«زها حديد» سيدة تربعت على عرش الهندسة المعمارية فى العالم..وتساءلت “هل لو كنت رجلًا كنت سأُلقَب بـ”ديڤا”؟
“عينان سوداوان يغمرهما ذكاء خارق، لواحدة من أكبر فنانات الوقت الراهن” هكذا وصفت إحدى الصحف الإيطالية المعمارية العراقية “زها حديد”، التي تعد أول امرأة في التاريخ الحديث تقفز باسمها إلى مصاف عظماء العمارة العالمية.
حصدت” حديد” فى عام 2004 جائزة “بريتزيكر – “Pritzker prize أهم جائزة في مجال التصميم المعماري، وهى تعادل جائزة نوبل في الهندسة المعمارية، لتصبح أول امرأة تفوز بهذه الجائزة، والأصغر سنًا، والأولى عربيًا.
العالم يستقبل سيدة الإبداع المعمارى
ولدت “حديد” فى الخمسينيات، عندما كان العراق موطنَ العلمانية والحرية الفكرية والثراء الأدبي الثقافي، وتحديدًا فى أكتوبر 1950، قضت “حديد” حياتها في بيت سياسي من الطراز الأول، فوالدها وزير المالية الأسبق “محمد حديد”.
تلقت الدراسة الابتدائية والثانوية في مدرسة الراهبات الأهلية ثم في مدرسة خاصة في سويسرا، قبل أن تنتقل إلى بيروت للدراسة في الجامعة الأمريكية هناك، حيث حصلت على بكالوريوس في الرياضيات، ثم درست الهندسة المعمارية، بالجمعية المعمارية في لندن، المكان الأفضل أكاديميًا لتنوير وفتح اَفاق أرحب للمعماريين.
تقيم “زها” حاليًا فى بريطانيا وتحمل جنسية البلد، وتمتلك شركة لا يقل عدد موظفيها عن 400 موظف، تنفذ مشاريع فى أكثر من 40 دولة حول العالم.
وصفها عالم العمارة “كولهاس” الذي بــ”كوكب يدور في مجرة وحده”
فى السادسة .. بدأ حب “العمارة”
“أتذكر، وأنا طفلة لا يتعدى عمرها السادسة أن والدي اصطحباني إلى معرض خاص بفرانك لويد رايت في دار الاوبرا في بغداد، وأذكر أنني انبهرت حينها بالأشكال والأشياء التي شاهدتها، فقد كان والداي شغوفين بالمعمار، لكن من بعيد، كما أذكر إجازاتنا في منطقة الأهوار، جنوب العراق، التي كنا نسافر إليها عبر مركب صغير، كنت انبهر بطبيعتها، وخصوصًا بانسياب الرمل والماء والحياة البرية التي تمتد على مرمى العين، فتضم كل شيء حتى البنايات والناس. اعتقد ان هذا العنصر المستوحى من الطبيعة وتمازجها مع العالم الحضري، ينسحب على أعمالي.” تقول “زها حديد” فى حوار لجريدة الشرق الأوسط، وهو من الحوارات القليلة التى تجريها، فهى من المقلين فى الظهور والحديث إلى الإعلام، مهما حققت من انجازات.
متهمة بالخيال الزائد وانعدام الواقعية
نفذت “حديد” كمشروع للتخرج فندقًا في لندن على جسر هانجرفورد، وقد صممته ليوحي بأنه مبنى على وشك الإقلاع والإفلات من جاذبية الأرض، متأثرة فيه بأعمال الفنان الروسي كازيمير.
استقرت “حديد”، فى أعمالها على المدرسة التفكيكية Deconstruction architecture ، وهى أقرب لعالم الخيال العلمي فتصميماتها توحي بأنها مجعولة لكوكب آخر.
في بداية مشوارها كان يرى الجميع أعمالها، مجرد تصميم على الورق، مستحيلة التحقيق والتبني، وبالفعل، فشلت فى إثبات نظريتها، فى بادئ الأمر، ففى عام 1983، لم يتم تنفيذ مشروعها منتجع ” القمة”، ومر عشر سنوات بعدها دون أن تصمم جديدًا، حتى صممت مبنى الأوبرا فى عاصمة وايلز “كارديف”، عرف باسم ” العقد الكريستالى”،لكنه واجه معارضة واسعة، ولم يتم دعمه ماديًا ولا حتى تم قبوله مجتمعيًا، واعتبره الجميع “مستحيلًا”.
كيف أضحى الخيال واقعًا؟
ولكن مثل هذه الإخفاقات كانت بمثابة الدافع إلى النجاح الكبير، فبعد أكثر من 10 سنوات، تمكنت من تنفيذ حلمها بتنفيذ وبناء دار أوبرا، ولكن فى كوانزو بالصين، والتى أضحت ثالث أكبر مسرح فى الصين ككل.
من النظرة الأولى تبدو وكأنها عبارة عن صخرتين ضخمتين بنوافذ مثلثة، لكن خارجها لا يقارن بداخلها، ولا حتى بالردهة الواسعة التي تم تصميمها لتكون صلة الوصل بين الداخل والخارج.
بعد ذلك نفذت مشروع مركز الفن المعاصر في سينسيناتي في ولاية أوهايو الأمريكية، والذى أسكت الألسنة التي تزعم أن تصاميمها مجرد خيال جميل على الورق، مستحيل أن يعرفه الواقع.
“كمعمارى ..إذا كنت تستطيع بأى طريقة التخفيف من حدة القمع، أو رفع الثقافة، إذًا عليك بذلك، فهى تختلف إذا طُلِبَ منك تشييد “سجن”، أنا بالطبع لن أفعل، لكن لو أبنى متحفًا أو مكتبةً، هنا الأمر يختلف”
زها حديد
950 مشروعًا فى 44 دولة
على الرغم من غرابة تصميمات “حديد”، وصعوبة تنفيذها، إلا أن إصرارها ساهم بدرجة كبير فى تحويل الرسم لبنايات، ومن ناحية أخرى لعب التطور التكنولوجي بداية من منتصف التسعينيات، دورًا كبيرًا، فى تحول هذه التصميميات إلى حقيقة ملموسة، نفذت “زها” فعليًا ومازالت 950 مشروعًا، فى 44 دولة، كان أبرز تلك المشروعات:
· الاستاد الأوليمبي بلندن، الذي كان ضمن ملف مدينة لندن، لاستضافة الألعاب الأولمبية في عام 2012.
· المسجد الكبير في ستراسبورج بفرنسا (2000)
· منصة التزحلق الثلجي في “أنزبروك” (2001)
· جسر الشيخ زايد في الإمارات
· كايرو أكسبور سيتى فى القاهرة – مصر
· متحف الفنون الإسلامية في الدوحة
· دار الأوبرا في دبي
· محطة إطفاء الحريق في ألمانيا
· المبنى العائم بدبي
· دار الملك عبد الله للثقافة والفنون في الأردن
· متحف “غوغنهايم والأرميتاج”
· استاد الوكرة القطري، وهو واحد من 6 ملاعب قطرية سوف تستضيف مونديال 2022، والذى تعلاض تصميمه لهجوم واسع من قبل الصحف البريطانية وعلى رأسها الغارديان، التى وصفته بــ”تصميم فرج المرأة”، إلا أن الهجوم لم يكن يستهدف “زها” بقدر ما كان يستهدف فكرة تنظيم دولة قطر لكأس العالم، والتقليل من قدرتها على بناء ملاعب عالمية.
“كثيرون لايعرفون أن “زها حديد” تصمم أيضًا قطع الأثاث، فهي ترى أن تصميم البنايات أو قطع الأثاث ينبع من ذات الشيء”
وهل كانوا سيسمونني “ديفا” لو كنت رجلًا؟
لا يذكر التاريخ كثيرات من النساء اللواتي برزن كنجمات في فن العمارة في العالم، لذلك يطلق الكثيرون على “زها حديد” لقب “ديفا” ويعني المغنية الرئيسية أو الأسطورة في الغناء، إلا أنها لم تستقبل اللقب بالطريقة المعتادة لتكريم المعماريين، ردت بطريقتها على هذا اللقب يوم افتتاح أول مبنى رئيسي لها في 2003 وهو مركز الفن المعاصر في سينسيناتي، حيث ارتدى موظفو الشركة التى تملكها “حديد”، قمصانًا مكتوب عليها “وهل كانوا سيسمونني ديفا لو كنت رجلًا؟”
لولا هذه الشخصية القوية التي تتسم بها “زها” لما أمتعت العالم وأبدعت فيه بتصاميم مدهشة استبعدت منها نقاط الضعف، وتمتعت فيها بقوتها وقدرتها كصانع لمجموعة من أجمل تشكيلات ومنحوتات العمارة في العصر الحديث.
“زها حديد” باختصار هي قصة مبدعة من الشرق أبدعت فى العالم بأكمله واستطاعت فرض وجودها على عالم قلما ينبغ فيه أحد، فما بالك بامرأة، من الشرق.
هذه السيدة تجربتها من أكثر التجارب إلهامًا، ليس للمرأة العربية فقط بل لكل نساء العالم.