يمر اليوم الدولى لمناهضة العنف ضد المرأة فى نسخته رقم “15” (حددته الأمم المتحدة عام 1999) وسط واقع مفجع تعيشه المرأة فى كل مكان، ولا تخلو دولة واحدة مهما كان تقدمها وتطورها من ظواهر سلبية تستهدف المرأة.
وعلى الرغم من تباين وضع المرأة من دولة لأخرى وفقًا للثقافة المجتمعية أولًا وتعامل الدولة وقوانينها فى هذا الشأن ثانيًا والمرأة نفسها ومدى رضاها عن وضعيتها ثالثًا.
وهذا ما توضحه لنا طبيعة جرائم العنف المتفشية فى دول عديدة حول العالم، وعلى سبيل المثال فى الكاميرون تنتشر جريمة – وهذا الوصف الدقيق لها – “كى النهود” كما تكوى الملابس والتى يقوم بها الأهل بهدف تأخير نضوج الفتيات خوفًا من ظهور إمارات الأنوثة على الفتيات مبكرًا، لقناعتهم بأن ظهورها سيزيد من فرصة تعرضهن للاغتصاب والحمل المبكر.
وللاَسف هذه الجريمة لا تقتصر على الكاميرون وحدها وإنما تظهر فى العديد من دول غرب أفريقيا مثل غينيا الإستوائية و نيجيريا وغينيا
أما باكستان، فتتعرض 200 امرأة سنويًا على الأقل إلى العنف بالتشويه بهجمات الماء الحامض على يد الرجال في باكستان، باستهداف وجوههن، وذلك في حال رفضهن للزواج منهم أو عدم تقبل التحرش بهن، بينما تقف الدولة عاجزة أمام هذا العنف المتعمد ضد النساء.

“إلى كل النساء في باكستان اللواتى يعملن من أجل التغيير، لا تتخلين عن أحلامكن، هذه من أجلكن”
المخرجة الباكستانية”شارمين تشينوي”
مخرجة فيلم “إنقاذ وجه” الذى يرصد عدة حالات لنساء باكستانيات شوهت بوجههن بالأحماض

وحينما نتحدث عن السودان، نجد إستباحة جسد المرأة فيها تأتى مبكرة جدًا، إذ تتعرض الفتيات هناك لأبشع أشكال ختان الإناث المعروف بالختان الفرعونى أو ختان الدرجة الثالثة والذى يقوم على تشويه كلي للجهاز التناسلي الأنثوي من خلال بتر كلى للأجزاء الخارجية
وتنتشر هذه الجريمة على الرغم من وجود قانون يجرم هذا الشكل من الختان وحده دون ما يعرف بختان السنة ( الذى تعتبره السودان جزءًا من الشرع الإسلامى)، مما يُظهِر جليًا الثقافة المجتمعية المهادنة لهذا الانتهاك الجسدي الجنسي والتى تفوق فى قوتها القانون.
عن اليمن، فالمرأة هناك تباع وتشترى فى مجتمع رعوى يعرف المرأة كوعاء جنسي لإفراغ شهوات الرجل.
ينتشر بيدوفيليا pedophilia (مرض اشتهاء الأطفال) الموجه ضد الفتيات فى هذا المجتمع، ليفتح بابًا أمام ارتفاع نسب زواج القاصرات هناك، حتى أن اليمن تعد الأولى عربيًا فى معدلات زواج القاصرات وتأتى فى المركز الـــ 13 ضمن قائمة أسوأ 20 دولة فى معدلات زواج القاصرات.
إلى جانب الإضطرابات النفسية والجنسية التى تساهم فى تفشي هذه لكارثة الإنسانية ،يظهر ثنائي الجهل والفقر من أهم مبررات إتساع رقعة زواج القاصرات فى اليمن
تشهد اليمن يوميًا وفاة فتيات صغيرات والسبب الزواج والحمل المبكر، ومع ذلك يظل الإذعان المجتمعى لهذه الظاهرة قائمًا دون أى تغيير.

“هربت من الزواج ، هربت من الجهل، هربت حتى لا يتم شرائي وبيعى”

ندى الأهدل طفلة يمنية لم تتجاوز ال11 عاماً هربت من أهلها بعد أن أصروا على تزويجها فى هذه السن المبكرة

إنتقالًا إلى الوضع فى مصر، العنف ضد المرأة تتوحش صوره وتتشعب فروعه من عام لاَخر والأرقام والإحصاءات تكشف مدى التراجع الذى تشهده المرأة المصرية فى المجالين الخاص والعام.
ووفقًا لاستطلاع رأى أجريناه بشكل مباشر على عينة من (30) فتاة وسيدة فى الفئة العمرية (20 -35) طرح أمامهن ثلاثة أشكال من العنف ضد المرأة:
1) العنف الجنسي
2) العنف الأسرى
3 ) العنف فى إطار سياسي
جاء ترتيبهن لأشكال العنف الأكثر إنتشاراً فى مصر كالاَتى:
“العنف الجنسي” فى المرتبة الأولى بنسبة 53 %
و من بعده “العنف ذو البعد السياسي” بنسبة 27 %
و فى المرتبة الثالثة “العنف الأسرى” بنسبة 20 %
ويعد “العنف الجنسي ضد المرأة” أكثر أشكال العنف ضد المرأة تفشيًا فى المجتمع المصرى والذى يندرج تحته عدة صور وأبرزها: التحرش الجنسي بمختلف أشكاله والاغتصاب سواء من قبل غريب أو الشريك (الزوج) – الاعتداء الجنسي
ولرؤية أعمق حول “العنف الجنسي ضد المرأة ” فى مصر وتحديدًا فى ثلاث محاور:
تعامل الدولة مع هذا الملف – أبرز وقائع العام الماضى – القانون المأمول تشريعه من البرلمان المقبل
يتحدث “فتحى فريد” منسق مبادرتى فؤادةWatch وشفت تحرش، ويوضح بعض المغالطات المتعلقة بمفهوم العنف الجنسي لدى القطاع الأعرض من النساء والرجال معًا ويقول: أبرز المغالطات تظهر فى تعريف التحرش الجنسي، فهناك من يعتبروا التحرش اللفظى أو المعاكسة مداعبة مقبولة وهذا لا يقتصر عل الرجال بل بين النساء أنفسهن، مشيرًا إلى أن الاغتصاب الزوجى غير معترف كشكل من أشكال العنف الجنسي ضد المرأة لدى قطاعات واسعة وتحديدًا داخل الأطر الرسمية.
وعن أبرز وقائع العنف الجنسي والتى لاقت صدىً واسع خلال العام الماضى، اعتبر “فريد” أن واقعة التحرش بطالبة كلية الحقوق والتى عرفت إعلاميًا بواقعة ” تحرش جامعة القاهرة”، لافتًا إلى أن التعامل الرسمي مع هذه الواقعة ظهر من خلال رئيس جامعة القاهرة الدكتور جابر نصار والذى اتسمت ردود فعله بالتضارب ما بين نفي فى بادئ الأمر إلى اعتراف بوقوع الحادثة فيما بعد مع تحميله المسؤولية للفتاة بسبب ” ملابسها” وصولاًا إلى الإعلان عن تحقيقات فى الواقعة وسياسيات جديدة سيتم إتباعها داخل الجامعة لتأمين عدم تكرار مثل هذه الواقعة لكن يظل رد الفعل الأولى هو العنوان الرئيس.
وعلى النطاق الأوسع فيما يخص ملف العنف الجنسي ضد المرأة، يرى “فريد” أن الدولة تظهر إهتمامًا ملحوظًا فى التعامل مع ملف العنف ضد المرأة خاصة فيما يظهر من مبادرات رسمية من قبل الدولة لافتًا إلى تبنى الحكومة لإستراتيجية وطنية لمواجهة كافة أشكال العنف ضد المرأة.

“لكن تظل الفجوة بين الواقع وما هو مأمول كبيرة ” يقول فتحى فريد، وعند نفس النقطة يبدى قلقه بشأن ما تناقلته وسائل الإعلام مؤخرًا عن تحرش ضابطين بزوجة ضابط اَخر ومن ثم حدوث مشاجرة بين الزوج و الضابطين المتحرشين ، متسائلاً كيف لمن يناط به تنفيذ القانون أن ينتهكه؟
أما عن العنف ذو الأبعاد السياسية، والذى حل فى المتربة الثانية وفقاً لإستطلاع الرأى الذى أجريناه
تحدثنا جيهان أبو السعود رئيس الإتحاد النسائي، وتبدأ أبو السعود حديثها بالقول: “مصطلح [العنف السياسي] غير دقيق لكن فى الغالب ما يظهر هو عنف ذو أبعاد سياسية وفى الغالب يأتى فى قالب عنف جنسي كالتعرض للناشطات بالتحرش الجنسي والإغتصاب والتهديد والإيذاء الجنسي لفظيًا مضيفة الطعن فى الشرف والسمعة الذى غالبًا ما تتعرض له القيادات السياسية النسائية المناوءة للنظام الحاكم.
وأردفت جيهان أبو السعود قائلة: أبرز وقائع العنف فى هذا الصدد كانت حادثة الاغتصاب الشهيرة التى وقعت فى ميدان التحرير خلال إحتفالات تنصيب السيسي رئيسًا والزخم السياسي الذى أحاط بالحادثة جعل الدولة تتخذ موقفًا إيجابيًا لأول مرة. ”
وتضيف أنه فى الوقت نفسه لا يمكن إعتبار الموقف المتخذ موقف الدولة كليًا وإنما موقف رئيس الدولة
وعن تمثيل المرأة فى البرلمان المقبل أبدت عدم تفاؤلها بشأن تمثيل المرأة فيه وتقول: الإرهاصات تنبئ بأنه سيكون هناك عدد من المرشحات ولكن ليس تمثيل يليق بالمرأة خاصة فى ظل مشهد ضبابي غير واضح المعالم حتى الاَن، كل ما يفوح به هو عودة الاَليات القديمة المتبعة فى الانتخابات متمثلة فى التحالفات والمال السياسي مختتمة كلامها بالقول “بشكل عام المؤشرات غير مبشرة .”

وعن القانون المأمول أن يتم تشريعه من البرلمان المقبل:
يقول فتحى فريد أن قانون شامل ضد كافة أشكال العنف ضد المرأة وفيما يخص قانون التحرش لابد من إدراج عقوبات بديلة للحبس والغرامة المقررين بالقانون، بهدف تغيير سلوك المتحرش حتى لا يتكرر إرتكابه لمثل تلك الجرائم.
فيما ترى جيهان أبو السعود أنه لابد أن يكون قانونًا لمواجهة العنف المنزلى وتفعيل قانون التحرش الذى صدر خلال هذا العام بشكل فعلى وعلى كافة الأصعدة.