تلملم أشيائها البسيطة التى تقضى معها عمراً اَخراً فوق عمرها الإفتراضي،نعل متهتك، وطرحة مفتلة ، وحقيبة بلاستيكية بها ما جادت به صاحبة المنزل قبل الرحيل.
على عتبة الباب تقف، تفتح الباب وهى تطلق كلمات الشكر لسيدة البيت.
وقبل أن تغلق باب الشقة خلفها، ترتد خطوة للوراء وتغلق الباب وتعود نحو صاحبة المنزل، كاسفة البال مطأطأة الرأس .. وتقترب منها على إستحياء
فتسألها السيدة : ما الذى عاد بكِ مرة أخرى ؟
بصوت متحشرج مأزوم : كنت فقط أود أن أستأذنك أن تبقى معك جزءاً مما أعطيتنى من نقود جزاء عملى بالمنزل اليوم
السيدة ترفع حاجبيها و تسألها حذِرةً : لماذا؟ هذا حقك.
الدموع تنفجر فى عينيها وصوتها ينتحب حزناً: أنا فقط أود أن أدخر لنفسي ولأولادى مالًا، ولا استطيع أن أفعل ذلك مع زوجى هو ينفق المال على “الكيف” و يبرحنى ضربًا إن حاولت أن أخفي القليل عنه، فهل لى أن أدخر جزءًا مما ستعطينى إياه لديك، أنا واثقة أنك ستكونين أحن علي وعلى أولادى من زوجى”
بعد أن أفرغت فاطمة شحنة البكاء الكامنة داخلها مع تلك السيدة، وافقت السيدة على طلبها وأصبحت فاطمة تحفظ لديها قسمًا من النقود التى تتحصل عليها منها ومن غيرها وحفظت السيدة سر فاطمة منذ عامين وحتى الاَن.
“فاطمة” زوجة حارس عقار بحى مدينة نصر بمدينة القاهرة ، أُجبِرَت على الزواج فى ال15 من عمرها وانتقلت مع زوجها من صعيد مصر إلى العاصمة لتساعده فى حراسة العقار وفى شراء الطلبات للسكان وللعمل “بالخدمة” فى الشقق السكنية بالعقار وكلما تحصلت على مالٍ مما يجود به سكان العقار أخذه منها عنوة لينفقه على “مزاجه” ويكتفى بإعطائها ما يحدده هو مما يتحصل عليه حتى ولو كان الفتات، ولما كانت تطلب منه الإدخار من أجل ابنهما وبنتهما الصغيرين يرفض وينهرها، فقررت إخفاء ذلك عنه وللأسف كون محل سكنهما لا تزيد حدودها عن غرفة ضيقة ، بأقل مجهود اكتشف سرها، لينهال عليها ضربًا، ما يخلصها منه إلا سكان العقار.
من بعدها خاصمته لفترة ورفضت معاشرته نتيجة قسوته إلا أنه صار يجبرها على ذلك حتى سمعهما –فى مرة – ابنهما
ولما أخبرته يوماً أن مصاريف المدارس ستتطلب مزيداً من النقود أخرج البنت من المدرسة وحجته “تعليم البنات ممنوش فايدة وأهو بيجيبلنا الكلام”
“فاطمة” نموذج واضح وجلى للعنف الممارس ضد المرأة داخل النطاق الأسرى لم يبدأ فقط مع زوجها بل بدأ مع أهلها الذين أخرجوها من المدرسة و زوجوها مبكرًا.
فى الحقيقة، هناك من هن أسوء حالاً من “فاطمة” ولا يرتبط العنف من هذا النوع بالطبقة الإجتماعية فهناك من ينتمين للطبقة المتوسطة والعليا يتعرضن لصور بشعة من العنف المنزلى.
العنف المنزلى
أول مرة يتم استخدام مصطلح “العنف المنزلي”، ومعنى “الاعتداء على الزوجة والعنف في المنزل” كان في خطاب تم إلقاءه في البرلمان في المملكة المتحدة عام 1973
ويُعرَف أنه “أي سلوك عنيف بهدف السيطرة أو الإكراه أو التهديد أو الاعتداء من قبل أحد أفراد الأسرة وغالباً ما يكون الشريك أو الزوج ضد المرأة”
أو بشكل اَخر: “ما يحدث من إساءة داخل المحيط الأسري بأي شكل من أشكال العنف سواء لفظي أو جسدي أو نفسي أو اجتماعي أو اقتصادي نحو طرف آخر من أطراف الأسرة”
ويشمل الاعتداء:
• النفسي
• البدني
• الجنسي
• إقتصادى

العنف المنزلى ، أكثر أشكال العنف ضد المرأة شيوعاً فى المجتمعات العربية إما لثقافة متوراثة أو لنصوص يدعى أنها فى صلب الشرع
· العنف المنزلى .. ظاهرة تفرضها الظروف أم ثقافة ذات جذور
فى مصر .. وخاصة فى الريف والصعيد والأحياء الفقيرة فى القاهرة الكبرى يعد العنف المنزلى ضد المرأة ” حق للرجل” وليس إنتهاكاً.
وتعامل المرأة فى هذا النطاق كونها مواطن درجة ثانية مباح ضده كل أشكال العنف من قبل الرجل
“بالرغم من أن العنف المنزلى يحدث فى كل الطبقات الإجتماعية إلا أن الأبحاث والدراسات تشير إلى أن المستوى التعليمى والفقر لهما علاقة وطيدة بالعنف المنزلى.”

806598332710564
بالأرقام
امرأة واحدة من أصل ثلاث نساء في العالم قد واجهت العنف المنزلي بمعنى أن ثلث نساء العالم يتعرضن للعنف المنزلى
أكثر من 700 مليون امرأة حول العالم هن ضحايا للعنف الزوجي خصوصاً في جنوب آسيا والقارة الإفريقية…. وفقاً للبنك الدولى
في بريطانيا التي يبلغ عدد سكانها نحو 58 مليون نسمة تشير أحدث الإحصاءات إلى أن 1.2 مليون امرأة يتعرضن سنويًا للعنف المنزلي
في المملكة المتحدة تُقتل امرأتان أسبوعيًا بيديِ الزوج أو العشيق أو شريك الحياة السابق.
فى أمريكا 4 مليون و 774 ألف عدد السيدات اللاتي يتعرضن للعنف الجسدي من قبل رفاقهن كل عام.
43 % من النساء في جنوب آسيا تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من أزواجهن خلال حياتهن.
40 % من النساء فى دول أفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط تعرضن للعنف من قبل أزواجهن
33 % من النساء فى أمريكا الجنوبية تعرضن للعنف بكافة صوره من قبل أزواجهن
وفق إحدى الدراسات التى أجريت بالمملكة العربية السعودية، ظهر أن70,7 من النساء والأطفال يتعرضن للعنف داخل المنزل.
العنف المنزلى فى مصر ..حدث ولا حرج !
فى مصر ، 47% من النساء المتزوجات تعرضن للعنف الأسرى منهن 33% على يد أزواجهن الحاليين أو السابقين و 57 % من غير المتزوجات أقررن بأنهن تعرضن للعنف الجسدى من قبل اَبائهم و إخوانهم”
وفقاً لدراسة أجريت عام 2007 من قبل مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، 79% من النساء المصريات (في جميع الطبقات الاجتماعية والمستويات التعليمية) أقررن أنهم تعرضن للعنف في المنزل.وتضمنت أشكال العنف المنزلى ، الحبس المنزلى والإذلال والضرب، وكذلك الحرمان المالي.
وفقاً لمسح أجرته الحكومة عام 2001 ، في المناطق الفقيرة فى مصر ، أقرت 96٪ من النساء أنهن تعرضن للضرب مرة واحدة على الأقل من قبل أزواجهن. ومع ذلك، معظم هؤلاء النساء يعتقد أن ضرب أزواجهن لهن “حق” مكفول له إذا عصوا له “أمراُ” أو شعر منهن “عدم الإحترام”
قانون “حسن النية” يفتح مجالاً للهروب من العقاب
· المادة “60” من قانون العقوبات المصرى
تنص على:
“لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة”
من هذا المنطلق تستخدم هذه المادة بشكل كبير في قضايا “ضرب الزوجات” وعلى هذا النحو تكون هذه المادة بوابة إفلات الأزواج من العقاب على فعلتهم.
مصر بلا قانون ضد العنف المنزلى ومشروعات قوانين حبيسة الأدراج
فى الوقت الذى تتطلع فيه المنظمات النسوية المصرية ،لإقرار البرلمان المقبل لقانونٍ ضد العنف المنزلى ، سبقها دعة دول عربية من بينها وهذا ما يدعو للوقوف أمامه دولة “السعودية” التى أقرت قانوناً ضد العنف المنزلى منذ أكثر من عام
قانون “الحماية من الإيذاء”
وهو الأول من نوعه وأقر فى أغسطس 2013 بعد عدة شهور من إطلاق جمعية خيرية محلية لحملة في أنحاء السعودية لمكافحة العنف ضد المرأة.
ووفقاً لمشروع القانون المكون من 17 مادة ، حيث يواجه المدانون بالإيذاء النفسي أو الجسدي عقوبة الحبس لمدة تصل إلى عام ودفع غرامة تصل إلى 50 ألف ريال سعودي
أيضاً فعلتها لبنان، إذ أن مجلس النواب اللبنانى أقر فى يناير 2014، قانونًا لحماية النساء من العنف الأسرى.
مشروع مركز النديم لقانون ضد العنف المنزلى:
أطلق مركز “النديم” لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب فى النصف الأول من العام 2012 حملةً لدعم مشروع قانون ضد العنف المنزلى أ العنف داخل نطاق الأسرة
وكان المركز قد بدأ حملة توقيعات على عريضة مشروع القانون بموقعه الإلكتروني ضمن حملة موسعة للتوعية بالعنف ضد المرأة داخل نطاق الأسرة ، وكان من بين أبرز وسائل التوعية المستخدمة فى الحملة ، فيلماً تسجيلياً بعنوان “اتكلم” من انتاج المركز بالتعاون مع مؤسسة “المرأة الجديدة”.

وحتى تكتمل الصورة لابد من التواصل مع العاملين على هذا الملف ، ملف (العنف المنزلى) لذلك تواصلنا مع المدير التنفيذى لمؤسسة قضايا المرأة ” سهام على” والتى حدثتنا فى البداية عن إشكاليات تعريف المصطلح نفسه لدى النساء وتقول:
المشكلة أن الكثير من السيدات أنفسهن لا يعرفن أن بعض الأفعال التى ترتكب بحقهن هى شكل من أشكال العنف المنزلى ضدهن، فبخل الزوج مادياً وبخله فى الإيفاء بإحتياجات المنزل إذا كان ميسور الحال ، يعد عنفاً منزلياً.
أو التقليل من شأنها و عدم التقدير أمام الأسرة والعائلة والناس هذا أيضًا يعتبر عنفًا منزليًا، الكثيرات يتقبلن ذلك من أزواجهن عن غير علم بأنه صورة من صور العنف المنزلى
“الاغتصاب الزوجى بالتأكيد شكل من أشكال العنف المنزلى لكنه يبقى من المحظورات نظرًا لأن الخوض فيه يذهب بإتجاه الإشكاليات الدينية ” تواصل “سهام على”.
وتشير أيضًا إلى أن العنف ضد العاملات فى المنازل، يعد هو الاَخر ضمن صور العنف المنزلى لإنه يقع ضدها من قبل أصحاب المنزل الذين تتردد عليهم بشكل ثابت.

“أغلب النساء تربين منذ الطفولة على أن ضرب الأب والأخ لهن أمر طبيعى ومن ثم ضرب الزوج وعليهن تقبله ..لذا تعيش أغلب النساء تتعامل مع العنف المنزلى ضدها كونه حق وليس إنتهاك.”

وعن توعية السيدات بهذه الصور من العنف المنزلى، تقول “على” : يصعب عليكِ أن توضحى كافة صور العنف المنزلى للنساء نتيجة الثقافة ضيقة الأفق فى هذا الشأن وكثيراً ما تجدى الرد منهن ” أنت عايزة تخربي عليا”
فى السياق ذاته ، تؤكد “سهام على” المدير التنفيذى لمؤسسة قضايا المرأة أن المستوى التعليمى والثقافى يساهم إلى حد كبير فى التقليل من معدلات العنف المنزلى لافتةً إلى أن العوامل الإقتصادية هى أهم مسبب لإستمرار العنف المنزلى.
“أغلب الشكاوى تأتى من زوجات ضد أزواجهن وغالبًا ما يكون أهم أسباب الشكاوى والطلاق “الضرب” بينما لا تأتى أى شكاوى من بنات ضد اَبائهن أو أخوانهن ”
أخيراً عن القوانين المصرية فيما يتعلق بملف العنف المنزلى ، تنتقد “على ” غياب أى قانون ضد العنف بكافة أشكاله ضد المرأة عامة وليس المنزلى فقط ، وبرغم أهمية إستصدار القانون من وجهة نظرها إلا أنها رأت أن ترسخ فكرة قبول المرأة للعنف ضدها لن يحلها القانون وحده فالثقافة المجتمعية تحتاج لتغيير جذرى ، وعند هذه النقطة تشير ” سهام على ” إلى أن الإعلام لا يساهم فى إفساح المجال للحديث والتوعية بظواهر العنف المنزلى بالأخص بعد ثورة الـ25 من يناير حيث اتجهت جميع الساحات الإعلامية للسياسة دون سواها.