«ولها وجوه أخرى» تحاور الفلسطينية «ميسون عوده» مؤسسة أول محطة إذاعية نسائية في الشرق الأوسط
تمكين المرأة عبر “نساء أف أم” هو تمكين المرأة العاملة في الإعلام المسموع وتمكين المستمعة
نسبة البطالة بين خريجي الإعلام مرتفعة في فلسطين وتحديدًا بين الإناث، ونساء أف أم تمثل فرصة للعديد من هؤلاء الخريجات
وصول البث إلى جميع المناطق الفلسطينية أحد أبرز التحديات أمام الإذاعة
لا يمكن استثناء الرجال من الإعلام حتى في القضايا النسوية
فخر كبير .. “نساء أف أم” أول مشروع ريادي في فلسطين يحصل على جائزة الريادة المجتمعية من دافوس
“هي سيدة العالم الأولى وملكة جماله وجلاله، على الرجال أن يخجلوا منها، وعلى القمر أن يتوارى.. أنحني وأقبل يد كل امرأة فلسطينية”
هذه الكلمات كتبها الساخر العظيم “جلال عامر” قبل نحو 7 سنوات، تعبيرًا وفخرًا وتأكيدًا على قوة المرأة الفلسطينية وبأسها، فهى امرأة لم تعقها أبدًا القيود السياسية ولا الاقتصادية ولا الاجتماعية، وعلى الرغم من إيماننا الراسخ بذلك، إلا أن الإعلام العربي قلما يسلط ضوءه على هذه الحقيقة، بما فيه الإعلام الفلسطيني نفسه الذى يولى اهتمامًا أكبر للموضوعات التقليدية، فالإعلام الفلسطيني لا يختلف في توجهاته كثيرًا عما هو قائم في بقية الدول العربية، فتخصيص برامج وفقرات للطهى والموضة والصحة باعتبارها أمور تندرج تحت يافطة “شؤون المرأة” عدوى منتشرة، بينما النظرة الأكثر اتساعًا وشمولًا وعمقًا ربما شبه غائبة داخل فلسطين وخارجها، حتى انطلق عبر الأثير راديو “نساء أف أم” في عام 2010، الإذاعة الفلسطينية التى خرجت للنور تعلن عن اتجاه مغاير في الإعلام، تقدم عبر برامجها صورة مختلفة عن المرأة هناك، وترصد دورها الإيجابي في مختلف مناحي الحياة، من خلال قصص لنماذج نسائية ملهمة في قوتها ونجاحها وصلابتها.
ويضيف لقيمة واستثنائية هذه الإذاعة انطلاقها على يد امرأة مثابرة وهى السيدة «ميسون عوده»، التى تعاونت في تحقيق حلمها وتحويل فكرتها إلى واقع ملموس، مع عدد من النسوة الطامحات في غدٍ أفضل للمرأة الفلسطينية والعربية عمومًا.
الفكرة نبتت قبل 7 سنوات، بعد لقاء جمعها بمؤسس منظمة ومانتي Womanity ، التى تعمل على تمكين المرأة عالميًا وهو السويسري “يان بروشيتيدت”، وجرى اللقاء في مدينة القدس، ناقشا خلاله أهمية إطلاق مثل هذه الإذاعة.
بهذه المعلومة بدأت السيدة “ميسون عوده” حوارها لـ”ولها وجوه أخرى”، متحدثة عن منبت فكرة إذاعة “نساء أف أم”، التى تعد أولى من نوعها في المنطقة العربية، فلم نر قبل ذلك إذاعة أرضية أو فضائية تختص بشؤون المرأة، إلا البعض ظهر على الإنترنت فقط.
وعندما سألنا مؤسسة راديو نساء أف أم، عن الدوافع وراء تأسيس الإذاعة قالت “بعد لقائي بشريكي “يان بورشيتيدت” واتفاقنا على أهمية الفكرة، عملت جاهدة على إيجاد الدورة البرامجية المناسبة لإبراز الدور والوجه الإيجابي للمرأة الفلسطينية خاصة والعربية عامة، وذلك من خلال محاور وبرامج مختلفة عبر أثير إذاعة باسم “نساء أف أم”، وأنا كأمرأة عربية فلسطينية وجدت كثيرًا من التضليل في صورة المرأة، وعلى الصعيد الإعلامي يُنظَر إليها كضحية وليس كقضية ومن هنا اَمنت بأهمية مثل هذا المنبر الاعلامي.”
مثل أى إذاعة أو قناة تلفزيونية أو صحيفة مطبوعة، بالتأكيد كان الأمر محكومًا بعدد من الإجراءات الحكومية، لذلك سألناها عن التعامل المباشر مع محافظة رام الله حيث مقر الإذاعة، ومع الحكومة واستقبال الجهات الرسمية للمشروع.
فأجابت قائلة “كان استقبال فكرة إطلاق هذه الإذاعة في فلسطين على المستوى الرسمي، مرحبًا ومشجعًا جدًا، فطالما كان للمرأة الفلسطينية دور سياسي، واجتماعي، واقتصادي، كما أن الجهات الرسمية من خلال الوزارات المسؤولة عن تراخيص إطلاق الإذاعة وأيضًا وزارة شؤون المرأة وجدوها فكرة ريادية تنطلق من بلد عربي له خصوصية في الوضع السياسي والاقتصادي.”
وعن شعار إذاعة “نساء أف أم” الذى يشمل 3 كلمات “موسيقى .. تغيير .. نجاح” سألنا عن دلالات اختيار كلمات الشعار، ولماذا لم تتجه إلى الألفاظ المعهود استخدامها في شعارات أغلب المشروعات الإعلامية النسائية مثل مساواة، حقوق، هى، وما إلى ذلك.
فقالت“عندما أسسنا الإذاعة انطلقنا وفكرتنا أن “نساء أف أم” إذاعة ترفيهية وفي الوقت ذاته لها دور ومسؤولية تجاه المرأة في التوعية والتعريف بحقوقها على جميع المستويات لذلك بادرنا بهذا الشعار، وكوننا إذاعة تجارية رأينا اقتناء الموسيقى الجيدة سيجذب إلينا المستمعات والمستمعين، لهذا فإن جزئية الترفيه كانت مهمة من جميع النواحي، وعندما اخترنا كلمة “تغيير” كنا نعنى أن البرامج تعمل على التوعية والتغيير في الفكر لدى الرجال والنساء ومن هذا التغيير الايجابي يأتي “النجاح” وتمكين المرأة.”
وعن “تمكين المرأة” كان سؤالنا التالى عن كيفية تحقيق “التمكين” عبر الصحافة المسموعة.
فردت قائلة “التمكين بالنسبة لنا من جانبين؛ أولًا تمكين المرأة في مجال الإعلام المسموع، أي خلق مناصب إدارية لها وجعلها مسؤولة عن إنتاج الخبر بنفسها، وإذا نظرنا إلى نساء أف أم، نجد أن الطاقم في مجمله نساء تخرجن من الجامعات الفلسطينية ووجدنا وظيفة في مجال الاذاعة، مع الإشارة إلى أن نسبة البطالة بين خريجي الإعلام مرتفعة في فلسطين وتحديدًا بين الإناث، لذا فإن إذاعة نساء أف أم تمثل فرصة للعديد من هؤلاء الخريجات.”
وتضيف “أما الجانب الثاني، تمكين النساء المستمعات فهذا يحدث عندما يكون مضمون البرامج متعلق بالتوعية بحقوق المرأة في جميع المجالات بدون استثناء، ومثلًا لو نظرنا إلى برنامج عن التوعية في الحقوق الاقتصادية للمرأة فإننا نعمل على رفع ونشر التوعية وبالتالي تزداد معرفة النساء بحقوقهن ونحقق التمكين والثقة بالنفس للنساء.”
“فلسطين”بلد ذو طابع استثنائي وتحت ظروف خاصة فى ظل احتلال، وهذا يفرض تساؤلًا بشأن الجرعة السياسية فيما تقدمه الإذاعة، فهل تولى نساء أف أم اهتمامًا أوسع بهذا الجانب على حساب المشكلات المجتمعية للمرأة.
أجابت “ميسون عوده” على هذا السؤال قائلة “على الرغم من الوضع السياسي في فلسطين إلا أننا نرى أن هناك إشباعًا فيما يتعلق بالأمور والقضايا السياسية عبر الإذاعات المحلية، لهذا قررنا ألا تكون إذاعة نساء أف أم إذاعة سياسية أي أنها لا تنتمي لأي تيار أو فكر سياسي، وتعطى أولوية للأخبار المتعلقة بالأمور والقضايا المجتمعية بدءًا من الخاصة بالمرأة مرورًا بالأسرة والطفل حتى المجتمع، ومع ذلك فالحياة الفلسطينية بكل دروبها تتأثر بالسياسة فلا يمكن مثلًا أن نستثني السياسة من قضية نساء يلدن على الحواجز أي أن الوضع الصحي للمرأة يتأثر بالسياسة وحالها ووضعها الاقتصادي والتعليمي وغيره يتأثرون بالسياسة.”
وعن النقاشات على راديو “نساء أف أم”، ما إن كانت تقتصر على القضايا المحلية أم تعبر الحدود لتتناول القضايا العربية خارج حدود فلسطين، أخبرتنا “عوده” أن الإذاعة تبث 3 برامج رئيسة يوميًا من الأحد إلى الخميس وكلًا له طابعه، فبعض البرامج مثل برنامج العصر يقوم بجولة بين أخبار النساء في العالم العربي تحديدًا وفي برنامج الصباح فإن القضايا أو المستجدات المحلية تأخذ حيزًا كبيرًا.
وعن أبرز القضايا التى يحرص فريق العمل على مناقشتها دائمًا، قالت “أبرز ما نتطرق إليه هو قضايا المواطنة والمواطن الفلسطينيين، إلى جانب برامج التوعية في الأمور التي تتعلق بالمرأة مثل العنف والحقوق والتعليم لها حيز كبير في دورة البرامج.”
من يستطلع الموقع الإلكتروني للإذاعة، يجده لا يقتصر على بث برامج أو محتوى موسيقي، بل هناك مساحات إخبارية “مقروة”، وتقارير مسجلة وأخرى مصحوبة بصورة.
لذا كان لابد أن نسأل، هل إذاعة نساء أف أم جزء من مشروع إعلامى متكامل بصدد التوسع ليشمل الأشكال الإعلامية الأخرى، بين مقروء ومرئي إلى جانب المسموع؟
فردت “عوده” بالإيجاب، موضحة أن الموقع الالكتروني هو ما يُعرف بــــmultimedia platform يشمل التقارير في مجالات متعددة، وأضافت: “لابد أن نواكب الحداثة في الإعلام من أجل الوصول إلى أكبر عدد ممكن من القراء والمشاهدين والمستمعين إناثًا وذكورًا، ونحن بالفعل نعمل الاَن على إطلاق منصة إقليمية باسم شبكة نساء أف أم لتكون امتدادًا لمشروع الإذاعة ونأمل أن تكون أول منصة شاملة للمرأة في العالم العربي أيضًا.”
تبين لنا من خلال البحث السابق لحوارنا مع السيدة “ميسون عوده”، أن الإذاعة تدخل عامها السادس، صمدت الإذاعة طيلة هذه الفترة على الرغم من خصوصيتها، ومحدودية عدد العاملات والعاملين بها، وبالقطع هناك عوائق أخرى واجهت مؤسسة الإذاعة وفريق العمل، وهو ما أردنا معرفته منها، فأجابت تساؤلنا بــــ “كانت التقنية بمعنى وصولنا إلى جميع المناطق الفلسطينية أحد أبرز التحديات، وذلك بسبب وجود الكثير من الإذاعات في المنطقة وهو ما قد يؤثر علينا بصورة سلبية . أيضًا هناك تحدى اَخر وهو إقناع المستمعين من الذكور بأن نساء أف أم إذاعة تنظر إلى الرجل والمرأة كشركاء في الحياة والتغيير وليس كأعداء وقد نجحنا الحمد لله فى ذلك ونرى أن نسبة المستمعين من الرجال أعلى بقليل من النساء.”
أفادتنا مؤسسة “نساء أف أم”، أن الإذاعة تصل إلى جميع مدن فلسطين باستثناء مناطق في قطاع غزة، وبما أن الطرف الذى يحدد مدى فعالية أى مشروع إعلامى ومستوى نجاحه في تحقيق هدفه هو الجمهور، سألناها عن مدى تفاعل الجمهور مع الإذاعة.
وهنا أكدت لنا أن الجمهور يتفاعل من خلال البرامج والاتصالات وأيضًا الإعلام الاجتماعي من خلال بوستات وغيرها من أدوات التفاعل، لافتة إلى حرص فريق العمل من خلال البث الخارجي على استقطاب اَراء المستمعات والمستمعين في الشارع الفلسطيني.
بحسب بيانات فريق العمل المنشورة على موقع الإذاعة الإلكتروني، فإنها تضم عاملين من الجنسين ولا تقتصر على النساء فقط، وهذا ما دفعنا إلى طرح سؤال واضح عن رأيها في الفكر المنتشر بشأن عمل النساء وحدهن في المشروعات الإعلامية النسائية سواء إذاعات، أو صحف أو مجلات.
وكانت إجابتها أكثر وضوحًا “لا أوافق على هذا الرأي بتاتًا، لأنني أؤمن أن التغيير الاجتماعي يؤتى ثماره من خلال تفاعل الذكور والإناث، وأية قضية اجتماعية فيها الطرفين “الذكر والأنثى” لذلك لا يمكن استثناء الرجال من الإعلام حتى في أي أمور وقضايا نسوية، الفكر الحديث اليوم يشمل الرجال والنساء معًا ولا أرى أن الرجل ممكن أن يكون عدوًا للمرأة والفكر الجيد أن يكون شريكًا وليس منافسًا.”
النساء في نظر “ميسون عوده” وفريق عمل “نساء أف أم” منتجات إعلاميًا، يشاركن في صناعة المحتوى، وهو ما خلق رؤية واضحة لديهن عما يشعل حيزًا كبيرًا من اهتمام المرأة الفلسطينية وهو القضايا الاجتماعية والحقوقية بحسب ما قالت “عوده”.
لم يكن ممكنًا أن ينتهى الحوار دون أن نسأل السيدة “ميسون عوده”، عن جائزة الريادة المجتمعية على مستوى الشرق الأوسط، التى حصلت عليها خلال مشاركتها في المنتدى الاقتصادي العالمى “دافوس” العام الماضي في الأردن، والتى اعتبرتها فخرًا كبيرًا ليس لها فحسب وإنما لفريق عمل الإذاعة بالكامل، وقالت “فخر كبير أن تكون الإذاعة أول مشروع ريادي في فلسطين يحصل على هذه الجائزة، وهي تعني الكثير لنا كمشروع نسوي تحديدًا.”
واختتمت بالقول “هذه رسالة بأن المرأة العربية الفلسطينية دومًا تتألق وتنجز على الرغم من ظروفها الصعبة.”