وداعـــــــًا«فاطمة المرنيسي»..امرأة طوعت قلمها لمحاربة واقع “الحريم” ووهبت عمرها لكسر التابوهات
الجرأة ليست جعجعة بلا طحن، وإنما أقوال تتحول لأفكار تعتمل داخل العقول، لعل العقل يبدل فعل صاحبه، مفهوم الجرأة على هذا النحو، هو ما جسدته “فاطمة المرنيسي، التى اقتحمت أسوار المُحرم، لتمضي فى طريق محفوف بأشواك المتنطعين من ناحية، والذكوريين من ناحية أخرى.
غيبت الأقدار، يوم الاثنين الماضى- 30 نوفمبر، الكاتبة والمفكرة المغربية “فاطمة المرنيسي”، لتغادر ركب الحياة امرأة استثنائية، سخرت علمها ومعرفتها لنقد وضعية المرأة فى العالم الإسلامى وليس فحسب بل تقدمت فى نقد وضعية المرأة الغربية أيضًا، منطلقة مما توصلت إليه، كون المرأة أسيرة “الاستغلال” هنا وهناك.
قدمت “المرنيسي” للمكتبة النسوية، مجموعة من أكثر الكتب ثراءً، وجرأةً، واستنارةً، إذ فتحت أفاقًا جديدًا ، فى بحث موضوعات شائكة فى مجتمعاتنا، منها؛ نساء النبي، وتعدد الزوجات، الحجاب، تولى المرأة مقاليد الحكم فى الإسلام.
نُشِر لها ما بين 15- 20 كتابًا وبحثًا، وترجمت أعمالها إلى 25 لغة، ويأتى على رأس ما أثار الجدل من انتاجها؛ “ما وراء الحجاب” و”الجنس كهندسة اجتماعية”، و”هل أنتم محصنون ضد الحريم”، الحريم السياسي- النبي والنساء”، “الجنس والأيديولوجيا والإسلام”، “شهرزاد ليست مغربية”، “الحريم والغرب”، “سلطانات منسيات”، و”العالم ليس حريمًا”.
أكاذيب أحاطت بها
“تتنكر لهويتها العربية ومرجعيتها الإسلامية”
على العكس تمامًا، عمدت “المرنيسي” إلى تأكيد أن نصوص الدين الإسلامى، فيما أتى بالقراَن على وجه التحديد، يحمل مساحة واسعة من الحرية للمرأة، بعكس النسق التاريخي الذى يسمى بالتاريخ الإسلامى، حيث عانت المرأة من ردة غير مؤسس لها فى أصل الدين، وإنما فرضتها سلطوية الرجل، والتقاليد الذكورية.
“تدافع عن الغرب وتراه أفضل للنساء”
لم يكن ذلك صحيحًا بالمرة، وأكبر دليل هو كتابها “هل أنتم محصنون ضد الحريم؟”، الذى تكشف فيه أن الرجال الأوروبيين أيضًا يحلمون بالحريم، وأن “الحريم” ليس مصطلحًا قاصرًا على العرب وإنما له أصول غربية، وتطرح فى لوحة تعبيرية أن مفهوم المرأة “الجارية” يراود العقل الغربي، ودلالات ذلك، يمكن قراءتها، من خلال الإعلانات الغربية، وعارضات الأزياء هناك، لتؤكد أن استغلال المرأة وتشيئها موجود فى الثقافة الغربية أيضًا.
حجزت مكانها بين النساء الأكثر فى تأثيرًا فى العالم
حلت “فاطمة المرنيسي”، ضمن قائمة أقوى 100 امرأة بالعالم، بالقائمة التي أصدرتها مجلة ’’أريبيان بيزنيس’’ عام2013، في المرتبة 81.
وُصنِفت ضمن لائحة المناضلات الـ100 الأوائل الأكثر تأثيرًا في العالم، التى أصدرتها صحيفة “الجارديان” البريطانية عام 2011.
«مصادرة .. اتهام بالتزوير ..تكفير»
اتُهِمت “فاطمة المرنيسي” بتزوير التاريخ الإسلامى، ليتوافق مع ما تريد إثباته عن الدين، وأنها تقحم فلسفتها الشخصية على السياق التاريخي، وأدعى البعض أنها تنتقى من التاريخ ما يناسب ما تسعى لإثباته عن حقوق المرأة فى الإسلام كما تريده هى، دون تحقق أو تثبت.
هذا الاتهامات لاحقتها بعد نشر كتابها “الحريم السياسي: النبي والنساء”، والذى أحدث هزة قوية فى المجتمع العربي والإسلامي، بعد أن رفع اللثام عن كثير من مواضع يتعمد قطاع من مقدسي التراث إخفاءها، مثل قصة السيدة سكينة حفيدة النبي والتى أوردتها فى الكتاب وتقول: “من هن هؤلاء النساء المسلمات اللواتي قاومن الحجاب؟ إن أشهرهن “سكينة” إحدى حفيدات النبي (ص) من ابنته فاطمة، زوجة علي.”
وتضيف “المرنيسي”: “ولدت “سكينة” في عام 49 هجرية، لقد اشتهرت بجمالها وما كان يسميه العرب جمالها هو خليط متفجر من اللطف الطبيعي والعقل الانتقادي والفصاحة اللاذعة، لقد تخاصم حولها الرجال الأكثر قوة، خلفاء وأمراء طلبوا الزواج منها ولكنها احتقرتهم لأسباب سياسية، مع ذلك سوف تنتهي إلى الزواج خمس مرات، وبعضهم يقول ستة، لقد عارضت بعضهم وأظهرت حبها للبعض الاَخر وقاضت أحدهم أمام المحكمة لعدم أمانته ولم تظهر الطاعة لأحد، في عقود الزواج كانت تشترط أنها لا تطيع الزوج ولا تفعل إلا ما يوحي به عقلها، وألا تعترف لزوجها بحق تعدد الزوجات.”
صودر كتاب “الحريم السياسي” لأكثر من ثلاثة عقود فى عدد من الدول العربية، وبسببه طالها تهم كثيرة وهجمات لا حد لها، وصلت فى حين إلى درجة “التكفير”.
ولم يكن وحده “الحريم السياسي”، الكتاب الذى تم مصادرته لــ”فاطمة المرنيسي”، فقد لاقى نفس المصير عددًا من كتبها مثل: «الحجاب والنخبة الذكورية»، و«الجنس كهندسة اجتماعية»، و«سلطانات منسيات» و”هل أنتم محصنون ضد الحريم؟”
قليل عنها
ولدت “فاطمة المرنيسي” في مدينة فاس المغربية عام 1940، لعائلة عرف عن أفرادها قربهم من صُنّاع قرار الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار الفرنسي، فحظيت بالتعليم في المدارس التابعة للحركة الوطنية وقت الاحتلال، ومن ثم واصلت مسارها التعليمي في الرباط، قبل أن تنتقل إلى فرنسا ثم إلى الولايات المتحدة، لاستكمال مسيرتها إلى أن حصلت على الدكتوراة في العلوم الاجتماعية، ثم عادت إلى المغرب أستاذة باحثة في المعهد القومي للبحث العلمي، وفي كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس، ثم عضوًا في مجلس جامعة الأمم المتحدة.
أسست مبادرة للدفاع عن حقوق المرأة تحت اسم «قوافل مدنية»، كما ساهمت في إطلاق تجمع «نساء، أسر، أطفال»، وحصلت “المرنيسي” على جائزة أمير أستورياس للأدب الإسبانية عام 2003.