هذة الرواية ما هى إلا رواية تحكى عن جيل ثورة، حارب من أجل الحرية وناضل من أجل الديمقراطية ولترسيخ المبادئ الإنسانية، جيل تكاتفت كل أطيافه السياسية والمجتمعية لإسقاط ديكتاتور وحكم فاشى وبالفعل نجحت الثورة التى قامت عام 1979 ولكن فى خضم فرحة الشباب باسقاط الشاه، قفزت على الثورة التيارات الإسلامية التى كانت أكثر استعدادًا – من الناحية التنظيمية – على الثورة وأطاحت بهؤلاء الشباب وأحلامهم إلى أن أتى الخمينى لينصبوه على عرش الدولة.
ومن هنا تبدأ الرواية عندما أتى من قتل الحريات وأجهز على الديمقراطية، لقد أتوا من يتحدثون باسم السماء زاعمين أنهم يتحدثون باسم الله لتبدأ المعتقلات تفتح أبوابها مرة أخرى لسجن هؤلاء الشباب وقتل الحلم بداخلهم ولكن هنا تغير الجلادون، ففى عهد الشاه كان من يتم جلدهم من الثوريين والإسلامين أما بعده أضحى الجلادون هم الإسلامين أنفسهم ومن يتم جلدهم هم زهور هذا الوطن الذى يسمى إيران.

وهنا تبدأ بطلة الرواية “مارينا مراد بخت” المشهورة باسم “مارينا نعمت”، تروى لنا حكاية جيل ذهب فى غيبات المعتقلات والتعذيب ونبدأ معها الدخول إلى الرواية فى مطار تورنتو – كندا عام 1991 عند وصولها هى وابنها وزوجها أندريه هروباً من ذكريات الألم فى وطنها.

مع توالى الصفحات ندخل إلى القصة نفسها ونعود إلى عام 1982 حيث المكان طهران عندما كانت طالبة فى المدرسة وأتت معلمة التفاضل وبدلاً من أن تشرح الدرس، جلست تتكلم وتبجل فى الثورة الإسلامية واَية الله خمينى وهنا وقفت “مارينا” تطلب من المعلمة أن تركز فى المنهج وتترك الحديث فى السياسة، هنا طردتها المعلمة، ولما خرجت من الفصل انضم إليها العديد من الطلبة إلى أن انتشر الخبر فى المدرسة وانضم اَخرون من الطلاب رافضين دخول الفصول.
تبع ذلك منع لكتابات “مارينا” فى صحيفة المدرسة نظراً لمهاجمتها الثورة الإسلامية.

وتمر الأيام لتعلم “مارينا” من إحدى المعلمات التى كانت قريبة منها أنها وجدت لدى مديرة المدرسة المنتمية إلى الحرس الثورى قائمة بالطلبة الذين سيتم إلقاء القبض عليهم ومن بينهم اسمها وبالفعل تم القبض على الكثير من أصدقائها فى المدرسة.
وفى صبيحة ال15 من يناير 1982 وكعادتها ذهبت إلى الكنسية صباحًا، وقابلها حبيبها “أندريه”والذى اطمئن عليها وطلب منها أن تعود إلى البيت كى تستريح لأنها تبدو فى حالة إعياء وإجهاد، فأجابت طلبه وذهبت إلى البيت وفى تمام الساعة التاسعة مساءً وبدون أى مقدمات ولا إمارات تنبئ بالكارثة، فوجئت بالحرس الثورى قادماً إلى البيت ليلقى القبض عليها.
ومن هنا تبدأ الرواية تأخذ منحى اَخراً، لندخل إلى أغوار السجون والمعتقلات والتعذيب وخاصة السجن الأشهر بين سجون العالم “سجن ايفين” حيث أجبرت على الذهاب إلى السجن وتم تعصيب عينيها وهناك التقت جلادها الأول واسمه “على” الذى حقق معها وواجهها بكل ما فعلت وبجريمتها الأساسية التى اعترفت بها بلا خوف، إذ قال لها أن جريمتها أنها رتبت اعتصاماً فى المدرسة وأنها تكتب فى مجلة المدرسة مقالات ضد الثورة الإسلامية، “مارينا” لم تكذب وقالت: أنا لم أرتب لاعتصام، وأكدت أن ما حدث وليد الصدفة ولكن أكدت أنها كتبت مقالات فى صحيفة المدرسة ضد الثورة.
هنا وجه لها “على” تهمة انتمائها إلى حركة شيوعية لأنها من أصول روسية فقالت: أجدادى تركوا روسيا وأتوا إلى إيران رافضين الشيوعية متمسكين بدينهم المسيحى.

فطلب منها أن تكتب أسماء زملائها فى المدرسة كى يتم القبض عليهم إلا أنها رفضت أن تزج بهم فى غيبات ايفين ومن هنا تنقلنا الكاتبة لوجه اَخر من التعذيب إذ سلمها جلداها الأول إلى جلادها الثانى “حامد” ولكن قبل بدء التعذيب الجسدي، عذبوها نفسيًا عن طريق إجلاسها فى الطرقات تسمع أصوات التعذيب ومع كل صرخة كانت تتمزق داخلياً والخوف يسرى فى جوفها.
إلى أن جاء دورها فى التعذيب ودخلت الحجرة وفك عصبة عينيها فلم تجد فى الحجرة سوى سرير وعليه بقع دم ولم ترى سوى “حامد” أمامها يأمرها بالاعتراف وإلا بدأ التعذيب فأصرت على موقفها ولم تكتب أسماء زملائها.
فقام بربط يديها فى الأصفاد وربط قدميها وبدأ يضربها على بطن قدميها ومع توالى التعذيب والضربات زادت الصرخات بداخلها والاستنجاد بمريم ويسوع وتمنت أن تقول ما يريدونه ولكنها لا تعرف أى شئ ولم تفعل مما يدعوه شيئاً، فتحملت العذاب إلى أن انتهى “حامد” من تعذيبها.
ومرت الأيام إلى أن أتى يوم وجدت فيه “حامد” يأخذها كى يقبض على زملائها أمامها وفعل ذلك، وقبض عليهم وتم تعصيبهم وإدخالهم فى ساحة وفك العصبة ليجدوا أمامهم الكشافات القوية مسلطة على عيونهم، عندها عرف الرعب طريقه إلى قلبها خاصة مع رؤيتها لحامد وهو يقتل أحد زملائها أمامها، وبعد أن أدركت أن عملية تصفيتهم أى إعدامهم قد بدأت سارعت بإغماض عينيها منتظرة الرصاصة التى ستخترقها.
إلا أن سيارة مسرعة توقفت على حين فجأة أمام الساحة، ووقتها سمعت اسمها يتردد وبالفعل تم سحبها إلى غرفة وهناك فكوا عصبتها ورأت جلادها الأول “على” وهو يقول لها أنه تدخل لدى اَية الله خمينى لأنه صديق والده أن يخفف الحكم من الإعدام إلى السجن مدى الحياة وهذا ما وافق عليه لكن ذلك لم تسعد من أجله “مارينا” إذ كانت تتمنى الموت مثل زملائها، وتبدأ فصلاً جديداً فى رحلتها داخل سجن ايفين.

وبعد مرور أربعة أشهر من اختفاء “على” عاد ليظهر ولكن هذه المرة طالباً أن يتزوجها مخيراً إياها بين الزواج منه أو قتل حبيبها ” أندريه” وسجن أسرتها مما أجبرها بلا تفكير أن تخضع وتقبل الزواج منه إنقاذاً لأسرتها ولأندريه.
عاشت فترة من العذاب والويلات، يتم اغتصابها نفسياً وجسديًا تحت اسم الحب والزواج، إلى أن أتى اليوم الذى طالبها فيه باعتناق الإسلام ما كان قمة القهر بمعنى القهر الدينى.
وطبعًا لم تجد بيدها سوى الموافقة ورغم أنها أسلمت إلا أنها لم تنس المسيح ومريم وظلت تتذكرهم وتصلى لهما.
اُغتيل “على” أمام منزلهما خارج سجن ايفين ووقتها لم تشعر “مارينا” ثمة شعور بالحزن أو الاَلم، فمع حبه لها ظل هو جلادها يستغلها نفسيًا وجسديًا وفقط ما أحزنها طريقة قتله لأنه قتل ضمن تصفيات بين الجماعات الإسلامية.
وعادت “مارينا” إلى سجن ايفين مرة أخرى وإلى عنبر 246، عادت إلى صديقاتها السجينات ظلت طوال لياليها تراودها ذكرياتها التعيسة مع الزنزانة الانفرادية رقم “27”.
وفى يوم ما، زارها والد “على” واخبرها أنه نفذ وصية ابنه، والتى مفادها أن تخرج من سجن ايفين وتعود إلى أهلها وهذا ما قام به عبر وساطته لدى صديقه القديم اَية الله خمينى مطالباً إياه بالعفو عنها وتحقق مطلبه وكان العفو وعادت “مارينا” مرة أخرى للحياة خارج أسوار السجن.
تجاهل أهلها وحبيبها “أندريه” فترة المعتقل وتجنبوا سؤالها عنها أو عن إسلامها لأنها سرعان ما عادت إلى المسيحية مرة أخرى.
وهنا عاد الحب الصادق، مع أندريه الذى طلب منها الزواج غير مكترث بكل التهديدات التى تحيط بحياتها وتزوجا وأنجبا طفلهما.
مع مرور الوقت، زاد إصرارها على الرحيل عن الوطن وفى عام 1991 رحلت “مارينا” هى وزوجها إلى تورنتو-كندا بعد رحلة اَلم استمرت لأكثر من عشرين عاماً بداخلها مع السجن والتعذيب ظلت بعدهم لا تستطيع النوم من الأحلام المزعجة التى ظلت تلاحقها.
وتنهى الكاتبة روايتها بجملة “ما دمت لا استطيع النسيان فربما يكون الحل فى التذكر”
وهنا تذكرت مارينا كل ماحدث لها وحكت لنا عنه، روت قصة جيل حاولوا كثيرًا أن يقتلوا ذاكرته ويضعونه فى مهب الريح، لكن لم يقدروا على ذلك.
“مارينا” قصة ناجية من غيبات سجن ايفين والحقيقة أنه يوجد الكثير من أشباه ونظائر هذه القصة ولكن كيف ومتى نسمع عنهم!

“سجينة طهران” كتاب يستحق القراءة و التأمل