للعام الرابع على التوالى، يحتفل العالم، باليوم الدولى للطفلة، الذى حددته الأمم المتحدة فى ديسمبر من العام 2011، وقد اختارت الـ11 من أكتوبر يومًا دوليًا للطفلة، ليبدأ الاحتفاء به عام 2012.
وقد رفع اليوم الدولى الأول للطفلة شعار”القضاء على زواج الصغيرات”، فيما كان الشعار فى عام 2013 ” الابتكار من أجل تعليم الفتيات”، أما عام 2014، حمل شعار “تمكين الفتيات ..إنهاء دورة العنف”، فيما رفع اليوم العالمى للطفلة هذا العام شعار “قوة الفتاة المراهقة في رؤية لعام 2030”.
ويرمى احتفال هذا العام إلى الاعتراف بالانجازات التي تحققت في دعم الفتيات الصغيرات، ليتمكن من استغلال قدراتهن في تحقيق عالم ينعم بالمساواة بين الجنسين.
وبعيدًا عن الشعارات التى ترفع، يتكرر فى هذا التوقيت سنويًا، الحديث والإشارة إلى عدد من المشكلات التى تواجهها الفتيات حول العالم، على رأسها؛ زواج القاصرات، وختان الإناث، والحرمان من التعليم، والاعتداء الجنسي بدرجاته.
وفى هذا السياق، تحدثنا الأرقام عن تنامى لهذه الظواهر، وفى الوقت نفسه، تكشف لنا القصص الواقعية عن نضال متصاعد من قبل الفتيات وتروى انتفاضهن ضد انتهاكات ممنهجة وجسيمة.
نستعرض فى السطور التالية، بعضًا من هذه وتلك فى محاولة لقراءة الواقع الذى نعيش فى كنفه بكل تناقضاته.

الزواج المبكر:
يمثل الزواج قبل الـ18 أحد أهم وأخطر الانتهاكات بحق الإناث حول العالم، وينتشر هذا الفعل الإجرامي، فى شريط واسع من القارة الأفريقية وجنوب اَسيا، بحكم العادات والتقاليد، والأعراف، والأحكام الدينية أيضًا.
وتفيد الإحصاءات أنه فى الفئة العمرية (20-24)، بين كل 4 نساء هناك امرأة تزوجت قبل الـ18.
وبحسب بيانات هيئة يونسيف العالمية، فإن أفريقيا الوسطى، وبنجلاديش وتشاد يتصدرون دول العالم فى نسبة الفتيات المتزوجات بعمر الـ15، بنسبة 29%، فى حين تتصدر كل من أفريقيا الوسطى وتشاد قائمة الدول فى زواج البنات بسن 18، بنسبة 68%، وتحل بنجلاديش فى المركز الثاني، بنسبة 65%.
وتتصدر “اليمن” قائمة الدول العربية فى تزويج الفتيات بسن الـ18، بواقع 32%.
فيما تظهر الإحصائيات نفسها، أن زواج البنات بسن الـ15 يكاد يختفى فى عدد من البلاد العربية، هم الجزائر والأردن وتونس، لكن جميعهم، لم يسلموا من الزواج بسن الـ18، لكن بنسب ضعيفة ما بين 2- 8% .
فيما جاءت نسب زواج الفتيات مبكرًا، فى مصر، بنسبة 17 % فى سن الـ18 و2% فى سن 15 عامًا.

693613863782957

“نجود”
هذا المرار، الذى تعانيه الفتيات، قد يصل إلى أن تكون حيواتهن ثمنًا لهذا العفن الفكري، المرتبط بمورثات العادة والتطرف الديني، وهناك طوفان من القصص، تحكى الكثير من الماَسي المفجعة، أبطالها من الصغيرات، اللواتى دُهِسَت طفولتهن، تحت أقدام، الزواج المبكر.
لكن من بين تلك القصص خرجت واحدة، أعادت الأمل، وبدلت النهايات المعهودة بنهاية تنطق إرادة وحياةً جديدةً، بطلة تلك القصة هى الطفلة “نجود”، ابنة اليمن، التى تم تزويجها فى عمر الـ10 سنوات مثلها مثل كثير من بنات هذا المجتمع القبلى الرعوى، اللواتى يجبرن على الزواج فى سن مبكرة.
“نجود” تم تزويجها من رجل يكبرها بـ20 عامًا، لتجد نفسها أمام اغتصاب متكرر، ومشاق أعمال يومية أكبر من مقدرتها، لكن البراءة انتصرت على محاولات إخماد الطفولة والروح بداخلها، وقررت إدارة دفة حياتها بنفسها، فهربت من هذا الرجل بعد شهرين، وذهبت إلى القاضي وحيدة تطلب منه أن يطلقها بعدما عجزت عن إقناع أهلها بالدفاع عنها، وبدأت رحلتها حتى حصلت على الطلاق وعادت للحياة من جديد كطفلة سوية، متزنة، بدون أن تختصر مرحلة هامة فى عمرها.
أضحت “نجود” رمزًا للثورة ضد جرم “زواج القاصرات”، وتحولت قصتها لسيرة ذاتية مترجمة لـ16 لغة ومن ثم فيلمًا سينمائيًا.

ختان الإناث:
ينتشر ختان الإناث، فى 29 دولة حول العالم، 19 منهم فى أفريقيا، وتقول الإحصائيات، أن أكثر من 130 مليون امرأة حول العالم، خضعن لممارسة ختان الإناث، يتركزن فى أفريقيا والشرق الأوسط.
هذا مع وجود 30 مليون فتاة عرضة لنفس الخطر، فى ظل استمرار هذه الممارسة، وعلى الرغم من هذه النسب، إلا أن الإحصائيات، تفيد بأن شخصين من بين كل 3 أشخاص، فى الـ29 دولة، المنتشر بهم ختان الإناث، يرفضون استمرار هذه الممارسة.
وتصل النسبة بين النساء، فى الفئة العمرية ( 15-49) فى هذه الدول، إلى 66% يرفضن استمرار ممارسة ختان الإناث، فيما تصل النسبة بين الرجال إلى 60%.
تتصدر “مصر” قائمة الدول الـ29، بواقع 27.2 مليون امرأة وهو العدد الأكبر فى العالم، لتجمع نسائي خضع لعملية ختان إناث.

398432860383764

“بدور”
ختان الإناث يقتل بالنفس الكثير، وفى قصصٍ تفوق ما يمكن حصره يقتل النفس ذاتها، وبين هذه الحكايات، عرفت مصر والعالم، حادثةً غيرت مسارات التشريع والإفتاء فيها، وبسبب قتامة الحادثة وفداحتها تفاصيلها، أضحت علامةً فارقةً فى تاريخ ختان الإناث فى الدولة الأولى فى تطبيق هذه الجريمة.
بطلة القصة هى الطفلة المنياوية “بدور”، التى توفيت إثر إخضاعها لعملية ختان إناث، وهى فى عمر الـ12.
تفاصيل القصة، تعود إلى يونيو 2077، عندما اصطحبت الأم ابنتها الصغيرة إلى إحدى العيادات بمركز مغاغة بالمنيا، وهناك تولت طبيبة مسؤولية إجراء العملية للفتاة إلا أن الفتاة تم إعطاءها جرعة زائدة من المخدر، مما أسفر عن الوفاة.
ذاعت القضية وتحولت قصة “بدور”، إلى قضية رأى عام، ومن ثم تحركت الأوساط مختلفة بعد وفاة الطفلة، خرجت دار الإفتاء المصرية فى العام نفسه بأول فتوى صريحة ورسمية تحرم ختان الإناث، وشرع البرلمان المصرى بعد الواقعة بفترة ، أول نص قانوني يقضي بتجريمه، وأتى ذلك فى المادة 242 مكرر فى قانون العقوبات المصري، وانطلقت حملات رسمية وغير رسمية لمناهضته.
وكان القرار الأبرز، الصادر عن وزارة الأسرة والسكان باعتبار يوم وفاة الطفلة بدور – 14 يونيو – يومًا وطنيًا لمناهضة ختان الإناث.
الاعتداءات الجنسية:
الأرقام توثق أن، 120 مليون فتاة تحت سن الـ20، قد أجبرن على ممارسة الجنس القسري، أو أى فعل من الأفعال الجنسية بصورة قسرية، فى مرحلة ما من حياتهم.
وفى قراءة أخرى، واحدة من بين كل 10 فتيات حول العالم أُخضِعَت لممارسة جنسية بشكل قسري.
ويتباين العنف الجنسي ضد الصغيرات، بداية من الإجبار على مشاهدة صور جنسية وسماع تعبيرات غير مرغوب فيها بصبغة جنسية، وصولًا إلى الممارسة الجنسية بالاتصال المباشر.

إيمان - شهيدة التحرش

إيمان – شهيدة التحرش

“إيمان”
يأتى التحرش كشكل من أشكال الاعتداء الجنسي، والمنتشر بدرجة كبيرة فى مصر، وتفيد دراسة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، صادرة فى عام 2013 بأن 99.3% من السيدات والفتيات المصريات يتعرضن للتحرش بكافة درجاته، فى كافة المراحل العمرية.
يومًا بعد الاَخر، تشتد معاناة المصريات مع هذه الظاهرة المتفشية، حتى فى ظل وجود قانون يجرمها، حيث بلغ الأمر حد فقدان الحياة فى مواجهتها، وهذا ما تفضحه قصة فتاة تدعى “إيمان”، بمحافظة أسيوط، والتى سقطت شهيدة تدافع عن نفسها، بعد أن حاول شخص التحرش بها، ولما تصدت له، أطلق الرصاص صوبها فأرداها قتيلة.
وعلى الرغم من هول ما حدث، لم يختف التحرش، وشهدت مصر حوادث أبشع وأكثر وحشية.

إلى جانب التحرش، يأتى الاغتصاب، كأحد أشكال الاعتداء الجنسي الأكثر وحشية تجاه الفتيات الصغيرات، وشهدت مصر خلال العامين الأخرين، انتشارًا لهذا النوع من الجرائم، كما رصدت الصحف المصرية، خاصةً خارج العاصمة، حيث شهدت مصر عدة حوادث اغتصاب بصغيرات بدءًا من 3 سنوات، أشهرها حوادث اغتصاب، الطفلة زينة، ذات الـ5 سنوات، فى مدينة بورسعيد، والتى لقت مصرعها على يد مراهقين حاولا اغتصابها بسطح العقار الذى تسكن فيه، ولما حاولت الاستغاثة بأهلها، أسقطاها من أعلى سطح البناية، فتوفيت على الفور.
لا تحتلف كثيرًا، قصة الطفلة هدى بالمنيا، التى تعرضت للاغتصاب وهى فى سن الـ6، من قبل شخص يبلغ من العمر 19 عامًا، والذى قتلها، حتى لا تفضحه بصراخها العالي.
أثارت الذعر أيضًا، قصة الطفلة ميادة ذات الـ3 أعوام، التى اغتُصِبَت من قبل عشيق الأم.
الحرمان من التعليم
الاستثمار فى الفتيات، يبدأ بالتعليم، وللاَسف حتى يومنا هذا، مازالت هناك من يُمنعَن من الالتحاق بالتعليم، وكثيرات يجبرن على التسرب منه، والدوافع كثيرة، قد يكون عدم استخراج شهادة ميلاد للفتاة، وهو أمر قائم، خاصة فى القرى الأشد احتياجًا، أو بين الأسر الأمية، مما يحرم الفتاة من فرصة الالتحاق بالمدرسة.
أما قضية التسرب من التعليم، فالدوافع ورائها، كثيرة، أكثرها حضورًا؛ الزواج المبكر، والخروج للعمل.
وتفيد الإحصائيات، أن 53٪ من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس حول العالم من الفتيات.
وعالميًا، فثلثي الأميين من النساء.
وتكشف الدراسات، أن النساء الأقل تعليمًا، أكثر قابلية لانجاب عدد أكثر من الأطفال، في متوسط 2.5 طفلًا، بالمقارنة مع النساء أكثر تعليمًا، ينجبن عدد أقل في متوسط 1.7.
كما أن التعليم يمكن النساء من اتخاذ قرارات سليمة فى حياتهم، على سبيل المثال، فى مالي، النساء الحاصلات على درجة التعليم الثانوي والعالي، عدد أطفالهن فى متوسط 3 فقط، في حين أولئك اللواتى لم ينل قسطًا من التعليم، أقرب للانجاب فى متوسط عدد 7 أطفال.

ada cartoon 18.10.2012 new“ملالا”
من أجل التعليم، تحارب الكثير من الفتيات على مر العصور، لنيل هذا الحق، فى مصر وخارجها، منهن من حاربت حتى كادت تفقد حياتها، لكن كُتِب لحلمها عمر، وكُتِبَ لقصتها أن تكون مثار إلهام لملايين حول العالم، هذه “ملالا”، الفتاة الباكستانية، التى استهدفها أعضاء من حركة “طالبان” أثناء ذهابها للمدرسة، فأصيبت بطلق نارى فى الرأس، وقد تعقبها ملثمون بهدف قتلها، بعد أن أزعجتهم تدويناتها باللغة الأردية لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إذ كانت تنتقد بقوة أعمال العنف التي يرتكبها عناصر الحركة المتطرفة، الذين كانوا يحرقون مدارس البنات.
بعد هذه الحادثة، انتفض العالم من أجل حلم “ملالا”، وأصبحت قصتها نموذجًا للنضال من أجل حق أصيل للفتاة مثلها مثل الصبي، حتى لو فى تلك المجتمعات التى ترتع فيها أفكار شديدة التطرف والعنصرية، كانت هذه الحادثة سببًا رئيسًا فى حصول الصغيرة على جائزة نوبل للسلام عام 2014 وهى لم تتجاوز الـ17، لتصبح أصغر حاصلة على الجائزة.