نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية

تنعقد حاليًا فعاليات الدورة الـ67 للاجتماعات السنوية للجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة (CSW67)، التي تستمر حتى الـ16 من الشهر الجاري، بمقر الهيئة الدولية في مدينة نيويورك، وتركز النسخة الحالية على قضية الابتكار والتغيير التكنولوجي ودورهما في تحقيق المساواة الجندرية.

وتتباين الفعاليات المتواصلة بين جلسات وحوارات تفاعلية، وموائد مستديرة، وندوات، ومعارض، واجتماعات رسمية، ويشهد جميعها حضورًا كثيفًا من ممثلات وممثلي الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني.

وفي إطار الجلسات رفيعة المستوى المنعقدة على هامش النسخة الـ 67 للاجتماعات، نظمت الأمم المتحدة للمرأة (UN Women) جلسة بعنوان «منفتح وآمن ومتساوي – تشكيل مستقبل رقمي نسوي»، شارك فيها ممثلون عن الحكومتين الفرنسية والتنزانية، إلى جانب كاثرين راسل المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)، ودورين بوغدان-مارتن الأمينة العامة للاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، وهي أول امرأة تعتلي هذا المنصب منذ تأسيس الاتحاد قبل 158 عامًا.

الفجوة الرقمية بين الجنسين

ناقشت الجلسة محدودية وصول النساء إلى الإنترنت، بما يمثل عقبة كؤود أمام زيادة مشاركتهن في سوق العمل، خاصةً أن 90 في المئة من الوظائف في الوقت الحالي تعتمد على المهارات الرقمية للقيام بجل مهامها أو بعض منها، وقد شدد المتحدثات والمتحدثون على أهمية معالجة هذه الإشكالية من خلال تعميق الشراكات بين المؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المحلية التي تنشط على الأرض، من أجل وضع خارطة طريق لزيادة اتصال الفتيات والنساء في شتى الدول بالإنترنت، وتعزيز شعورهن بالأمان أثناء استخدام المنصات الإلكترونية المختلفة، فضلًا عن تنمية المهارات الرقمية لديهن بغية رفع نسبة انخراطهن بقطاعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، إذ لا تتجاوز حاليًا نسبة النساء في المجالات الأربعة عن 28 في المئة.

من جانبها أعربت سيما بحوث المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للمرأة خلال كلمتها، عن استيائها الشديد مما كشفته البيانات الأممية المحدثة، عن أن تحقيق المساواة الجندرية الكاملة سيستغرق على الأقل 300 عامٍ، قائلةً «لا بد أن نغير الوضع الحالي حتى تتغير هذه المؤشرات، فلا أعتقد أننا نريد الانتظار لـ300 عام حتى تتحقق المساواة بين الجنسين.»

وأشارت المديرة التنفيذية للأمم المتحدة للمرأة إلى أن التكنولوجيا بإمكانها أن تكون لاعبًا رئيسًا في تقليص الفجوات بين الجنسين، وتعزيز حقوق الإنسان، وتمكين النساء اقتصاديًا، وزيادة فرص التعليم أمام الفتيات، مشددةً على أن تحقيق ذلك يستلزم وضع خطة متكاملة تغطي شتى الجوانب كالفرص، والتحديات، والمعوقات بما فيها تساهل تطبيقات التواصل الاجتماعي إزاء العنف الرقمي ضد النساء، سواء كان يتم بشكل متعمد أو عرضًا.

كان لبحوث كلمة أيضًا خلال الاحتفال الرسمي للأمم المتحدة باليوم العالمي للمرأة على هامش الاجتماعات، وقد أكدت خلالها على ضرورة زيادة النشاط الرامي إلى تحقيق الهدف الخامس من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs) والمتعلق بالمساواة الجندرية، نظرًا لصعود الخطاب العدائي ضد حقوق النساء وتمكينهن بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة.

كما عبرت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للمرأة عن قناعتها بأن الحقوق الرقمية هي جزء أصيل من حقوق النساء، ولذا يجب التعامل مع الفجوة الرقمية بين الجنسين بوصفها أحد تجليات اللا مساواة الجندرية في الوقت الحاضر، ومن ثم فهناك حاجة ماسة لتطوير آليات ردع لصد وتقويض جرائم التحرش الجنسي والعنف الرقمي ضد النساء، حتى يصبح الفضاء الإلكتروني ساحة آمنة لهن وليس مرتعًا للعنف ضدهن.

التصدي للعنف الرقمي القائم على النوع الاجتماعي

برزت قضية العنف ضد النساء في الفضاء الرقمي، بالأخص على مواقع التواصل الاجتماعي، كمحور رئيس خلال جلسة رفيعة المستوى عقدتها المفوضية الأوروبية بالتعاون مع الحكومة السويدية، تحت عنوان «عالم تسوده المساواة الجندرية عن طريق التكنولوجيا والرقمنة والذكاء الاصطناعي»، وكان من بين المتحدثين خلالها سيندي ساوثوورث رئيسة قسم سلامة المرأة في شركة ميتا بلاتفورمز (Meta Platforms) التي ينضوي تحت مظلتها تطبيقات فيسبوك وواتساب وانستغرام، وقد أفردت كلمتها للحديث عن جهود الشركة لضمان السلامة الرقمية للنساء اللاتي يستخدمن تطبيقاتها، بما في ذلك التعاون مع خبيرات وخبراء في مجال السلامة الرقمية بهدف تطوير سياسات وبرامج تدعم النساء وتحميهن، لا سيما الأكثر عرضة منهن للعنف الرقمي القائم على النوع، كالصحافيات والنساء في مواقع القيادة. وقد أثمرت هذه الشراكات عن توفير شركة ميتا لموارد معرفية عبر تطبيقاتها، لتزويد مستخدماتها بالمعلومات والإرشادات التي تساعدهن في الحفاظ على خصوصيتهن وحمايتها.

علاوة على ذلك، أفاضت رئيسة قسم سلامة المرأة بشركة ميتا في الحديث عن سياسة فيسبوك وانستغرام، فيما يخص نشر صور أو مقاطع حميمة للنساء من دون علمهن أو موافتهن، مؤكدةً أن الشركة تتبنى موقفًا صارمًا في هذا الشأن، إذ تلتزم المنصات التابعة لها بحذف مثل هذه الصور أو المقاطع فور إبلاغ المتضررات والمتضررين منها، كما يمكن للمنصات أن تمنع النشر من الأساس إذا أبلغ من يظهرن ويظهرون في هذه المواد المصورة عن تعرضهن للتهديد بنشرها.

في الجلسة ذاتها، تطرق بيتر ميسك المستشار العام ومدير سياسات الأمم المتحدة في منظمة أكسس ناو الدولية (Access Now)، المعنية بالدفاع عن الحقوق المدنية الرقمية للأفراد، إلى مسألة إغلاق خدمات الإنترنت وحجب المواقع والمنصات في العديد من الدول وتداعيات ذلك على النساء والفتيات، إذ تحول هذه الممارسات دون وصولهن إلى البيانات والمعلومات التي يتحجنها بشأن سلامتهن النفسية والجسدية، وصحتهن الجنسية والإنجابية، وفرص التعليم والعمل الملائمة لهن.

وشدد مدير سياسات الأمم المتحدة في منظمة أكسس ناو الدولية على أن الناشطات النسويات والصحافيات المختصات بتغطية قضايا حقوق الإنسان، يعتمدن بشكل كبير على الفضاء السيبراني في عملهن، مما يضاعف معاناتهن في ظل الرقابة والتقييد المفروضين في بعض الدول على تطبيقات التواصل الاجتماعي.

الصحافيات في مرمى العنف الرقمي

كان العنف السيبراني ضد الصحافيات عنوانًا رئيسًا في جلسة رفيعة المستوى عقدتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (UNESCO)، بالتعاون مع الشبكة العالمية لوسائل الإعلام المستقلة (IPI)، ولجنة حماية الصحافيين (CPJ).

تضمنت الجلسة عرضًا قدمته ماريا لازاغباستر مديرة قسم المساواة الجندرية باليونيسكو، لأبرز النتائج التي توصلت إليها دراسة صدرت عن المنظمة خلال العام الماضي، تحت عنوان «الاتجاهات الدولية للعنف الرقمي ضد الصحافيات».

تُجلي الدراسة أن 73 في المئة من الصحافيات في 126 دولة تعرضن للعنف الرقمي القائم على النوع الاجتماعي، و26 في المئة منهن تأثرت صحتهن النفسية والعقلية من جراء ذلك، كما أفادت 20 في المئة من هؤلاء الصحافيات بتجاوز العنف ضدهن حدود الواقع الافتراضي وتحوله إلى اعتداءات مباشرة في الواقع الفعلي.

وقالت مديرة قسم المساواة الجندرية باليونيسكو إن العنف الرقمي ضد الصحافيات كثيرًا ما يتجسد في تهديدات بالاغتصاب أو القتل يستقبلنها عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، وقد يصل أحيانًا إلى تركيب صور لرؤوسهن على أجساد عارية ونشرها؛ وذلك لإرهابهن وإسكاتهن أو تشويه سمعتهن حتى يفقدن مصداقيتهن لدى الرأي العام.

شاركت في الجلسة صحافيتان تعرضتا للعنف عبر الإنترنت، وعلى إثر ذلك اضطرتا إلى ترك بلديهما، وهما الصحافية الروسية أوليسيا اوستابشوك والصحافية الأفغانية فاطيما فايزي، وقد اتفقت كلتاهما على أن الأقوال مهما كانت جيدة وداعمة لن تؤدي وحدها إلى حماية الصحافيات من العنف الرقمي وما يستتبعه، وإنما الأفعال هي ما سيحقق ذلك، وطالبتا بالبدء في تحويل الدعم الشفهي إلى إجراءات.

في ختام الجلسة، حددت جودي جينسبيرج رئيسة لجنة حماية الصحافيين عددًا من الخطوات التي يجب اتخاذها لتحجيم للعنف الرقمي القائم على النوع ضد المشتغلات بالصحافة، فتوجهت أولًا إلى المنصات الإلكترونية تطالبها بوضع وتطبيق قواعد تمنع الاعتداء والهجوم على الصحافيات، ثم ناشدت المؤسسات الإعلامية أن تدعم العاملات لديها، ودعت الحكومات إلى إنفاذ قوانين مكافحة العنف ضد النساء، وتدريب مطبقي القوانين وتمكينهم ليصبحوا مؤهلين للتعامل مع بلاغات النساء بشأن وقائع العنف الرقمي ضدهن.

تطبيقات التواصل الاجتماعي كوسيلة لدعم وتمكين المهاجرات

تناولت جلسة رفيعة المستوى عقدها مجلس أوروبا بالتعاون مع الحكومة الأيسلندية، كيفية الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لحماية المهاجرات من العنف والتمييز المركبين.

وفي كلمتها، تحدثت أليسا أهراباري مديرة قسم التشريع والمناصرة بالشبكة الأوروبية للمهاجرات، عن الجهود التي تبذلها الشبكة من أجل دمج التكنولوجيا الرقمية في عملية تمكين المهاجرات، ومن بينها إطلاق مواقع إلكترونية واستخدام منصات التواصل الاجتماعي لتعريف المهاجرات واللاجئات بحقوقهن القانونية، وأوضاع البلدان التي انتقلن أو يسعين إلى الانتقال إليها، والمخاطر التي قد يلاقينها وأفضل الطرق لمواجهتها أو تفاديها.

عطفًا على ذلك، سلطت أهراباري الضوء على تجربة الشبكة مع النساء والفتيات الأوكرانيات اللاتي أرغمتهن الحرب على النزوح أو اللجوء، إذ استخدمت الشبكة تطبيقات التواصل الاجتماعي لرفع وعيهن بالحيل والخدع التي يعتمد عليها المتاجرون بالبشر للإيقاع بالنساء في هذه الظروف.

ولفتت أيضًا مديرة قسم التشريع والمناصرة بالشبكة الأوروبية للمهاجرات إلى أن الشبكة نجحت من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي، في الوصول  إلى 125 امرأة أفغانية كان يتربص بهن مقاتلو حركة طالبان بسبب اشتغالهن -قبل أن تستولي الحركة على الحكم في العام 2021- بمجالات المحاماة والصحافة والعمل الحقوقي، وقد تمكنت الشبكة باستخدام التطبيقات ذاتها من ترتيب عملية نقلهن خارج البلاد بشكل آمن.