55 يومًا فقط في السجن!

في الـ 24 من فبراير الماضي، قضت محكمة جنايات باريس بإدانة المغني المغربي سعد المجرد بتهمة الاغتصاب بعد أن أعطت الأفضلية لرواية الناجية (لورا بريول)، وقد قررت المحكمة سجنه ست سنوات في القضية التي تعود فصولها إلى بداية عام 2016، إلا أننا فوجئنا في إبريل الماضي بتصريحات للفنانة المغربية نزهة الكراكي والممثل والمغني المغربي البشير عبدو والدي سعد، يكشفان فيها أن نجلهما قد غادر أسوار السجن بسراح مؤقت.

شروط إطلاق سراح سعد لمجرد مؤقتًا

وفقًا للمعلومات المتاحة، فقد أمرت المحكمة الفرنسية بإطلاق سراح لمجرد مؤقتًا بعد أن تقدم إليها وكيله القانوني بطلب رسمي، وحددت المحكمة  ثلاثة شروط للاستجابة للطلب وهي: احتفاظها بجواز سفر لمجرد للحيلولة دون مغادرته الأراضي الفرنسية، ومراقبة تحركاته عن طريق سوار إلكتروني ذكي يوضع حول معصمه، بالإضافة إلى منعه من التواصل مع الصحافة أو الإدلاء بأي تصريحات بشأن القضية، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر أي وسيط آخر. ومن المزمع أن يظل لمجرد طليقًا حتى نهاية العام الجاري، وقتما تبدأ  إجراءات الاستئناف على الحكم الذي تقدم به.

من هو سعد لمجرد؟

سعد لمجرد هو مغني ومؤلف أغاني مغربي، أكسبته أغنية «أنت معلم» التي أصدرها في عام ٢٠١٥ شعبية واسعة في الدول الناطقة بالعربية وبين الشتات المغربي في جميع أنحاء العالم، وقد بدأت مسيرة لمجرد الفنية فعليًا بعد أن احتل المركز الثاني في الموسم الرابع من برنامج اكتشاف المواهب «سوبر ستار» في عام ٢٠٠٧، وهو الحدث الذي مهد الطريق أمامه لإطلاق أغنيته الأولى بعد عامين، التي صدرت بعنوان «واعديني» وقد حققت حينها نجاحًا كبيرًا بين الشباب المغربي، وفي عام ٢٠١٧ فازت أغنيته «غلطانة» بجائزة «أفضل أغنية عربية لعام ٢٠١٦» ضمن جوائز الموسيقى العربية التي يقام حفل توزيعها في لبنان، لكن لمجرد لم يتمكن من تسلم الجائزة بنفسه، وتسلمتها نيابة عنه والدته نزهة الكراكي بسبب وضعه تحت الإقامة الجبرية في العاصمة الفرنسية باريس، على ضوء اتهامه بالاغتصاب في القضية التي صدر فيها الحكم خلال فبراير الماضي.

الابتزاز العاطفي وسيلة لمجرد لدفع العقاب

تغتص حياة سعد لمجرد ومسيرته بالجدل والمشاكل أو الفضائح، فخلال الفترة التي قضاها في الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراسته قبل عام 2010، تزوج من شابة باكستانية رافقته خلال مشاركته في برنامج اكتشاف المواهب «سوبر ستار»، ولكن سرعان ما انفصل عنها وهو ما أرجعه إلى غيرتها الشديدة بحسب زعمه.

بعد الانفصال لم ينقطع الحديث عن علاقات لمجرد المتعددة بالنساء، قبل أن يندفع سيل اتهامات الاعتداء الجنسي والاغتصاب ضده وتصبح هي الحدث والحديث، واللافت أنه في كل مرة يتعرض سعد لمجرد للتوقيف والحبس على ذمة قضية عنف جنسي من القضايا المتهم بارتكابها، تطالعنا الصحف بأخبار عن شعوره بالاكتئاب ومحاولته الانتحار داخل محبسه، ففي عام 2018 أُطلِقَ سراح لمجرد على ذمة واحدة من هذه القضايا عقب تداول أخبار عن إقدامه على الانتحار، وقد قال لمجرد في تصريحات صحافية لاحقة إن الحالة النفسية السيئة التي عايشها داخل السجن دفعته إلى ذلك.

حدث الأمر ذاته في النصف الأول من شهر إبريل الماضي، عندما نشرت بعض المواقع أخبارًا عن محاولة لمجرد الانتحار داخل محبسه نتيجة معاناته من الاكتئاب الحاد، ويبدو مع تكرر ذلك مرة تلو الأخرى كما لو كان استراتيجيةً يتبعها المقربون منه وبينهم محاميه في محاولة للتأثير على الرأي العام أو المحكمة الفرنسية.

تحليل واستنتاج

بادئ ذي بدء، أنا لست في مكان يسمح لي بتأكيد أو نفي الاتهامات الموجهة لسعد لمجرد، لكنني أجنح إلى المثل القائل بأنه لا يوجد دخان من دون نار.

في واقع الأمر، تتمتع الطبقات العليا بمستوى حماية لا مثيل له في العمق والنطاق، وتلعب عوامل مثل الثروة والمكانة الاجتماعية والصلات المؤثرة والروابط العائلية الممتدة دورًا في حماية الأفراد من مروحة واسعة من الجرائم كالقتل والاغتصاب وحتى حوادث المرور، وهذا ما يحظى به لمجرد، إذ يتمتع المغني المعروف بدعم على مختلف المستويات؛ دعم يفتقر إليه أي فرد لا يملك مثل هذه الوساطات، ولذلك يقتصر  الدعم الذي يتلقاه هؤلاء على دوائرهم الصغيرة.

قبل التعليق أو التعقيب على جرائم سعد لمجرد الجنسية والإفراج المؤقت الذي حصل عليه وتداعياته، لا بد من استعراض قائمة الاتهامات التي لاحقته في هذا السياق:

الحادثة الأولى تعود إلى عام  ٢٠١٠، حين ألقت شرطة مدينة نيويورك القبض على لمجرد بتهمة الاعتداء على امرأة بالضرب واغتصابها، ولكنه استطاع حينئذٍ أن يخرج بكفالة مالية قبل أن يفر هاربًا من الولايات المتحدة خوفًا من صدور حكم إدانة بحقه، ثم اتهمته شابة مغربية في عام 2017 بالتحرش بها جنسيًا في عام 2015، وتقدمت ببلاغ ضده ذكرت فيه أنه اعتدى عليها جنسيًا في فندق بمدينة الدار البيضاء، وقد فتحت الشرطة المغربية حينها تحقيقًا في الواقعة، إلا أن الناجية سحبت الشكاية في وقت لاحق.

قبل ذلك بعام، تحديدًا في أكتوبر من عام  2016، ألقي القبض على سعد لمجرد في العاصمة الفرنسية باريس بعد اتهام شابة فرنسية له باغتصابها، وأصدرت جهات التحقيق وقتئذٍ أمرًا بحبسه احتياطيًا، ولكن بعد بضعة أشهر أفرجت عنه السلطات بكفالة مالية. وقد أصدرت محكمة الجنح في عام 2019 حكمها بحبس لمجرد أربع سنوات بعد أن صنفت الجريمة كعنف واعتداء جنسي وليس كاغتصاب، ومع ذلك لم يقض المغني المغربي المدان العقوبة كاملة، فقد تمكن من الخروج بكفالة بعد أن أمضى نحو عامٍ ونصف داخل أروقة السجن، ثم أبطلت المحكمة الحكم السابق في عام 2020.

لكن القضية لم تنته عند هذا القرار، فقد تقدمت النيابة العامة بطلب لمحاكمة سعد لمجرد أمام محكمة الجنايات بتهمة الاغتصاب، مؤكدةً أن ما توفر لديها من أدلة يكفي لتوصيف الجريمة على هذا النحو وليس كاعتداء جنسي وحسب.

جدير بالذكر أن سعد لمجرد احتجزته السلطات الفرنسية احتياطيًا قرابة ستة أشهر خلال عام 2018 على خلفية قضية أخرى، استنادًا لاتهام بالاعتداء الجنسي وجهته إليه شابة مغربية-فرنسية، ولا تزال هذه القضية قيد التحقيق.

وفي فبراير الماضي أدانت هيئة محلفين وثلاثة قضاة سعد لمجرد بالاعتداء على الشابة الفرنسية لورا بريول واغتصابها داخل أحد الفنادق خلال عام ٢٠١٦، بعد أن وجدت المحكمة والمحلفون أن الناجية ظلت متسقة ودقيقة في روايتها على مدار المحاكمة، على عكس لمجرد الذي تضاربت أقواله.

وفي شهادتها، ذكرت الناجية التي كانت تبلغ من العمر 20 عامًا وقت الحادثة أنها التقت بالمغني المغربي في أحد الملاهي الليلية بمدينة باريس، ثم رافقته إلى الفندق الذي يقيم به وصعدت معه إلى غرفته، حيث تعانق كلاهما وتبادلا القبلات إلا أنها رفضت ممارسة الجنس معه، فهم بالاعتداء عليها جسديًا وأبرحها ضربًا حتى أعجزها عن المقاومة واغتصبها.

ماذا فعل لمجرد بعد إطلاق سراحه؟

كنا نظن أن سعد لمجرد سوف يتوارى عن الأنظار بعد إطلاق سراحه «مؤقتًا»، ولكن ما حدث كان على النقيض من ذلك؛ فقد عاد نَشِطًا على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر مقطع فيديو – يبدو مصورًا باحترافية – يستعرض خلاله مهاراته في الطهي. ويثير الحيرة إنتاج لمجرد وتصويره ونشره لفيديو كليب جديد قبل أن يمر 14 يومًا على إطلاق سراحه، ويستوقف الانتباه كذلك – فضلًا عن حصد الكليب لـــ10 ملايين مشاهدة في غضون ستة أيام فقط – ما زعمه لمجرد عن تصوير العمل الفني في المغرب، مما يعني أنه لم يمكث في فرنسا عقب خروجه من السجن مثلما كان متوقعًا.

العدالة للناجيات: أهمية محاسبة مرتكبي العنف الجنسي

العنف الجنسي جريمة بشعة تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم، ويمكن أن يترك آثارًا سلبية طويلة الأمد على المستويين الجسدي والنفسي، وغالبًا ما يكون له انعكاسات كبيرة على حيواتهم وقدرتهن على الوثوق في الآخرين، ولذلك فإن محاسبة مرتكبي جرائم العنف الجنسي هي أمر بالغ الأهمية ليس فقط لتحقيق العدالة للناجيات والناجين، وإنما لمنع تكرار هذه الجرائم مستقبلًا وتعزيز الأمن في المجتمعات.

عندما لا يُحاسَب مرتكبو العنف الجنسي على جرائمهم، فإن ذلك يعطيهم الفرصة لمواصلة ارتكاب هذه الجرائم، وهو ما سيسفر عن استمرار دائرة العنف والترهيب وصعوبة تعافي الضحايا، ولذلك فإنها لضرورة حتمية أن  يُحاسَب الجناة لتكون الرسالة واضحة «لا تسامح مع العنف الجنسي بأي شكل من الأشكال»، بما يمثل رادعًا للمجرمين المحتملين.

المساءلة خطوة تساعد الضحايا على التعافي

قد تمنح محاسبة الجناة الناجيات/الضحايا إحساسًا بالشفاء وهو أمر ضروري من أجل التعافي، ويمكن أن تساعدهن/م أيضًا على الشعور باستعادة السيطرة على حيواتهم مرة أخرى، وهو الشعور الذي غالبًا ما يُسلَبن إياه من جراء العنف الجنسي.

في الختام، نحن كشركاء في المجتمع لدينا التزام أخلاقي بالامتناع عن دعم مرتكبي العنف الجنسي، وهذا لا يشمل معاقبة الجناة فقط، بل يمتد إلى تقديم الدعم النفسي والموارد بما يتناسب مع احتياجات الناجيات، حتى نتمكن من تعزيز ثقافة الاحترام، والتعاطف، والتصدي لأي شكل من أشكال العنف.

*هذا المقال يعبر عن رأي صاحبته/صاحبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي «ولها وجوه أخرى»