المرأة أيقونة الاحتفال بـــ«شم النسيم» منذ اَلاف السنين.. بصوتها تحلو الأجواء وبيديها تنعم الأسر
“يُبكِّرون بالذهاب إلى الريف المجاور، راكبين أو راجلين، ويتنزهون في النيل، ويتجهون إلى الشمال على العموم؛ ليتَنَسَّموا النسيم، أو كما يقولون ليشموا النسيم. وهم يعتقدون أن النسيم – في ذلك اليوم- ذو تأثير مفيد، ويتناول أكثرهم الغذاء في الريف أو في النيل”
إدوارد وليم لين – المستشرق الإنجليزى – 1834
أكثر أعياد مصر أهميةً، وتعبيرًا عن هويتها، يحتفل به المصريون كافة من الجنوب إلى الشمال ومن الغرب إلى الشرق، كل يؤدي نفس الطقوس مهما مر الزمان، ومهما تباينت ثقافته.
تميز عيد “شم النسيم أيقونات بعينها، مثل؛ الحدائق، والنيل، والأسماك المملحة وتحديدًا الفسيخ والرنجة، بالإضافة إلى الخضرة والزهور، كل هذا هو أول ما يرد بالخاطر بمجرد ذكر اسم العيد، لكن المرأة أيضًا تعد رمزًا وأيقونة في هذا اليوم الاستثنائي، بحضورها، صوتًا وصورة، قولًا وفعلًا، منذ بدء الاحتفال بالعيد منذ أكثر من 5000 اَلاف سنة.
كان القدماء يحتفلون بالعيد تحت اسم “شمو” الذى تحول مع مرور الزمن إلى “شم النسيم”، وكانوا يحتفلون به في الـــ25 من شهر برهمات الذى كان يعتبر بالنسبة لهم يوم بدء الخليقة والكون.
شم النسيم .. يبدأ وينتهى عند المرأة الفرعونية
المرأة فى ذلك الزمان أصل الاحتفال بهذا المهرجان الشعبي، منذ بزوغ شمس اليوم، وقبله بأيام تقضي وقتًا تجفف الأسماك وتملحها وتقدمها للاَلهة داخل المعابد، يبدأ اليوم مع الفجر فتخرج مثلها مثل الرجل، تستقبل الشمس عند شروقها في اليوم العظيم، ومن ثم تجلس أمام البيت تلون البيض وتتفنن فى النقش عليه وزخرفته، ومن بعدها تشارك فى احتفالات الخروج الجماعي فى الساحات الخضراء وعلى ضفاف النيل.
أما الفتيات يصنعن من حبات الملانة الخضراء (الحمص الأخضر) عقودًا وأساور للتزين بها خلال الاحتفال، علاوةً على ذلك كن يستخدمنها في تزيين الحوائط ونوافذ البيوت.
وأكثر مظاهر الاحتفال ارتباطًا بالمرأة وقتذاك، كان “زهرة اللوتس” التي كان يقدسها المصريون، ويقدمها الرجل للمرأة تعبيرًا عن الحب، وتأكيدًا عليه ضمن طقوس الابتهاجات.
شم النسيم ..”الست” عنوانه من البيت للحديقة للجلسة على النيل
لم يتغير الوضع كثيرًا عما كان عليه منذ اَلاف السنين، فقد أضحى صوت “سعاد حسني” وهي تغني أغنيتها الشهيرة “الدنيا ربيع” أول ما تصبح عليه الاَذان يوم شم النسيم، والبيض مازالت تلونه الأمهات لأطفالهن، وصور النساء وهن يحملن الفسيخ أو يلون البيض موضة حرصت عليها نجمات سينمائيات كثيرات.
سفرة الأسماك المملحة، تتفنن النساء في إعدادها لأسرتها، والحدائق تعج بهن من كافة الأعمار، نسوة متقدمات في العمر مازلن يشتقن للنسيم الذي اعتدن عليه من نعومة أظفارهن، وطفلات يتحسسن جمال الربيع، يلهون بين خضرته وأرجوحاته، وشابات اقتنصن فرصة للابتهاج وسط أيامًا ملغمة بالشقاء، وأمهات يصحبن أطفالهن بحثًا عن الفرح.
الظلام وفتاويه يلاحقون المرأة حتى فى شم النسيم
في العقدين الأخيرين، تعالت حناجر التحريم، وأوسعونا ظلامية بفتاوى تحريم خروج النساء للاحتفال بشم النسيم، واعتبار المرأة التي تخرج للاحتفال في الحدائق والمتنزهات في هذا اليوم، “كافرة” خاصة ولو كانت وحدها دون وليها كان زوجًا أو أبًا أو أخًا.
وطفت هذه الفتاوى بقوة على السطح خلال سنة حكم الإخوان، حيث تزايدت فتاوى مشايخ السلفيين والإخوان التي تعتبر احتفال المرأة باليوم، “إثـــم عظيـــم ” من خلال خطب في المساجد والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي نزولاً إلى توزيع منشورات فى الشوارع وكذلك عبر قنواتهم الفضائية.
شبح “التحرش” يجد طريقه ممهدًا في “شم النسيم”
في الاَونة الأخيرة، أضحت الأعياد فى مصر، مواسمَ للتحرش الجنسي، وتبدلت الأجواء الابتهاجية والفرحة إلى زحام وتزاحم يمثل تربة خصبة للمتحرشين، وهو ما استدعى تحرك مبادرات تناهض التحرش الجنسي، خلال أيام العطلات، لتأمين احتفال الفتيات والسيدات وضمان يوم اَمن لهن، لكن هذه السنة، لم تظهر هذه المبادرات كما اعتادت وعودت الشارع القاهري لأكثر من أربع سنوات، وتتعدد الأسباب في هذا الشان، ولكن الأبرز فيها هو الامتناع عن إصدار التصاريح اللازمة من قبل وزارة الداخلية للتحرك وممارسة حملات التوعية الميدانية والتأمين حول أماكن التجمعات، وأيضًا الخوف من الاستعداء المفروض من قبل أجهزة الدولة تجاه كيانات المجتمع المدني في الفترة الأخيرة، لتحتكر القوات الشرطية شوارع منطقة وسط البلد، بعد إعلان وحدة مكافحة العنف ضد المرأة بوزارة الداخلية، عن تشديدات أمنية لمواجهة الظاهرة.