غير المسلمات يعانين تمييزًا مضاعفًا .. نساء أولًا ومن دين الأقلية ثانيًا

على الرغم من أن الدستور الحالي، يعد  – بشهادة الحقوقيين والقانونيين – أفضل الدساتير التي عرفتها مصر فيما يتعلق بحقوق النساء، إذ يشتمل على عدد من المواد المنصفة، ويمهد لقوانين تضبط حالات الاضطراب المسيطرة على عدد من القضايا مثل حق الأم فى إعطاء الجنسية لأبنائها من أب غير مصري، وتحقيق التمييز الإيجابي بالمحليات بالنص على 25% من المقاعد لصالح النساء، وإقرار مناهضة التمييز عبر الاَليات المختلفة وعلى رأسها التعليم، لكن الدستور نفسه، لم يقرب عددًا من القضايا الجدلية، التي طالما عانى منها نساء، لأن المشكلة لا تقوم فقط على التمييز على أساس النوع الاجتماعي، وإنما التمييز على أساس الدين أيضًا.

  •  يتمسك الأزهر بحرمان الزوجة غير المسلمة من ميراث زوجها المسلم، أما فيما يتعلق بمسألة الحضانة، فهناك إنقسام داخل المؤسسة خاصة بعد فتوى المفتى السابق علي جمعة المؤيدة لحقها: “إن الحضانة لا تتوقف علي الديانة فالأم حاضنة دون النظر لديانتها لان مصلحة الصغير هي الباقية.”
  • الأم غير مسلمة، يؤخذ منها الابن أو الابنة إذا عقل الأديان وذلك بأن يبلغ سبع سنوات والحجة “الخوف من تغيير “الإسلام” ديانته نسبةً للأب”

في شهر مارس الذي يعرف بــــ”شهر المرأة”، تُطرح أبرز المشاكل والأزمات التي تواجه النساء، على طاولة النقاش، سواء عبر وسائل الإعلام، أو الاجتماعات والمؤتمرات المكثفة للمنظمات النسوية، بعضها مصحوبًا بمقترحات وحلول، وأخرى بنداءات لمن بيدهم الأمر ووحدهم يقضون بالحل، وتأتى بين المجموعة الثانية، تلك القضية المتعلقة بحرمان المرأة غير المسلمة المتزوجة من مسلم، من حق الميراث وحق حضانة الأبناء.

وفي مسألة الحضانة، نشير إلى حادثتين ترسخان مدى الظلم الواقع على النساء في هذا الشأن، وهما واقعتين لسيدة مسيحية والأخرى يهودية، الأولى وهي قضية لسيدة تدعى “كاميليا لطفي جاب الله”، وتعود إلى العقد الأول من الألفية الثالثة، وقد عانت مع إثبات حقها فى حضانة طفليها، بعد أن أشهر الأب إسلامه، وأضطرت “جاب الله” إلى رفع 35 دعوى قضائية حتى تتمكن من الحصول على حكم من حكمة النقض بضم الطفلين إليها.

الواقعة الثانية، وهي أسبق فى التاريخ، تخص السيدة “ماجدة هارون”، التي تشغل الاَن منصب الرئيس الحالي للطائفة اليهودية،  ومنذ عقود أذعنت بعد طلاقها من زوجها المسلم، للمفروض قانونيًا، وحُرِمَت من حقها في حضانة ابنتها “المسلمة”.

EGYPT-RELIGION-COPT

وغير هذه الوقائع كثير، فى سلسلة طويلة يحكم فيها القانون المصري بالمنطق الطائفي، وتحرم النساء من حق لا فصال فيه، حتى مع خروج أصوات من قلب المؤسسة الدينية فى مصر، تؤكد حق الأم “غير المسلمة” فى حضانة أبنائها، وهو ما جاء على لسان مفتى الديار المصرية السابق الدكتور “علي جمعة” الذى قال إن الحضانة لا تتوقف على الديانة، فالأم حاضنة دون النظر لديانتها لأن مصلحة الصغير هي الباقية.

وجود رأيين فى مسألة الحضانة داخل الأزهر، أحدهما مع والاَخر ضد، يقابله رفض تام وقاطع في مسألة الميراث.

الأزهر ليس وحده من يرفض إقرار حق المرأة المسيحية فى الميراث من زوجها المسلم، بل الكنيسة أيضًا، وبالعودة إلى عام 2010، عندما أثيرت القضية على نطاق واسع من قبل المجلس القومي للمرأة وعدد من المنظمات الحقوقية، عارضت الكنيسة مثلها مثل الأزهر الأمر بحجة أنه يروج لزواج المسيحيات من المسلمين، معتبرين ذلك استنساخًا لـــ”الأفكار الغربية”، بينما الأمر فى حقيقته هو دعم لحق المرأة فى المساواة، ووقف التمييز على أساس ديني.

لحل المشكلة ظاهريًا وبعيدًا عن إقرار الحق دينيًا وقانونيًا، أفاد عدد من شيوخ الأزهر، بأحقية الرجل المسلم بضمان حق زوجته المسيحية عبر كتابة “وصية”.

فى هذا السياق، تتحدث المحامية سالي الجباس – مدير مؤسسة سيزا نبراوي للقانون، مشددةً على أنه لا يوجد نص في الدستور المصري يمنع المرأة غير المسلمة من حقها في الميراث وحضانة أطفالها مشيرة إلى أن الدستور في مادته الثالثة نص على أن مبادئ شرائع المسيحية واليهودية المصدر الرئيس للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية.

وتابعت المحامية الحقوقية فى تصريحات لـ”ولها وجوه أخرى”، تعليقًا على التناقض الحاصل بين الدستور والقانون وما تعقده مصر من اتفاقيات لإلغاء أشكال  التمييز ضد المرأة، وقالت “الأهم من عقد الاتفاقيات هو تطبيقها والأهم من القوانين هو تطبيق القانون بالعدل والمساواة بين المواطنين، فالكثير من المعاهدات و الاتفاقيات التي وقعت عليها مصر تنص على المساواة بين المرأة والرجل في جميع المجالات، وهو أمر غير متحقق، لذلك ليست العبرة بالتوقيع على الاتفاقيات ولكن العبرة في تطبيقها.”

فى سياق متصل، لفتت “الجباس”، إلى أن المرأة المسيحية لا تعاني فقط إذا تزوجت من مسلم ووقع الطلاق، ولكن في حال الزواج من رجل من نفس الدين والرغبة فى التطليق منه.

وتستطرد “الكنيسة لا تعترف بالطلاق إلا لعلة الزنا، التي يصعب إثباتها، ولا تؤمن بما يسمى استحالة العشرة أو الطلاق لعدم الانفاق مثل المسلمين، مما قد يدفع بالنساء إلى تغيير الملة وعندها يخضعن لقانون الأحوال الشخصية، وسينتج عنه تطبيق ذات النصوص فى الواردة في باب الحضانة، أي أن يكون للأم حق الحضانة فقط إن لم تتزوج مرةً أخرى.”

من جانبه اعتبر أحمد محروس – الباحث وعضو اللجنة الإعلامية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية،  أن حرمان المرأة من حقوقها سواء في الحضانة أو الميراث يعد انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان وللدستور المصري والاتفاقيات الدولية ويبعد تمامًا عن مفاهيم الدولة المدنية.
وتساءل “كيف يضيع حقها بعد سنوات كفاح طويلة مع زوجها؟”، مؤكدًا أنه لا يحق منع المرأة المسيحية في حالة طلاقها من زوجها المسلم من الحضانة والميراث، لأن هذا الوضع يفتح الباب أمام انتشار مفاهيم التشدد.
وأردف قائلًا “يجب أن يُقر قانون للأحوال الشخصية عادل وشامل لكل المفاهيم ويركز على الحفاظ على حقوق كل أطراف الأسرة بعيدًا عن التشدد أو المعوقات.”

وأخيرًا أوضح “محروس” أن الكنيسة بصدد إرسال مقترح قانون للأحوال الشخصية لغير المسلمين، الذي ربما يحمل تغييرًا.