ينتشر العنف ضد النساء والفتيات في شتى أنحاء العالم، وغالبًا ما يكون مرتكبو جرائمه التي تمتد من الإساءة اللفظية إلى القتل العمد، هم الذكور لا سيما هؤلاء الذين تربطهم بالناجيات والضحايا صلةً وثيقة كأفراد الأسرة أو الشركاء الحميمين، إذ تؤكد منظمة الصحة العالمية (WHO) أن امرأةً واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض للعنف الجسدي أو الجنسي خلال حياتها، وعادةً ما يكون مصدره هو الشريك الحميم أو الزوج.

يقع كذلك العنف ضد النساء بمعدلات مرتفعة خارج جدران المنزل وبأيدي أفراد لا تجمعهم بهن صلة قرابة، فكثيرًا ما تتعرض النساء للعنف بشتى صنوفه بسبب الانخراط في المجال العام، يواجهنه في أماكن العمل وفي المواصلات، ويطالهن حينما يشاركن في السياسة، ويطاردهن في أوقات النزاع والصراع المسلح الذي يصنعه الرجال ويرتكبون فظائعه من أجل الأنا الذكورية.

تسعى النساء دائمًا إلى دفع العنف بعيدًا بطرق مختلفة وقدر استطاعتهن، وحين يستعصىي عليهن ذلك ولا يغدو أمامهنّ منجى من الخطر حيث يتواجدن، يلجأن إلى الرحيل حتى لو كان رحيلًا عن الأوطان ومهما كانت عواقبه. وتكشف منظمة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women) أن النساء في كثير من الأحيان يقررن الهجرة من بلدانهنّ هربًا من العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك التزويج المبكر والقسري وتشويه الأعضاء الجنسية الخارجية للإناث، كما توضح دراسة لمركز الهجرة المختلطة الدولي (MMC) أن العنف المنزلي والأعراف الاجتماعية القمعية يبرزان بين الأسباب الرئيسة وراء هجرة النساء من أفغانستان، وأن الغالبية العظمى من الأفغانيات اللاتي تركن بلدهن يسعين إلى التقدم بطلب لجوءٍ في بدان أخرى خوفًا على حيواتهن.

يتبدى كذلك العنف على أساس النوع كدافع لهجرة المرأة من دول أمريكا الوسطى إلى الولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً في ظل ارتفاع معدلات قتل النساء في هذه المنطقة، إذ تحل السلفادور في المرتبة الأولى عالميًا، وجواتيمالا في المركز الثالث، ثم تأتي هندوراس في المركز السابع، وتكشف دراسة لكلية هنري إم جاكسون للدراسات الدولية في جامعة واشنطن أن ما يربو على نصف عدد النساء اللاتي هاجرن من أمريكا الوسطى بين العامين 2011 و2016، فعلن ذلك فرارًا من العنف المنزلي أو أشكال أخرى من العنف القائم على النوع وعلى رأسها جرائم قتل النساء.

لكن ملايين النساء المعنفات اللاتي يهرعن إلى بلدان أخرى أملًا في الخلاص من الاضطهاد والقمع، يفشلن في الحصول على وضع اللجوء، وغالبًا ما ينتهي بهن الأمر وقد عدن قسرًا إلى بلدانهنّ، لتستمر معاناتهن مع العنف الذي قد يزداد توحشًا خاصةً إذا كان عنفًا منزليًا، مثلما حدث لبعض الفتيات السعوديات اللاتى سعين إلى اللجوء في بلدان أخرى، فأزهق آمالهن غياب العنف القائم على النوع عن قائمة دواعي منح اللجوء المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية المتعلقة باللاجئين (CRSR)، ومن أبرزهن دينا علي سلوم التي لم تجد مناصًا من العنف المنزلي في بلدها سوى بالسعي إلى اللجوء في بلد آخر، إلا أنها أعيدت إلى السعودية بعد ساعات معدودة.

حاولت دينا في إبريل من العام 2017 أن تحصل على اللجوء في أستراليا، ولكن أثناء مرورها بمطار مانيلا في الفلبين فوجئت بإيقافها ومصادرة جواز سفرها، فلجأت إلى مواقع التواصل الاجتماعي ووجهت نداءً واسع النطاق من أجل حمايتها وتمكينها من الوصول إلى أستراليا، مؤكدةً أن إعادتها إلى السعودية قد تؤدي إلى قتلها على أيدي ذويها، ومع ذلك سلمتها السلطات الفلبينية إلى أسرتها.

حق اللجوء من منظور يراعي النوع الاجتماعي

اعتبرت الاتفاقية الدولية المتعلقة بوضع اللاجئين (CRSR) الصادرة في العام 1951، أن الأشخاص الجديرين بصفة اللجوء هم الذين يتعرضون للاضطهاد على أساس العرق، أو الدين، أو الجنسية، أو الرأي السياسي، أو الانتماء إلى فئة اجتماعية بعينها، مستبعدةً النوع الاجتماعي من مسببات التمييز والاضطهاد التي تُمكّن المرء من الحصول على الحماية الدولية، وهو ما يفسر فشل ملايين النساء في إثبات أحقيتهنّ في اللجوء وتعرضهنّ إلى الطرد أو الإعادة إلى بلدانهنّ، بما يمثل حرمانًا من الحماية التي توفرها الاتفاقية لكل من  يستوفي شروط اللجوء، من خلال أحد أحكامها الرئيسة الذي يحظر على الدول المصادقة طرد مستحقي اللجوء أو ردّهم إلى بلد يخشون أن يتعرضون فيه للاضطهاد.

لكن شيئًا ما حدث قبل بضع سنوات حرك قليلًا الماء الراكد فيما يخص إدراج العنف على أساس النوع، لا سيما العنف المنزلي، ضمن مبررات الحصول على وضع اللجوء. كان هذا الشيء هو أول قرار يصدره قاضي الهجرة في المكتب التنفيذي لمراجعة الهجرة التابع لوزارة العدل الأمريكية، يقر بأحقية امرأة هربت من بلدها بسبب عنف الزوج في الحصول على اللجوء في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد أن تثبت القاضي من الضرر النفسي والجسدي الذي لحق بها نتيجة الاعتداءات المتكررة التي تعرضت لها على يد زوجها، بالإضافة إلى تأكده من عدم توفر الحماية لها في بلدها، بعد أن برهنت المرأة القادمة من جواتيمالا على اتصالها بالشرطة مرارًا من دون جدوى.

ذكر القرار الصادر في الـ26 من أغسطس في العام 2014، أن الاتفاقية الدولية المتعلقة بوضع اللاجئين (CRSR)، تُعرّف الفئة الاجتماعية التي يتعرض المنتمون إليها للاضطهاد، بأنها مجموعة مكونة من أعضاء يشتركون في خصائص مشتركة ثابتة، وبناءً على هذا التوصيف من الممكن اعتبار النساء اللاتي يأتين إلى الولايات المتحدة من جواتيمالا هربًا من العنف المنزلي – وهو أمر مثبت بالدلائل- فئة اجتماعية تعاني من الاضطهاد والخاصية المشتركة بين أفرادها هي النوع الاجتماعي.

فتح القرار الباب أمام إعادة تأويل وتفسير بعض نصوص الاتفاقية الدولية المتعلقة بوضع اللاجئين، إلا أنه أبقى تحديد مصائر النساء والفتيات في أيدي قضاةٍ ربما لا يملكون الحساسية تجاه قضايا النوع الاجتماعي، ومن ثم فقد لا يجدون في العنف ضدهن مبررًا كافيًا للجوء في بلد أخرى، وبالأخص حين يكون العنف منزليًا أو عندما يقع في أوقات السلم وليس أوقات النزاع والصراع المسلحين.

اتفاقية إسطنبول تأخذ المبادرة نحو دمج النوع في سياسات الهجرة

قبل أكثر من 11 عامًا ، تبنى مجلس أوروبا المؤلف من 46 دولة اتفاقيةً للوقاية من العنف ضد النساء والعنف المنزلي ومكافحتهما، عُرِفت باسم اتفاقية إسطنبول (Istanbul Convention)، وهي أول صك دولي يهدف إلى وضع معايير ملزمة قانونًا لمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي وحماية الناجيات والناجين منه ومعاقبة الجناة، وتتميز الاتفاقية بأن المصادقة عليها ليست مفتوحة فقط أمام دول أوروبا، وإنما يحق لأي دولة الانضمام إليها.

تتناول الاتفاقية مسألة اللجوء على أساس النوع في مادتها رقم (60)، التي تنص على أن تتخذ الدول الأطراف التدابير الضرورية للاعتراف بالعنف ضد المرأة القائم على النوع باعتباره شكلًا من أشكال الاضطهاد بالمعنى الوارد في الاتفاقية المتعلقة بوضع اللاجئين، وكذا بوصفه نوعًا من الضرر الخطير الذي يتطلب حمايةً إضافية. كما تلزم المادة ذاتها الدول الأطراف بإعطاء تفسير مراعٍ للنوع لجميع أسباب اللجوء المذكورة باتفاقية وضع اللاجئين.

مع تتابع مصادقة الدول الأوروبية على اتفاقية إسطنبول، ووصول العدد  إلى 37 دولة حتى بداية العام الجاري، بالإضافة إلى إعلان دول أخرى خارج القارة العجوز نيتها الانضمام إلى الاتفاقية مثل تونس وكازاخستان، تزداد التطلعات نحو تكثيف الإجراءات التشريعية الوطنية والإقليمية والدولية التي تدرج العنف القائم على النوع ضمن أشكال الاضطهاد التي تستدعي منح حق اللجوء.

من ناحية أخرى، يضع الهدف العاشر من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs)، المتعلق بالحد من انعدام المساواة، قضية الهجرة كأولوية لتحجيم الفجوة داخل وبين الدول، من خلال تسهيل تنقل الأشخاص بشكل منظم وآمن، وتشير المنظمة الدولية للهجرة (IOM) إلى أن أهداف التنمية المستدامة تحض على تحسين إدارة الهجرة عبر أنظمة فعالة قائمة على حقوق الإنسان ومراعية للنوع الاجتماعي.

تؤكد المنظمة أيضًا أنه يمكن دمج الهجرة والمهاجرين في تنفيذ الهدف الخامس المتعلق بالمساواة الجندرية، من خلال مجموعة من الإجراءات التي يأتي بينها النظر في دوافع هجرة النساء التي تتضمن الإساءة والتمييز، إلى جانب مساعدتهنّ على الاستفادة من الهجرة في تمكين أنفسهنّ، ومعالجة إشكاليات الهجرة المرتبطة بالنوع الاجتماعي.