استكمالًا لما بدأناه فى القسم الأول من ملفنا الخاص بــ”ذوات الإعاقة فى مصر ومعانتهن”، نواصل فى هذا القسم، رفع اللثام، عن اَلام هذه الشريحة، ومعانتهن مع الواقع المفروض عليهن.
وفى قسمنا الثانى، نقترب من إحدى بنات هذ الشريحة، والتى تعرضت لحادث اعتداء جنسي.
ويروي والدها قصتها “خطفوها وتناوبوا الثلاثة على اغتصابها، ولم يرحموا ضعفها ولم تقف إعاقتها الذهنية حائلًا دون توحش رغباتهم الشريرة، غير عابئين بصرخاتها وآلامها، وعلى الرغم من ذلك ابنتى كانت قوية وشجاعة، تجاوزت المحنة بعد شهرين، ونجحت فى الحصول على لقب بطلة العالم فى ألعاب القوى لعام 2015 ورفعت علم مصر عاليًا بأمريكا”
إنها الطفلة “ياسمين” ابنة بورسعيد، البطلة الأولمبية.
يواصل “عم محمد” والد البطلة ذات الــ18 عامًا، حديثه ويقول: “ياسمين” تعاني من إعاقة ذهنية تجعلها بعقل طفلة بعمر الــ10 سنوات، ومع ذلك فهي متفوقة رياضيًا ورفعت علم مصر منذ شهرين في أمريكا في بطولة وحصلت على الميدالية الذهبية لتكون الأولى على العالم في رياضة “السلة.”
ويتابع: “الفتاة الرقيقة تتمتع بإصرار وعزيمة جعلتها تتخطى إعاقتها لتحقيق التفوق الرياضي بعد أن انجزت تعليمها بالمدرسة الفكرية، ثم التحقت بالساحة الشعبية لعدم قدرة الأسرة على دفع نفقات أي نادي رياضي، ومع ذلك نجحت في لفت الأنظار إليها من قبل المنتخب الوطني لمصر لذوي الاحتياجات الخاصة.”
ويوضح “عم محمد” أن ابنته كانت مصدر فخر وبهجة للعائلة، على الرغم من محدودية إمكانيات الأب ومعاشه الصغير الذي ينفق منه على علاجه والمعيشة ونفقات الدراسة للأخ الأصغر، مؤكدًا أن “ياسمين” لم تخيب ظن العائلة فى ظل هذه الظروف الاقتصادية السيئة ونجحت في تحقيق أكثر من 30 شهادة تقدير وعدد من الميداليات الذهبية والفضية في بطولات مختلفة بين مصر وأمريكا واليونان.
وبفرحة كبيرة، يستعيد الأب، تكريم الرئيس السيسي، للفتاة عندما حصلت على المركز الثاني على العالم في ” الجري” عام 2014 باليونان، لافتًا أن الفتاة كانت في غاية السعادة.
يستفيض الأب فى روايته لواقعة اختطاف واغتصاب ابنته، فيخبرنا أنها اختُطِفَت من قبل 3 مجرمين، أحدهم عمره 53 عامًا غفير لإحدى العقارات، وفر هاربًا إلى المنيا ولم يعثر عليه حتى الاَن، واثنان عمرهم 23 عامًا من الشرقية، وقد استغلوا عودتها من مركز العلاج الطبيعي وحيدة، وأقنعوا المواطنين الذين لاحظوا صراخها معهم، بأنهم أخوتها ويحاولون إعادتها للمنزل، وكان ذلك في حدود الـ12 ظهرًا.
ويضيف الأب، أن الأشقياء الثلاثة خطفوها على موتوسيكل في منطقة بعيدة عند مصنع البيبسي، وتناوبوا على اغتصابها تحت تأثير المخدرات التى أجبروها على تناولها، بجانب الضرب والإهانة، حتى أدت إلى كسر ذراعها وكدمات مختلفة في أنحاء جسدها.
وأردف قائلًا: “ابنتى أنقذها تفوقها الرياضي، عندما استغلت قدرتها في الجري للهرب من الجناة، بعد فقدان وعيهم بعد تعاطي المخدرات، لتجري مسافة أكثر من نصف كيلو حتى وجدت نفسها أمام قسم “الضواحي”، وتم التعرف عليها نتيجة للبلاغ السابق الذي قدمناه لتغيبها لمدة يومين، موضحًا أنه بعد نقلها للمستشفى لتلقي العلاج والدعم النفسي، اكتشف الطب الشرعي أنها مازالت عذراء .
وعن دور المؤسسات المعنية في مسألة دعم “ياسمين”، يقول الأب أن المجلس القومي للمرأة يدعمها من خلال مكتب شكاوي المرأة وأحد المحامين الذي يتابع القضية، فضلًا عن إرسال وحدة مكافحة جرائم العنف ضد المرأة أطباء نفسيين لدعمها لتجاوز الصدمة، مؤكدًا أن ابنته تمتلك عزيمة قوية، مع الإشارة أن واقعة الاغتصاب كانت قبل شهرين من سفرها إلى امريكا وفوزها بالميدالية الذهبية.
يختتم الأب الذي يمتزج صوته بالخوف والفخر معًا، باَمله أن يوافق محافظ بورسعيد على منحه شقة تابعة للمحافظة، وأن تكون إيجار ويكتبها باسم ابنته “ياسمين”، فمعاشه الذي يبلغ 1500 جنيه، ينفق منه 700 جنيه على الايجار الجديد، وباقي المبلغ ينفقه على ملابس تدريب ياسمين، وعلاجه الخاص بالرئة التالفة، فضلًا عن مصاريف المعيشة وفواتير الكهرباء والمياه.
يبكي الأب قائلًا “اعلم أن ياسمين لن تتزوج، وهي لا تعمل أو تحصل علي أي دخل، وأخشى عليها من الطرد من الشقة والتشريد بعد موتي، لارتفاع سعر الإيجار وخاصة أننا ننتقل كل 3 سنوات في شقة جديدة، لذا تكون شقة المحافظة بمثابة حماية لمستقبل ياسمين من الشارع.”
من جانبها تقول داليا عاطف – الناشطة الحقوقية في مجال الدفاع عن ذوي الإعاقة، أن الفتيات من ذوات الإعاقة يتعرضن لانتهاكات مختلفة، فهن محرومات من التعليم والميراث والزواج والخروج من المنزل وخاصة في الريف والصعيد، فالفتاة تعيش داخل البيت حتى الموت، وهذا يعود لنظرة المجتمع السلبية تجاه الفتيات من ذوات الإعاقة وهن بمثابة عار لأسرهن.
وتروى لنا ” عاطف”، أنها تعرف فتاة من ذوي الاعاقة الحركية “محتجزة” داخل المنزل من قبل والدها، فهو يرفض خروجها أو ذهابها للتعليم، ويقتنع بشدة أنها لا تصلح للزواج وأن مصيرها الوحيد البقاء في المنزل حتى الموت، لافتةً أن هذه الفتاة تتعرض لإساءات لفظية شديدة القسوة وهي تمثل نموذج لمئات من الحالات والمراهقات اللواتى يعانين الكثير دون وجود متنفس طبيعي لرغباتهن وطاقاتهن سواء في التعليم أو الترفيه أو العمل.
وتتحدث “داليا عاطف”، عن بعض الإساءات اللفظية التي تواجه الفتاة على كرسي متحرك، ومنها “خسارة الحلو مايكملش” و “هو من ايه اللي انتي فيه ده؟”، مشددة أن مثل هذه الألفاظ لها مردود نفسي سيء على الفتيات.
أما عن الانتهاكات الجنسية التي تواجه ذوات الاعاقة الذهنية، تؤكد “عاطف” أن وقوع الاعتداء الجنسي سواء تحرش أو اغتصاب أو هتك عرض للفتاة يكون بمثابة الخطوة الأولى، في سلسلة من العذاب تواجهها الفتاة وأسرتها، والتي تبدأ بعدم وجود كوادر مدربة ووحدة خاصة لمكافحة العنف ضد المرأة بكل قسم، فهي غير موجودة بكافة الأقسام بل في مديريات الأمن، ومن ثم تبدأ أول مشكلة في استجواب الفتاة الناجية من عنف جنسي وتضاف إليها إعاقتها وعدم قدرتها على توضيح ما حدث وفهم الضابط أو أمين الشرطة ما حدث لها من انتهاك.
وتتابع: “ثانيًا الخطوة الخاصة بالطب الشرع ، تتعرض الفتاة المراهقة لاغتصاب مرة أخرى، وذلك يكمن في الاستجواب بطريقة لا تتناسب نفسيًا مع حالة الضحية، وهو ما يحتاج إلى كوادر مدربة وكفء، خاصة مع الإعاقات الذهنية والصم والبكم وفاقدي البصر.
وتواصل “داليا عاطف” حديثها، عن الانتهاكات التي تتعرض لها ذوات الاعاقة، وهو الحجز مع بالغين في أقسام الشرطة حال وجود بعض الفتيات أو السيدات بالشوارع أثناء تغيبهن عن منازلهن، وخاصة هؤلاء الذين أصحاب الإعاقات الذهنية أو الصم والبكم، وهذا الاحتجاز مع بالغين يشكل انتهاكًا جسيمًا في حقوق ذوي الإعاقة وضد الاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة التي وقعت عليها مصر 2006 ، والتصديق والتوقيع على البروتوكولات اللاحقة بها في 2008، بالإضافة إلى مخالفته لدستور 2014 .
وأوضحت أن احتجاز ذوي الإعاقة مع بالغين يشكل خطورة علي حياتهن، بل يعرضهن للاستغلال الجنسي وهو ماوقع مع فتاة محتجزة بإحدى أقسام الشرطة والتى تم اغتصابها على يد أحد أمناء الشرطة، وإدراكه بأنه في أمان ولن تبلغ الفتاة عنه نظرًا لإعاقتها وعدم وعيها بما يحدث لها من انتهاك.
وطالبت “عاطف” بأهمية الرقابة الدقيقة على أماكن الاستضافة التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، لأن هذه الدور غير مجهزة وغير صالحة لاستقبال حالات ذوات الاعاقة التي تعاني من اغتصاب أو عنف جنسي، خاصة أن العمالة الموجودة بهذه الدور غير مدربة على الإطلاق لتقديم الدعم النفسي والسلوكي لهن ،فضلًا أن بعض الدور يحدث فيها انتهاك واعتداءات جنسية من العاملين بها للفتيات من ذوات الاعاقة، فضلًا عن جمع بعض دور الاستضافة تجمع بين نوعين من الاعاقة حركية وذهنية وهذا لا يصل ، فكل نوع من الإعاقة يحتاج تدريب وبرنامج مختلف عن الاَخر.
وعن الجانب القانوني يقول “أحمد الجوهري”المحامي ونائب رئيس مجلس أمناء المؤسسة المصرية لدعم وتمكين المعاق، أنه من المؤسف ألا يلتفت المشرع المصري في قانوني العقوبات والاجراءات الجنائية بتغليظ العقوبة على المتهم في حالات الاعتداء البدني كافة سواء تحرش جنسي أو اغتصاب أو هتك عرض، في حال كون الضحية فتاة من ذوات الإعاقة.
ويضيف “الجوهري”، أنه بصدد إعداد دراسة للمطالبة بتغليظ العقوبة بالتعاون مع وحدة الإعاقة بالمجلس القومي لحقوق الانسان، مؤكدًا أنه من المنطقي أن الفتيات من ذوات الاعاقة لا يكن لديهن أي قدرة على الدفاع عن انفسهن، ويقعن تحت إرهاب وعنف المتهم، لذا تكون العقوبة المغلظة من مؤبد في الحالات العادية لإعدام في حالة ذوي الاعاقة مثلًا .
ويوضح أن الجناة لديهم يقين أن الاتهام سوف يلحق بالفتاة وليس للمعتدي، خاصة أنه يدرك إمكانية سهولة التشكيك في كلامها وعدم تأهلها من الأصل في إبداء رأيها والتعبير عن نفسها بحرية، بالإضافة إلى نظرة المجتمع السلبية التي سوف تصيغ التبرير وراء ما حدث، بل تتساءل عن أسباب خروج الفتاة من المنزل طالما تعاني من الإعاقة، على الرغم من أنه من المفترض أن يحدث العكس وأن يدان الجاني.
ويشير “الجوهري”، إلى أن هناك شكل اَخر من العنف الاسري الذي يقع علي الفتيات من وذات الاعاقة بالقري والريف والمناطق القبلية، وهو الإيذاء البدني من قبل الأب والأخ، بالإضافة إلى الحبس داخل المنزل لدرجة أنها لا ترى النور في أوقات كثيرة.
اما عن غياب التأهيل النفسي والسلوكي لذوات الاعاقة، يقول “الجوهري”: “السبب يعود لسوء فهم وزارة التضامن الاجتماعي لنوع التأهيل المفترض أن تقوم به، وإصرارها أن التأهيل مهني فقط وتعليم ذوي الإعاقة مهنة يكبسن منها عائد مادي، ونسيانها التأهيل المجتمعي، وكيفية دمج ذوي الإعاقة في المجتمع.
لافتًا إلى أن هذا التأهيل المجتمعي يقوم به فقط المجتمع المدني ولكن بقدر محدود في ضوء إمكانيات صغيرة، بينما هو مسؤولية الدولة، ويضيف أنه لا يعلم أسباب تأخير إصدار قانون لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة حتى الاَن، على الرغم من وجود 6 مسودات منذ الثورة، وحتى الاَن لم يخرج القانون للنور، ونتمنى أن يصدر من مجلس النواب المقبل، هذا القانون سيغطي أغلب مشكلات ذوي الإعاقة ويكون مواكبًا للدستور الجديد.