التمييز الجندري في الأسعار: ضرائب غير مرئية تدفعها النساء
بالتأكيد لاحظ كثير منا أثناء التسوّق أن ثمن شفرات الحلاقة الخاصة بالرجال أقل من ثمن شفرات إزالة الشعر الخاصة بالنساء رغم أن لا شيء يميز بينهما سوى لون الغلاف، ذلك أزرق أو أسود وهذا وردي أو أرجواني. وعلى الأرجح توقف بعضنا أمام الفارق الكبير في أسعار قص الشعر لدى صالونات التصفيف، إذ أن سعر تقديم هذه الخدمة للمرأة يفوق بشكل مبالغ فيه سعرها إذا كان الرجل هو من يحصل عليها.
هذا التفاوت يعرف باسم «الضريبة الوردية» أو «Pink Tax»، ويمكن ملاحظته بسهولة عند المقارنة بين أسعار المنتجات الموجهة للرجال ونظيرتها الموجهة للنساء أو الخدمات المقدمة للرجال ومثيلتها المقدمة للنساء، ولكن ما السبب وراء هذا التمييز السعري؟ وهل هناك تحركات مجتمعية لوقفه؟ ولماذا تسمّى هذه الزيادة بالضريبة الوردية؟
ماذا؟
الضريبة الوردية ليست ضريبة بالمعنى الحرفي، لكن ثمة تشابه بينها وبين الضرائب فهي زيادة في الأسعار تفرضها الشركات والمؤسسات التجارية، وتضطر النساء إلى تحمّلها نظير حصولهن على خدمة أو منتج. ويعود ربطها باللون الوردي إلى كون أغلب المنتجات الموّجهة للنساء تكتسي بهذا اللون، استنادًا إلى الاعتقاد النمطي الرائج بأن الوردي لون أنثوي يرمز إلى العاطفة والهدوء، وهي السمات التي ألصقها المجتمع بالمرأة على مر السنين.
متى؟
بدأ الالتفات إلى التمييز في الأسعار على أساس الجنس في العام 1995، عندما مررت ولاية كاليفورنيا الأمريكية قانونًا محليًا يحظر أي زيادة في أسعار الخدمات والمنتجات على أساس الجنس، وذلك بعد أن كشف تقرير أعده مكتب الجمعية العامة للبحوث في الولاية أن 64 في المئة من المتاجر في خمس مدن رئيسة بالولاية تفرض سعرًا أعلى لغسل وتنظيف القميص النسائي بالمقارنة مع القميص الرجالي، ليدفع ذلك بالمسؤولين في الولاية إلى البحث في ما إذا كان التمييز الجندري في الأسعار مطبقًا على خدمات أخرى، وهو الأمر الذي ثبُتت صحته بالفعل.
أين؟
أقرت العديد من الولايات الأمريكية خلال الـ25 عامًا الماضية تشريعات تحظر التمييز في أسعار المنتجات والخدمات بناءً على الجنس، وآخرها ولاية نيويورك التي دخل القانون فيها حيز النفاذ في شهر أكتوبر من العام 2020، وجاءت هذه الخطوة استجابةً للضغوط النسوية التي أججتها نتائج دراسة تحمل عنوان «من فراش المولود إلى عصا المشي: تكلفة أن تكونين مستهلكة»، أعدتها دائرة شؤون المستهلك بمدينة نيويورك في العام 2015، إذ بيّنت الدراسة أن أسعار السلع الموجهة للنساء تزيد بنسبة 7 في المئة عن نظيرتها الموجهة للرجال، وأوضحت أيضًا أن المرأة تدفع سنويًا ما يعادل 1351 دولارًا كضريبة على أساس النوع مقابل الحصول على نفس الخدمات التي يحصل عليها الرجل.
شجعت هذه الدراسة أحد الصحافيين العاملين بصحيفة الصنداي تايمز البريطانية (Sunday Times) على إجراء تحقيق استقصائي للوقوف على ما إذا كان التمييز في الأسعار على أساس الجنس شائعًا أيضًا في الأسواق البريطانية. وقد أجلى التحقيق أن أسعار الملابس ومستحضرات العناية الشخصية الخاصة بالنساء أعلى من أسعار المنتجات ذاتها الخاصة بالرجال، وكذلك ألعاب الأطفال الموجهة للإناث تباع بأسعار أعلى من الألعاب الموجهة للذكور حتى إذا كان الاختلاف الوحيد هو اللون.
تمتد كذلك هذه الظاهرة إلى الأسواق الفرنسية، وقد أطلقت مجموعة جورجيت ساند النسوية (Georgette Sand) في العام 2014، حملةً ضد التمييز السعري الجندري بعد أن رصدت انتشاره في المتاجر، بالأخص سلسلة متاجر مونوبري (Monoprix) الأوسع انتشارًا في البلاد.
دأبت المجموعة النسوية على نشر صور تكشف الفارق في أسعار السلع الموجهة للرجال ونظيرتها الموجهة للنساء عبر صفحاتها وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم أطلقت عريضة احتجاج تطالب المتاجر بالتوقف عن فرض «ضريبة غير مرئية» على السلع والمنتجات المخصصة للنساء، فتمكنت من جمع 30 ألف توقيع في غضون أسابيع. كما عبرت وزيرة شؤون المرأة آنذاك باسكال بويستار عن دعمها لمطالب الحملة، وتساءلت مستنكرة في تغريدة «هل اللون الوردي هو لون رفاهية؟»، ورغم أن وزارة المالية استجابت للحملة بإعلان التحقيق في مسألة التمييز في أسعار المنتجات بناءً على جنس المستهلك، لم تتخذ الحكومة الفرنسية أي خطوات لاحقة في هذا الملف.
إضافة إلى ذلك، دخل التمييز الجندري في الأسعار حيز الاهتمام البحثي في ألمانيا خلال السنوات الأخيرة، وبينت دراسة أجرتها وكالة مكافحة التمييز الفيدرالية في العام 2017 أن أسعار بعض السلع الموجهة للنساء تفوق أسعار السلع ذاتها الموجهة للرجال، فوجد الباحثون – على سبيل المثال – حزمة شفرات حلاقة نسائية لإحدى الماركات تباع بسعر 4.49 يورو، بينما تباع حزمة شفرات الحلاقة الخاصة بالرجال للماركة ذاتها بسعر 3.89 يورو، وتوّصلت الدراسة أيضًا إلى أن 89 في المئة من مصففي الشعر يفرضون أسعارًا مختلفة لقص الشعر بناءً على الجنس، وتدفع المرأة سعرًا أعلى من الرجل بما يقدّر بـ 12.50 يورو.
لا يختلف الوضع في إسبانيا عن جيرانها، فقد كشفت منصة ايديالو (Idealo) المختصة بمقارنة الأسعار في دراسة نشرتها في العام 2016، أن الضريبة الوردية على منتجات العطور وساعات اليد والأحذية تتراوح بين 7 إلى 24 في المئة.
لماذا؟
يتذرع المصنعون والمسوّقون بالعديد من الحجج لتبرير الزيادة في أسعار المنتجات والخدمات الموجهة للنساء، إلا أن أكثرها تداولًا هو الإدعاء بأن النساء «أقل حساسية» تجاه الأسعار و«أكثر اهتمامًا» بالشكل والتعبئة، وسندهم في ذلك هو الصورة النمطية التي جرى ترسيخها عن النساء بوصفهنّ مسرفات وسطحيات وشرهات على الشراء، وهو الإدعاء الذي لا يتواءم مع حقيقة تقاضي النساء أجورًا أقل من الرجال بنسبة 16 في المئة وفقًا لبيانات منظمة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women).
أما مقدمو الخدمات فعادةً ما يبررون الزيادة السعرية على أساس جندري بأن تنفيذ الخدمات يستغرق وقتًا أكثر عندما تكون المرأة هي المستفيدة؛ إذ يزعم مصففو الشعر أن التفرقة في تسعير خدماتهم ترجع إلى أن شعر المرأة غالبًا ما يكون أطول من شعر الرجل، بما يجعل تصفيفه أو صبغه أو قصه يحتاج إلى مدة أكبر ولذلك تصبح زيادة السعر مشروعةً.
اختلاف أسعار السلع أو الخدمات حسب جنس مستخدمها، هو أحد تمثلات التمييز الجندري التي تم التطبيع معها وتسويغها على مدار عقود طويلة، إذ تشير مقالة بحثية بعنوان «التمييز السعرّي الجندري: تكلفة أن تكوني امرأة» منشورة في العام 2019، إلى أن بداية التمييز في الأسعار على هذا الأساس تعود إلى ثلاثينيات القرن التاسع عشر، ولكن ما من أحد حينها انتبه إلى عواقب ذلك على النساء أو رأى فيه انتهاكًا.
كيف؟
بفضل الحراك النسوي وموجاته المتتالية، وما بذلته المجموعات النسوية من أجل استبيان أوجه انعدام المساواة والتصدي إلى أنماط التمييز الملموسة وغير الملموسة، بدأت مقاومة التمييز السعري الجندري واتخذت أشكالًا وصورًا مختلفة، من بينها: الضغط لتمرير تشريعات تحظر التمييز في الأسعار على أساس الجنس، والتنقيب البحثي لرفع الوعي بالأمر بما يساهم في توسيع رقعة الاحتجاج، ومقاطعة المنتجات «الوردية» وشراء مثيلتها الموجهة للذكور، فضلًا عن دخول بعض المتاجر على الخط من خلال تبني سياسات من شأنها تحجيم التمييز السعري الجندري، مثل متجر بوكسيد الأمريكي (Boxed) الذي أطلق في العام 2016 مبادرة بعنوان «أعيدوا التفكير في الوردي – Rethink Pink» ترتكز على إزالة «الضريبة الوردية» عن المنتجات والسلع الموجهة للنساء.
يتركز كل هذا النشاط في دول الشمال بينما لا يلقى التمييز السعري الجندري الاهتمام ذاته في دول الجنوب رغم قدرة النساء على ملاحظته بسهولة أثناء الشراء، ويعود ذلك إلى أسباب عديدة مثل رسوخ الاعتقاد بأن السلع والخدمات الخاصة بالنظافة والعناية الشخصية هي رفاهية وليست ضمن الاحتياجات الأساسية، ومع أن هذا الاعتقاد يشيع أيضًا في دول الشمال، إلا أنه يبدو أكثر رسوخًا في دول الجنوب ذات الدخل المنخفض أو الدخل المتوسط.
سبب آخر هو ندرة المساعي والجهود البحثية الرامية إلى توثيق مظاهر التمييز السعري الجندري، والانكفاء عن دراسة تداعيات هذه الضريبة غير المرئية على استطاعة النساء في بلدان الجنوب أن يلبينّ احتياجاتهن، وما لذلك من تأثير على صحتهن النفسية والعقلية والجسدية.