سابقًا اعتبر تقرير التنمية الإنسانية العربية الذى يصدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن ثانى النواقص الأساسية التى تعوق التنمية فى الوطن العربى بعد غياب الشفافية والمساءلة وقبل نقص التعليم، هو غياب “تمكين المرأة” والنقص الشديد فى دعم مشاركتها فى مجال العمل والحياة السياسية والمهنية.
ومع ذلك مازال المصطلح يعلق به الكثير من الشوائب، فى ظل غياب تفسير وافٍ، حتى يتقبل الأفراد هذه الحقيقة التى تقرها الأمم المتحدة.
هل تمكين المرأة يعنى حقوق المرأة؟
كلمة “تمكين” التى تأتى من الفعل “مكن” بمعنى إعطاء الشخص القوة و السلطة أو إتاحة الفرصة والمقدرة له لفعل شئ ما.
وبشكل أكثر تبسيطاً كلمة “تمكين” تعنى تعزيز أو تقوية وبإضافتها لكلمة المرأة، أضحى أكثر تداولاً وانتشاراً فى دول العالم متقدمة ونامية، وصار الغالبية من متداولى المصطلح فى وسائل الإعلام والشارع وحتى السلطة أحياناً يستخدمونه كبديل أو تسمية موازية لبعض المصطلحات مثل “المساواة بين الجنسين” أو “حقوق المرأة” وعلى الرغم من القصور فى هذا التفسير لكنه الأكثر ذيوعاً، وعلى نحو اَخر هناك من يقصر “تمكين المرأة” على الأفعال والمشروعات التى تهدف إلى تحسين حياة الفتيات والنساء.
وبرغم تفاوت تعريف المصطلح من ثقافة لأخرى، لكن يمكن تعريف “تمكين المرأة” بأن تصبح النساء أكثر حرية فى تحديد خياراتهم وأنشطتهم بهدف تحسين معيشتهم حتى تصبح عنصراً نشطاً وفاعلاً وليس متلقياً سلبياً لمساعدة من مصر خارجى.
أو “أنه تلك العملية التي تصبح المرأة من خلالها واعية بالطريقة التي تكتسب على إثرها قوة فى فروع حياتها المختلفة فتكسب الثقة بالنفس والقدرة على التصدي لعدم المساواة بينها وبين الرجل”
ماذا يعنى أن تكونين امرأة ممكنة؟
يمكن تبسيط تعريف مصطلح “المرأة الممكنة” بأنها المرأة التى تملك قرارها، وتحمل هدفاً في الحياة، وتشترك في نشاط مدر للدخل أو في وظائف، متعلمة، وعاملة ولها رأي وقادرة على تقديم المشورة ومساعدة الآخرين، ولديها علاقات جيدة داخل وخارج مجتمعها الصغير سواء كان الأسرة أو نطاق العمل.
كما يشمل التمكين فى تعريفه، بعداً يتعلق بامتلاك المرأة لأسرة صحية وأن تكون قادرة على تحمل مسؤولية أسرتها، وتربية أطفالها بالطريقة المناسبة.

“التمكين يعنى العمل الجماعي في الجماعات المقهورة، أو المضطهدة للتغلب على العقبات وأوجه التمايز التي تقلل من أوضاعهم أو سلب حقوقهم. ومفهوم التمكين والتقوية أساسي لتقدم المرأة فهو يمكن المرأة من اتخاذ القرارات والمطالبة بالحصول على الحقوق والخدمات” (المجلس القومي للمرأة – 2005)

ماذا عن مصطلح “تمكين المرأة” فى مصر؟
ظهر مصطلح “تحرير المرأة” وذاع صيته مع نهاية القرن ال19 واستمر حتى الثمانينيات حتى تحول الحديث تدريجياً إلى “تمكين المرأة”
وفي التسعينيات، أصبح “تمكين المرأة” هو الأكثر استخداماً وتضاءل استخدام “تحرير المرأة”، وخاصة بعد إعلان الحكومات في مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية في 1994، ثم في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين 1995، إزالة كافة العقبات التي تحول دون تمكين المرأة في الجانب الاقتصادي لتتمكن من ممارسة دورها الاقتصادي وتضمن المؤتمر العديد من البنود التي تؤكد على تمكين المرأة منها: المساواة في الحصول على الموارد الاقتصادية والتدريب والمعرفة التي تعزز المكانة الاقتصادية للمرأة .
وتختلف الرؤى ما إن كان الاهتمام الأساسي هو الموجه لقضية التمكين الاقتصادي الذي يعد مقدمة ضـرورية للـتمكين في بقية المجالات.
ورؤية أخرى، ترى التمكين السياسي أولوية كبوابة للتمكين الاقتصادى.
ما أشكال تمكين المرأة؟
بعض الدراسات تميز بين أربعة أنواع:
التمكين الذاتى: السلوكيات التى تكتسبها المرأة بنفسها حتى تتمكن من تحسين معيشتها
التمكين الاجتماعى: زيادة نسبة مشاركة المرأة في القضايا المجتمعية، محلياً وعربياً مع التأكيد على دورها الهام في تكوين القيم الإيجابية على مستوى الأسرة والمجتمع إلى جانب رفع مستوى الوعي للقضاء على كافة أشكال التميز ضد المرأة.
التمكين الاقتصادى: وهو زيادة حجم مشاركة المرأة في سوق العمل، ودعم زيادة قدرتها واعتمادها على الذات، من أجل إسهامها في الحياة الاقتصادية نظراً لأن التبعية الاقتصادية للمرأة تؤدي إلى عرقلة قدرتها على رعاية نفسها.
التمكين السياسي: دعم المشاركة السياسية للمرأة، من خلال زيادة نسبة تمثيلها في مواقع اتخاذ القرار، وزيادة نسبة عضويتها في الأحزاب السياسية والنقابات، والجمعيات المهنية، ومنظمات المجتمع المدني، وزيادة تمثيلها في المؤسسات العربية والإقليمية والدولية.
التمكين القانونى: إيجاد ضمانات و تعديل وإضافة التشريعات التى تحافظ على دور المرأة، وتضمن حقوقها إلى جانب توعية المرأة العربية بحقوقها القانونية، وتطبيق جميع الاتفاقيات الدولية التى تدعم وتحفظ حقوق النساء.
ما أهم ما يعوق تمكين المرأة؟
الثقافة المجتمعية هى عماد رئيس فى الترسيخ لإغفال حق المرأة فى تقرير مصيرها واتخاذ قرارها بحرية مطلقة، إذ تنشأ الفتيات ويتربين أن أجسادهن أهم ما يملكنه وأحياناً ما لا يملكن غيره.
كما تعمد هذه الثقافة للترسيخ أن أى دعوة لتحرر المرأة من قيود مقاييس الجمال والجاذبية أو الالتزام والخضوع لقواعد البطريركية الذكورية، ما هى إلا دعوة لمعاندة الطبيعة التى خلقت عليها المرأة، كما يتم صبغها بأفكار تقضي بكون الحديث عن تمكين المرأة يعنى تقزيم دور الرجل واستيلاء النساء على تلك الأدوار وإلغاء دورها (المتعارف عليه) داخل الأسرة بل وتنازلها من الأساس عن فكرة إقامة أسرة، والخروج عن قواعد الدين والقيم المجتمعية “ما يعرف بالأدب والأصول”،وهذا كله يتعارض مع مفهوم تمكين المرأة نفسه وأهدافه والتى أحدها تحسين وتطوير حياة النساء وأسرهن.
تجتمع هذه الظروف لتدفع كثر من النساء أنفسهن لرفض المصطلح وممارسة تشويهه بأنفسهن.