«اَمال فهمى»أكثر من نصف قرن ولم تترك مكانها”على الناصية”لتصبح صاحبة البرنامج الإذاعى الأطول عمرًا
يأتيك عبر موجات الأثير صوت هادئ وراقي تحديدًا من إذاعة “البرنامج العام” به لدغة بحرف الراء لم تخجل منها أبدًا صاحبته بل تعترف بها، هى الاعلامية “آمال فهمى”.
للإذاعية صاحبة الصوت الماسي تاريخ كبير مع الإذاعة أقرب ما يكون لقصة الحب طويلة الأمد، قدمت خلالها البرنامج الإذاعى الأكثر شهرة والأطول عمراً “على الناصية ”
وقدمت قبله العديد من البرامج الإذاعية مثل “فى خدمتك”، و”حول العالم” الذى قدمت فيه للمرة الأولي خطبًا بصوت موسوليني وهتلر وغاندي، و”عقبال عندكم” و”فنجان شاى” الذى استضافت فيه العديد من الشخصيات السياسية مثل الملك حسين وأحمد بن بيلا.
وفي عام 1957 أسند لها الإذاعي أحمد طاهر برنامج “على الناصية ” لتبدأ رحلتها مع البرنامج الذى أدخلها موسوعة جينيس للأرقام القياسية بعمر إذاعة تخطى النصف قرن.
“كان رقيقًا حنونًا وكان مدخنًا فأحببت رائحة السيجارة من أجله”
ولدت “آمال فهمى” صاحبة البرنامج الأشهر “علي الناصية ” فى 4 نوفمبر 1926 وتخرجت من جامعة القاهرة بعد حصولها على ليسانس آداب قسم اللغة العربية، ثم عملت بعد تخرجها في مجلة مسامرات الجيب وهى مجلة فنية وأدبية وسياسية، إلى جانب عملها الاعلامي، كان لها بصمة فى الحياة السياسية والحركة النسوية برزت بوضوح مع انضمامها للحزب النسائي الذى أسسته درية شفيق باسم “حزب بنت النيل”، وتولت فيه منصب سكرتيرة الحزب عام 1947.
وبرغم لغة الراء التى تمتلكها لم تتردد أن تتقدم لاختبارات الإذاعة عندما وجدت إعلاناً لطلب مذيعين ومذيعات، وبالفعل لدغة الراء لم تقف حائلاً دون جلوسها خلف الميكروفون وبالفعل عينت بالإذاعة المصرية عام 1951.
أما على النحو الخاص فى حياتها، تزوجت “آمال فهمى” بإمبراطور الإذاعة “محمد علوان” واستمر هذا الزواج لمدة 18 عامًا.
قالت عنه في حوار لمجلة الشباب:
“لقد ندمت علي الانفصال.. كانت سنوات زواجي هي أجمل سنوات عمري.. كان علوان رقيقاً حنوناً وكان مدخناً فأحببت رائحة السيجارة من أجله.”
“على الناصية”
جاء القرار بإطلاق هذا البرنامج فى محاولة لكسر القوالب التقليدية للإذاعة وقتذاك والتى كانت تقف عند حد التواصل مع الجمهور عبر المراسلات أو أن تكون برامج نجوم الفن والمجتمع، ليأتى “على الناصية” ويصبح برنامج العامة ويتحول من خلاله المستمع العادى إلى مشارك فى صناعة البرنامج ونجمًا “شعبيًا” بعد أن نال البرنامج شهرة وقبول غير مسبوق من قبل جمهور الإذاعة جعل من توقيته ساعة مقدسة تكاد تخلو فيها الشوارع من المارة، إذ يجتمعوا حول الراديو يتعرفوا على نجم هذا الأسبوع فى “على الناصية.”
كما ضم البرنامج فقرة دائمة للتبرعات لمستشفيات القلب والأورام وأخرى فحصلت على ثقة المتبرعين وكانت تحرص على عرض مشاكل الناس .
وساهم البرنامج الأطول عمراً، فى اكتشاف مواهب فنية مثل الممثل سمير صبري والمطربة مها صبري، كما لعب دوراً هاماً فى ظهور رموز مثل الشيخ النقشبندي، وأيضًا الشيخ أحمد نعينع.
إلى جانب ذلك، انفردت “آمال فهمى” خلال برنامجها بلقاء الدكتور أحمد زويل فضلاً عن تسجيل حلقات من مختلف بلاد العالم مثل تونس، أمريكا، سويسرا، لبنان، اليونان، فرنسا، اليابان، سوريا، وهونج كونج.
قائمة طويلة من الإنجازات
“اَمال فهمي” هى أول من أدخل الفوازير للإذاعة فى رمضان، وعرفت بإذاعتها عقب اَذان المغرب وكانت الفزورة، تختلف عن غيرها، كونها تقوم على فكرة استضافة عدد من مشاهير الفن ونجوم الوسط الفني وكل ضيف يتحدث عن موضوعات في غير مجاله، بغرض التمويه ليحاول المستمع التعرف على الضيف من خلال صوته وطريقة وأسلوب كلامه.
وكانت الجائزة لأول فوازير تقدمها جنيهًا واحدًا فقط وكان الجنيه يعد مبلغًا قيمًا جدًا وقتها.
فى بداية الفوازير، كان يكتبها لها الشاعر بيرم التونسى وبعد رحليه تولى صلاح چاهين هذه المهمة ومن بعده بخيت بيومى حتى وصلت إلى بهاء جاهين وكانت تصلها الكثير من الخطابات من المستمعين تعدوا عشرات الاَلاف فى وقت ما.
نجحت”فهمي” في إدخال التحقيقات الصحفية إلى البرامج الاذاعية، ما دفع
مصطفى وعلى أمين إلى أن يقدموا لأول واَخر مرة جائزة مصطفى وعلى أمين عن تحقيق إذاعى لتكون المرة الأولى التى يحصل فيها محقق صحفي لم يعمل بالصحافة على هذه الجائزة.
حصلت على لقب “ملكة الكلام” فى الوطن العربي بعد استفتاء عربي وتم تتويجها بهذا اللقب فى لبنان.
“فهمى” هى السيدة الأولى التى ترأست إذاعة الشرق الأوسط عام 1964 ثم عينت وكيلة لوزارة الإعلام ومستشارة لوزير الإعلام
في فترة الثمانينات تولت منصب مستشار الإذاعة وبالرغم من كل هذة المهام لم تترك أو توقف برنامجها “على الناصية”.
خلال فترة حكم الرئيس المعزول “محمد مرسى” كانت صاحبة فكرة برنامج (الشعب يسأل والرئيس يجيب) الذى أذيع خلال شهر رمضان، وصرحت أنذاك للأهرام العربى: “شهر رمضان شهر منافسة إعلامية وفيه تحاول كل الإذاعات والقنوات أن تجذب المستمع وتستحوذ عليه، فكرت في أن نكون حلقة تواصل بين الشعب والرئيس مشيرة إلى أن هذه الفكرة استغرقت شهراً كاملاً للحصول على موافقة الرئيس وقتذاك (محمد مرسي) للإجابة عن تساؤلات المستمعين لإذاعة البرنامج العام” وقدم البرنامج المذيع على مراد
أما فى عهد “السيسي” كانت هى أول إعلامية تتوجه لموقع مشروع قناة السويس، وأجرت لقاءً مع الفريق “مهاب مميش”، رئيس هيئة قناة السويس، ونقلت للمستمعين أجواء العمل بالقناة.
كلمة أخيرة
“اَمال فهمى” اسم حفظته الذاكرة كنموذج للمرأة الصلبة التى لم تكسرها رياح الزمن ولا صعاب الحياة، عشقت الإذاعة والتصقت بها، توسطت الجماهير فنصبوها إذاعية الشارع.
برنامج “على الناصية” توقف واختارت صاحبة الصوت المخضرم الانزواء إما لمرض أو للراحة أو لقرارات شخصية أخرى، لكن صدى الصوت يظل عالقًا بذاكرة التاريخ، و”الناصية” ستظل خاوية فى غياب معشوقتها.