصورة “هيفاء” المعروفة عنها، المرأة الجميلة، الأنيقة، والدلوعة.
رشا محجوب .. تيمة “المرأة الخائنة” دون دافع أو مبرر
زوجة “نديم فخري”، التى يقوم بتطليقها بعد اكتشاف خيانتها له فى منزل عشيقها، فأرداه قتيلًا ومن ثم اقتادها للشارع وتركها ملفوفة بملاءة فى عتمة الليل.
لم يقدم الكاتب أي أسبابٍ منطقية لخيانة زوجة نديم، والتى أُشير فى المسلسل إلى أنها تعتاد خيانة زوجها منذ فترة، أيضًا على الرغم من أن المسلسل قدم “نديم” شخصًا خارقًا بماله وعلاقاته ونفوذه، مع ذلك لم يعلم من قبل بأى خيانة تقوم بها زوجته إلا فى تلك الواقعة بعد أن استقبل مفاجأة صورها مع عشيقها، على هاتفه الخلوى.
صورة المرأة الخائنة، التى تسيرها أهوائها وشهواتها دون مبرر مقنع، ومن ثم محاولة قتل طليقها الذى أخفاها عن العالم بعد الحادثة، هى صورة مركبة لم نستدل عن دوافعها لتصبح على هذه الشاكلة، فى قصور واضح فى استيضاح ملامح الشخصية كاملة، لنبقى أمام صورة مجتزئة.
صور العنف ضد المرأة :
· أشار المسلسل خلال أحداثه إلى قضية الحضانة وحرمان الأم من الأبناء بعد إشهار زواجها الثانى، حيث تؤول حضانة الأبناء إلى الأب في هذه الحال، من خلال شخصية “ملك” التي يسعى طليقها مستندًا للقانون إلى ضم ابنتهما لحضانته، بعد زواجها من “نديم”.
· تنميط لصورة المرأة، سواء من خلال المرأة الثرية، التى تعشق حياة الصخب، والسهر ليلًا، وتخون زوجها، دون عناء أو تأنيب ضمير أو النظر حتى لابنتها عبر شخصية “رشا الجمال”، أيضًا من خلال شخصية السكرتيرة ” أميرة”، حيث خضع المسلسل للصورة النمطية المكررة عن السكرتيرة، التى لابد أن يربطها علاقة عاطفية برئيسها في العمل.
· الزوج الذى يصور زوجته، ويخفى عنها الأمر لعله يستفيد من ذلك، فيما بعد، وهو ما فعله “خالد الليثى” مع “مريم”، ليبتزها، ويخيرها بين الفضيحة أو إعطائه ما يريد من المال الوفير الذى تملكانه هى وأختها.