نتابع بأعينٍ مترقبة حذرة هل سيأتى الدستور المقبل (دستور 2014) منصفًا أم كسابقه الذى أطاح بحقوق المرأة وسكب عليها حبرًا أسودًا طمس كل حلم أو طموح للمرأة فى حقوق هى مستحقة لها، الذى تصدت له المرأة المصرية، ومحته فى الــ 30 من يونيو.

وفى سياق بحثنا عن الاَليات التى يمكن أن تُضمَن فى الدستور المقبل لتحقيق الوضع المنشود للمرأة وتحديدًا فى الحياة السياسية، نطرح السؤال “كيف يمكن أن يضمن لنا الدستور المقبل مشاركة فعالة للمرأة  فى العملية السياسية ؟ ”

و فى إطار التطلع لمشاركة فعالة للمرأة فى العملية السياسية يحل علينا مصطلح “التمييز الإيجابى للمرأة “والذى يتردد مؤخرًا، ضمن الأحاديث المستمرة عن الدستور ومواد المرأة فيه والذى يُطرَح بشكل أكثر وضوحًا بالــ “الكوتا”

تعريف “التمييز الإيجابى للمرأة”

لنتعرف على معنى هذا العنوان “التمييز الإيجابى للمرأة” علينا أن نعود لإتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة و التى تعرف بالسيداو (1979م) و التى وقعت عليها مصر عام 1981.

تنص صراحة المادة (4) من هذه الإتفاقية “لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل في المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزا بالمعنى الذي تأخذ به الاتفاقية، ولكنه يجب ألا يستتبع، على أي نحو، الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة”
و تأتى بعد السيداو خطة بكين الصادرة عن مؤتمر المرأة العالمى 1995 أكثر وضوحاً فى تحديد نسبة الحد الأدنى لمتثيل المرأة فى مواقع صنع القرار  ، حيث طالبت خطة بكين الحكومات في العالم بالعمل على زيادة مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار لتصل في الحد الأدنى إلى 30%، حيث ورد في الفقرة (190) بند (د): “ان المطلوب من جانب الحكومات مراجعة التأثير المتغير للنظم الانتخابية على التمثيل السياسي للمرأة في الهيئات المنتخبة، والنظر عند الاقتضاء في تعديل هذه النظم وإصلاحها

التمييز الإيجابى لصالح المرأة فى الحياة السياسية: تطبيق نظام الكوتا أى تخصيص حصص للنساء

وهو ما اقتُرِح بمؤتمر بكين كما ذكرنا، ويُعد نظام الكوتا حل مرحليًا وليس دائمًا، يستخدم كأداة لمواجهة مشكلة ضعف مشاركة النساء في الحياة السياسية ومراكز صنع القرار، لما طال النساء من تهميش وإقصاء.

وللكوتا صور متعددة

تختلف تقسيمات الكوتا فالبعض يختصرها فى اثنتين: قانونية وطوعية والبعض يضعها فى ثلاث صور: دستورية أو قانونية وحزبية وطوعية

لكننا نطرح التقسيم الأكثر تفصيلًا لتضح الصورة بشكل أكثر وضوحًا

للكوتا أربع صور

  • الكوتا الدستورية التمثيلية: تخصيص نسبة محددة من المقاعد في المجالس التشريعية بموجب نص في الدستور، وهذا النظام معمول به في 14 دولة منها فرنسا والأرجنتين و الفلبين ورواندا وأوغندا وبوركينافاسو و المكسيك و أندونيسيا
  • الكوتا القانونية : نظام تخصص فيه المقاعد بناء علي نصوص في قانون الانتخابات، وهذا النظام مطبق في الكثير عدد دول أكثر من التى تطبق الدستورية،  ومنها الهند و البرازيل والأرجنتين والمكسيك وفرنسا وبلجيكا وباكستان و الأردن وأخيرا مصر (التى طبقتها فقط فى ثلاث دورات برلمانية)
  • الكوتا الترشيحية/ الحزبية :  وضع قوانين تلزم  الأحزاب ترشيح نسبة محددة من النساء على قوائمها   ومن بين من يطبقون هذه الكوتا ، ألمانيا، فرنسا، السويد، فلسطين
  • الكوتا الطوعية : تتبناها الأحزاب في لوائحها دون وجود نص قانوني “الدول الإسكندنافية”

هل هناك نظم عملت بهذه التوصيات؟

هناك دول طبقت “الكوتا”، عددها 108 دولة أبرزها منها 12 دولة عربية

أبرز الدول التى تطبق الكوتا:

فى اَسيا  (الهند – اندونيسيا – باكستان- العراق – الأردن- فلسطين-الأردن)

فى أفريقيا (جنوب أفريقيا – موزمبيق- المغرب –جنوب أفريقيا- السودان )

فى أوروبا  (فرنسا ، ألمانيا ،السويد – بلجيكا،  إيطاليا والنرويج )

أمريكا اللاتينية ( البرازيل- الأرجنتين)

النظم العربية العراق – الأردن – فلسطين – المغرب-الجزائر-الأردن

أما مصر فطبقت نظام الكوتة خلال الدورات البرلمانية ( 1979، 1984، 2010)

و تشير الإحصائيات الحديثة إلى أن  الدول التى تجاوزت بها نسبة تمثيل المرأة فى البرلمان عن 30٪، وعددها 32 دولة،  تعمل بنظام الكوتة

الكوتا فى مصر طريق “المطبات”:

طبقت الكوتا فى مصر مرتين:

  • أول مرة 1979 :

على الرغم من أن مصر أول دولة عربية وقعت على اتفاقية السيداو التى دعمت كما ذكرنا التمييز الإيجابى لصالح المرأة فى الحياة السياسية وكانت أول الدول العربية تطبيقًا لهذا النظام عام 1979، حيث عدل قانون الانتخابات رقم 38 لسنة 1972بالقانون رقم 21 لسنة 1979 بتخصيص ثلاثين مقعدًا للنساء كحد أدنى وبواقع مقعد على الأقل لكل محافظة ولم يسمح هذا القانون للرجال بالتنافس على هذه المقاعد في الوقت الذي سمح فيه للنساء بالتنافس مع الرجال على باقي المقاعد الأخرى، الأمر الذي دفع نحو 200سيدة للترشيح في انتخابات 1979.

فازت ثلاثون منهن بالمقاعد المخصصة للنساء وبثلاث مقاعد أخرى من المقاعد غير المخصصة لهن بالإضافة إلى ذلك، عين رئيس الجمهورية سيدتين ضمن قائمة العشرة أعضاء التي يحق لرئيس الجمهورية تعيينهم حسب الدستور، ليصبح بذلك إجمالي النائبات خمس وثلاثين بنسبة 8 %من إجمالي الأعضاء.

  • ثانى مرة 1984

وجاءت دورة 1984 على نفس النسق لكن لم يكتب لها الاستمرار، لأن هذا الإنجاز المتقدم عاد إلى محل الصفر بصدور حكم من المحكمة الدستورية العليا في عام 1986بعدم دستورية القانون رقم 21لسنة 1979لما ينطوي عليه من تمييز على أساس الجنس وفقاً لما ينص عليه الدستور القائم اَنذاك.

  • ثالث  مرة 2010

يأتى عام  2009  ليعيد الفرصة من جديد بعد  13 عام  من التمركز حول مربع الــ2%  إلى  2.8%

عادت الكوتة من جديد تدفع قدمًا نحو تمثيل أفضل فى برلمان 2010، وذلك بصدور القانون رقم 149 عام 2009 الخاص بزيادة عدد الدوائر البرلمانية وتخصيص مقاعدها للمرأة، وهو ما أسفر عن تخصيص 64 مقعداً للمرأة (5)، ومع الإبقاء على إمكانية ترشحها للمقاعد العامة.

لتحقق بذلك كوتة 2010 منجزًا أكبر لصالح المرأة فما خصص من 64 مقعدًا يعتبر ضعف ما كان فى 1979

وترشحت فى هذه الانتخابات 404 امرأة، لتأتى نسبة التمثيل حينها 12 %،  وسمى حينها عام 2010 بالعام الذهبى للمرأة.

ولكن علينا ألا ننسى أن كوتة 2010 لم تفيد المرأة المصرية التى تستحق أن تمثل وإنما كان مفيدًا لنساء الحزب الوطنى “المنحل” و بدا واضحًا  فى هذه الكوتة تحديداً دور المال السياسى و التزوير لصالح نساء الوطنى فى إنتخابات تعد الأسوء فى مصر من حيث استخدام النفوذ والمال السياسى و اللجوء للبلطجة فى مشهد كارثى قاد بمصر لثورة الــ 25 من يناير.

كيف نحقق تمثيلًا إيجابيًا يليق بالمرأة من خلال الكوتة؟

لا يمكن أن تكفى الكوتا القانونية أو الدستورية التى يسعى و ينادى بها بعد الأحزاب و المنظمات النسوية

بل لابد من تحديد نسبة لترشيحات النساء ضمن ترشيح كل حزب و تتراوح ما بين 15 %- 30 %

بما يعنى تطبيق أيضاً نظام الكوتة الحزبية

لو كانت الكوتا مفيدة إلى هذا الحد لما هناك من يرفض “الكوتا ؟ “

لكن بين هذه التفاصيل والدراسات المتعمقة فى مجال تطبيق” التمييز الإيجابى للمرأة” ستوقفك بعد المطالبات أو التبريرات التى ترفض نهائياً تطبيق الكوتة ويمكننا أن نقول أن الرفض يكون فى الغالب لسببين رئيسيين:

أولهما :

الرؤية التى تبرر الكوتا من حيث المبدأ أنها تتعارض مع الديمقراطية، والتنافس الحر الشريف والمساواة القانونية.

وأن التمييز لصالح فئة دون أخرى يخل بمبدأ المساواة الذى أقر تقريبًا فى كافة الدساتير مما لا يضمن تنافسًا نزيهًا متكافئًا.

فى حين أن الكوتا ترى من قبل العديد من القوى  و التيارات أنها صلب الديمقراطية لطالما الديمقراطية قائمة على مفهوم المواطنة و هو عدم التمييز فى الحقوق و الواجبات و الفرص بناءاً على الجنس أو العرق أو اللون

فالكوتا لا تميز بل تعوض المرأة ايجابيًا عن المعوقات المجتمعية الحائلة دون المشاركة العادلة للنساء في العمل السياسي فلا ننسى أن المرأة المصرية تمثل نحو 50 % من التعداد السكانى، وعلى الرغم من ذلك تمثيلها فى مراكز إتخاذ القرار يدور فى فلك الــ 2 % فأعلى قليلًا.

ثانيهما:

منبعه التيارات الإسلامية المتشددة، والتى ترى الكوتا أمرًا مخالفًا للشرع  وهذا من منطلقهم الرجعى نحو تحجيم و تهميش المرأة بحجج واهية لا تمت للشرع بصلة تعتبر أن مشاركة النساء في الانتخابات”مفسدة “ووضعها على القوائم وضع “المضطر”.

هل  نعتمد على الكوتا فقط ؟

ربما مشكلتنا مع المشاركة الفعالة للمرأة فى الحياة السياسية لا تحل ولن تحل بمجرد إقرار مادة فى الدستور أو النص على مادة فى قانون و إنما هناك مشكلة جذرية فى داخل العمق والثقافة المصرية التى تنفر من خروج المرأة للعمل السياسى والمجال العام.

و التى لم تقل مع السنوات و إنتشار المنظمات و الحركات النسوية التى وصل عددها ل    450    و مع ذلك لم يتغير الكثير فى واقع المرأة السياسى

ولذلك لابد أن نطرح حلولًا موازية لتطبيق الكوتا

1) حلول طويلة المدى

تغيير نظرة المجتمع الذكورى لمشاركة المرأة فى الحياة السياسية
مما سيستدعى تغيير المناهج الدراسية و تطوير أداء الإعلام و التغلب على التنميط المتعمد من قبل الإعلام ضد المرأة

إظهار الصورة السليمة و الصحيحة لتعاليم الدين و مفاهيمه فيما يخص حق المرأة فى المشاركة فى الحياة العامة و السياسة العامة للدولة و تسليط الضوء على نماذج التاريخ الإسلامى بداية من الرسول مروراً بالتاريخ الإسلامى .
على منظمات المجتمع المدني دور قوى فى دفع النساء نحو المشاركة في الحياة السياسية، وتعريفهم بمعنى المشاركة السياسية  والتوسع نحو المحافظات المختلفة
2) حلول قصيرة الأمد

الأحزاب و تفعيل مشاركة النساء وصنع كوادر تستطيع خوض الانتخابات برلمانية أو محلية
تفعيل و تشجيع الطالبات على المشاركة في انتخابات إتحادات طلاب المدارس والجامعات، مما سيربى الأبناء على تبنى قضية إشراك المرأة فى الإستحقاقات الإنتخابية منذ الصغر ويرسخ للمساواة من الجذور على أن يبدأ ذلك بمجرد إقرار الدستور المقبل وبدء العام الدراسى الجديد.
تخصيص مساحات إعلامية لتبنى و مناقشة القضية و التعريف بحقوق المرأة السياسية وضرورة تمثيلها فى مراكز صنع القرار.