مسلسل كان ينتظره كثيرون، ليس فقط فى مصر بل وخارجها، قبل حتى إذاعة المقطع الترويجي له، كان اسم “حارة اليهود” كفيلًا بأن يستثير الجمهور ويزيد من حجم منتظري المسلسل، الذى يتحدث عن الطائفة اليهودية فى مصر، خلال حقبة تاريخية هامة، فيما بين عام 1948 وهو العام الذى تأسست فيه دولة إسرائيل وحتى عام 1956، عام العدوان الثلاثي، وهذه الفترة شهدت خروج العدد الأكبر من يهود مصر.

656320806592703

العمل يعتبر من المسلسلات ذات البطولة النسائية المطلقة خلال موسم رمضان 2015، حيث يدور بشكل رئيس حول «ليلى» التى تؤدي شخصيتها منة شلبي، وهى فتاة يهودية مصرية، تتسم بالوطنية وتناهض تأسس الكيان الصهيونى، والحلقة الأهم فى قصتها، هى العلاقة التى تجمعها بجارها المسلم الذى يعمل ضابطًا بالجيش المصري.
هذا إلى جانب، شخصيات نسائية أخرى كانت محورًا هامًا فى تطور الأحداث وتسلسلها على رأسها شخصية أم ليلى (دليلة ) و المعلمة زينات، صاحبة أحد بيوت الدعارة الموجود بحارة اليهود، وابتهال ابنة فتوة الحارة “فتحى العسال”.
المسلسل من تأليف دكتور مدحت العدل، وإخراج محمد العدل، وانتاج العدل جروب، بطولة منة شلبي، ريهام عبد الغفور، هالة صدقي، صفاء الطوخى، سلوى محمد على وإياد نصار، وسامي العدل، وجميل راتب، وأحمد كمال، وسيد رجب.

أزياء النساء فى الأربعينيات.. ترسخ لقيمة “التاَخى”ولا تمكنك من التمييز بين مسلمة ومسيحية ويهودية
أظهرت أزياء المسلسل، خاصة بالنسبة للسيدات تقاربًا كبيرًا فى الشكل والقصات، وحتى فى تسريحات الشعر، مما أكد رسالة المسلسل الأساسية فى تنوع وتباين مكونات المجتمع المصري، الذى كان يستوعب الجميع دون تفريق ولو حتى على صعيد المظهر.
المسلسل تحدث عن مصر الجامعة، من خلال قصصات متفرقة، ظهرت النساء أطرافًا رئيسة فيها، ولعب المظهر دورًا كبيرًا فى الترسيخ لذلك المبدأ، وخاصة أنك لو تتبعت الشخصيات النسائية منذ الحلقة الأولى لصعب عليك أن تحدد أيهن ينتمى لهذا الدين وذاك، إلا عندما يذكرن ذلك فلم يكن الملبس أحد معالم تحديد الهوية الدينية كما هو الحال الاَن، ولم تكن الإكسسورات مجالًا لإبرازها.
مع الإشارة إلى أنه قد وجهت إنتقادات، لكون الملابس التى ارتدتها الشخصيات النسائية فى العمل، تنتمى للطبقات الوسطى والعليا وليس الطبقة التى كانت تقطن حارة اليهود وهى الطبقة الفقيرة.

294150324072689

الحنين إلى ماضى «الأوان» والابتعاد عن حاضر «الأبيض والأسود»
تدور أحداث المسلسل حول “ليلى” الفتاة اليهودية التى تجمعها قصة حب بــ”على” ضابط الجيش المصري المسلم، وقد بدأت قصتهما منذ الطفولة، وهما جيران بنفس العقار بحارة اليهود، التي تقع بجوار شارع الموسكي وتتبع حي الجمالية القديم، يقدم المسلسل قصة حب، يرفضها المجتمع المحيط بسبب اختلاف الدين، بينما طرفي القصة يتمسكان بنجاح قصتهما، على الرغم من ذلك الاختلاف، مع تطور الأحداث تتعثر القصة، لا بسبب الدين وإنما لأسباب ذات بعد سياسي، منها مشاركة الحبيب فى حرب فلسطين وغيابه الطويل، وأزمة أسرة “ليلى” ووشوك إفلاسهم بعد حرق الإخوان للمحل الذى يملكه والدها، الأمران الذين يجتمعان ليدفعا “ليلى” للقبول بالزواج من شاب من أثرياء الطائفة اليهودية، لانقاذ والدها من الدين والسجن، ولكن المفاجأة هى عودة “علي” يوم زفاف “ليلي” ورغم تفضيل ” ليلى” الفضحية والتخلى عن الزواج بعد أن تأكدت أن حبيبها مازال على قيد الحياة وقد عاد، إلا أن “علي” قرر فى المقابل انهاء القصة لمجرد الاعتقاد الذى تكون داخلها، عن أنه لن يعود مرة أخرى.
تدخل “ليلى” حالة اكتئاب، وعلى الرغم من وطنية “ليلى” الشديدة وحبها الشديد للمحروسة، والذى يبلغ حد الولع، تقودها حالتها النفسية السيئة للاستجابة لإلحاح شقيقها موسى “صهوينى التوجه”، والموافقة على الذهاب معه لإحدى المستعمرات الإسرائيلية بفلسطين لاستكشاف الأجواء هناك.

546029483200982

بيمنا ينخرط “علي” فى مساع عدد من ضباط الجيش لتحرير مصر من الملك وحاشيته بعد ما تبين من خيانة فى حرب 1948، وما أن يعلم بسفر ليلى إلى إسرائيل إلا ويقرر قطع أى نوايا ساورته بشأن العودة لها مرة أخرى ومبرره أن الوطن وشأنه أهم من حب الفرد.
“ليلى” التى وُضِعت فى اختبار صعب، لم تتأقلم أو تقبل العيش بين الصهاينة، وكان قرارها النهائي بالعودة لمصر لكشف جرائمهم تجاه أصحاب الأرض عندما رأت بعينيها قتلهم لأحد الشباب الفلسطينين خلال حفل زفاف.
تقع “ليلى” تحت طائلة الأسر، وتتعرض للتعذيب الوحشي، حتى يطلق سراحها وتعود لمصر، ليعرف “علي” حقيقة ما تعرضت له هناك وأن الحقيقة تجافي ما نمى إلى علمه.
وعلى الرغم من عودة قصة الحب للحياة من جديد، يقف الدين مجددًا عائقًا، والسياسة حائط صد مرة أخرى.
لينتهى المسلسل عند نقطة عدم اكتمال القصة بعد أن تركت “ليلى” مصر مثلها مثل غالبية اليهود ولكن وجهتها فرنسا وليست إسرائيل، بعكس والدتها وشقيقها الذين فرا إلى إسرائيل ليعيشا هناك.

208179355133325

ترخيص الدعارة وتطوع النساء فى التدريب العسكري
يرصد المسلسل الكثير من الأوضاع التي كانت عليها مصر مثل ترخيص بيوت الدعارة وعلى الرغم من أن مسألة ترخيص الدعارة حقيقة تاريخية، إلا أن المسلسل اقحمها فى الأحداث خلال حقبة كان ترخيص الدعارة فيها قد أُلغىَ، فقد أوقفت الحكومة المصرية تراخيص بيوت الدعارة بالكامل في 1945، وجرمت ممارسة الدعارة، وبالتالي شخصية زينات (صاحبة بيت الدعارة فى حارة اليهود) وبيت الدعارة نفسه خارج السياق وإقحام متعمد لإثبات أن العاملات كان بينهن وطنيات يناهضن الاحتلال الإنجليزي، حيث أظهر المسلسل “المعلمة زينات” ضمن مجموعة المقاومة الشعبية، تستدرج الضباط والعساكر الإنجليز وتقتلهم.

الله هو أنت بتحب مصر أنتِ كمان ولا إيه ؟
فى مشهد القبض على مجموعة المقاومة الشعبية، تظهر “زينات” بين المعروضين على المحقق، الذى ينظر لها باستهزاء واستنكار ويسألها بسخرية: الله هو أنت بتحب مصر أنتِ كمان ولا إيه ؟

من ناحية أخرى، أظهر المسلسل، مشاركة الفتيات فى المقاومة الشعبية، والتدريبات العسكرية، وظهر ذلك فى المسلسل من خلال شخصيتين هما، شقيقة “علي” وابنة اسطفانيوس أفندى الذي قبض عليه ضمن مجموعة المقومة الشعبية التى أشرنا إليها.
«ليلى».. الجميلات هن القويات والمتسقات مع الذات، هن اللائي لا يحكمهن سوى الحب، حب الوطن، حب الأسرة، حب الأرض، حب الاَخر
“ليلي”: هى الفتاة العشرينية، خريجة مدرسة الليسية الفرنسية، تعمل بائعة في متجر شيكوريل أحد أشهر المحال التى كان يمتلكها يهود مصريين.
بدت “ليلى” شخصية عنيدة متسقة مع ذاتها في علاقتها بــ”علي” ضابط الجيش، وهى قصة محكوم عليها بالفشل لظروف مختلفة، من ناحية أخرى ظهرت “ليلى” تجسد نموذجًا للفتاة اليهودية التى تفضل مصلحة الوطن على مصلحة طائفتها، وتأبى الرحيل عنها بسهولة، مهما ضاقت بها الدنيا، وخضعت لضغوط شقيقها المتصهين وذهبت لإسرائيل فى زيارة، أدركت أن الوطن لا غنى عنه، وتيقنت من شكوكها عن أن إسرائيل دولة تُفرَض بقوة السلاح لمجموعة من المشتتين الذى يريدون تكرار محرقة هتلر معهم، بحق أهالى فلسطين.

932594544021413“ليلى” قدمت صورة الفتاة المتسقة مع نفسها، التى لا تخادع المجتمع بما ليس بداخلها، خاصة فى تصرفاتها وقناعاتها، مثل أن تفصح عن حبها من رجل مسلم، لطالما أنها على يقين بأنه ما من شئ يعيب فى علاقتها به.
على نحو اَخر، قدمت “ليلى” نموذجًا للمرأة القوية، التى تحملت ويلات التعذيب على يد جهاز الاستخبارات الاسرائيلية، والتى بلغت حد حلق شعر الرأس تمامًا، وهو أسلوب متبع سواء فى الإيذاء الشخصي أو الإيذاء على يد مؤسسات وأجهزة كبرى، كوسيلة قمع ضد المرأة، لطمس يعد أحد أهم ملامحها كــ”أنثى”.

على الصعيد المهنى، ظهرت “ليلى”عاملة نشيطة، مجتهدة فى عملها، إلا أنها أيضًا كشخصية غير طموحة، تؤدى عملها القائم ولا تتطلع لما هو أعلى درجة أو لتغيير ظروف عملها من أجل تحقيق مزيد من النجاح، وإنما كان التركيز الأكبر على زواجها من الحبيب.
على مستوى التمثيل، فقد استطاعت “منة شلبي” بموهبتها الكبيرة أن تجسد الدور بدرجة عالية من الاتقان والتي اتضحت في اتفعالاتها وتعبيراتها وحتى فى ملابسها ومكياجها الملائم لطبيعة التوقيت الذى تدور فيه الأحداث، دون مبالغة.

19174248678610

«زينات» .. العاملات فى البغاء نساء لهن مشاعر ويعرفن قيمة الحب وبالأخص حب الوطن.
المعلمة “زينات” – تقوم بالدور الممثلة هالة صدقي- هى سيدة تمتلك بيت للبغاء فى حارة اليهود، وعلى الرغم من امتهانها الدعارة، إلا أنها تبدو طيبة القلب، متسامحة، تختص بالحب، فتوة الحارة “فتحى العسال”، الدور الذى يؤديه الممثل “سيد رجب”.
جانب اَخر فى حياة “زينات” يحرص الكاتب على التركيز عليه ليؤكد أن الوطنية لم تكن فى هذا الوقت حكرًا على أحد، وكان الجميع يحب مصر، بغض النظر عن الوسط الذى ينتمي له الفرد، ودون النظر لمهنته، ودون قيد بسبب دينه أو طائفته، فقد ظهرت “زينات” كأحد الضالعين فى مجموعة المقاومة المسلحة، التى تجتذب العساكر الانجليز ثم تقتلهم، ضمن مساع الأفراد والمجموعات لتحرير الوطن.

945735738845542

«ابتهال».. التركيبة المعقدة بسبب أب “بلطجى” وحبيب “لا ينظر لها” وتطلعات “انتهازية” تنتهى بالــ”لا شئ”
“ابتهال العسال” الدور الذى قدمته الممثلة ريهام عبد الغفور ، وهو أحد أكثر الشخصيات بروزًا بالمسلسل، لكونها ذات تكريبة نفسية معقدة، تبدو فى البداية، شخصية شريرة، لكن بمرور الوقت نكتشف أنها تعانى من عقد نفسية تسبب فيها أولًا “الأب” الذى يمتهن البلطجة “فتحى العسال”، والذى تشعر أنه عبء عليها أكثر منه سند، تعتقد أنه بأفعاله وطباعه السبب فى موت والدتها، من ناحية أخرى يتملكها الغل تجاه “ليلى” التى يحبها الرجل الذى أحبته، وتعتقد أنها أحق به لأنها تنتمى لنفس دينه.

من الحلقة الأولى، يتضح لنا أن “ابتهال” تتطلع أن تصل للشهرة وتعشق الرقص، ولكن العائق فى بلوغها الشهرة هو والدها “العسال” الذى يحق له ارتكاب كل الفحش من بلطجة، وجمع إتاوات، والاعتداء على من يشاء، وممارسة البغاء من النساء، والتردد على بيت الدعارة، وفى الوقت ذاته يحول دون بلوغ ابنته الكثير من تطلعاتها، مما يدفعها فى نهاية المطاف إلى الهروب والعمل كراقصة فى أحد الملاهى الليلية، ومنه تسعى للوصول إلى السينما إلا أن أحلامها سرعان ما يكسرها الواقع وتعود لنقطة الصفر.

564499986823648

«تريز».. المرأة اللعوب التى يأبى كتاب الدراما الاستغناء عنها
قدم المسلسل شخصية المرأة اللعوب وهى سيدة مسيحية تدعى “تريز” –تقوم بالدور الممثلة إنجى شرف- وهى زوجة اسطفانيوس أفندى الرجل الخلوق، الذى يشارك فى مجموعة المقاومة المسلحة ويتم اعتقاله.
“تريز” ظهرت تخون زوجها مع “موسى” شقيق ليلى، على الرغم من كونها أم لابنة فى باكورة الشباب.
“تريز” شخصية يتمسك كتاب الدراما بتضمينها فى أغلب أعمالهم بصورة شديدة النمطية، وتظهر المرأة التى تتزوج من رجل أكبر منها سنًا بصورة ملحوظة، أقرب للسقوط فى هوة الخيانة وارتكاب الفحش.

441989955259487

«ماجدة هارون» رئيسة الطائفة اليهودية بمصر ترفع اللثام عن أخطاء بالجملة
كان النصيب الأكبر من نقد المسلسل موجهًا للأخطاء التاريخية، الواردة به من الحلقة الأولى، وأبرز المنتقدين كانت رئيسة الطائفة اليهودية بمصر “ماجدة هارون شحاته” التي قالت – عبر صفتحتها على مواقع التواصل الاجتماعي –وقد رصدت بعض الأخطاء الظاهرة في المسلسل، وأبرزها – على حد قولها- مشهد المعبد أثناء الغارة، لم تظهر فيه الأسفار على البيمة (المنبر) في أي وقت من أوقات العام، هذا فضلًا عن أن مداخل العمارات فى حارة اليهود لم تكن بالوسع والفخامة المبينين بالمسلسل، لافتة إلى أنه مازالت متواجدة حتى الآن على حالها.
وأشارت في ملاحظتها إلى أن الثلاجات الكهربائية لم تكن متاحة للجميع، وخاصة في حارة اليهود، وعن ملابس بطلات العمل قالت “ربما كانت الملابس قصيرة، ولكن الفتحة في الفستان، أو الجونلة حتى منتصف الفخذ لا أظن” كما انتقدت أيضًا ما جاء على لسان بطلة العمل “منة شلبي” أن اليهود الشيوعيين كانوا يلعبوا بــ”مخ الشباب اليهودي لتحوليهم لصهاينة” وهو ما نفته “هارون” تمامًا.