قبل الإعلان الرسمي لقرار المحكمة العليا بشأن الإجهاض.. الأمريكيات بين الاحتجاج الغاضب والتعايش مع الواقع الجديد
تستعد المحكمة العليا الأمريكية لإصدار قرارها المرتقب بشأن الإباحة القانونية للإجهاض على المستوى الفيدرالي، ومن المرجح أن يخرج القرار في حلته النهائية بنهاية شهر يونيو المقبل أو بداية شهر يوليو على أقصى تقدير.
في أغلب الظن، لن يحمل قرار المحكمة مفاجآت للأمريكيات والأمريكيين، بعد أن نشرت صحيفة بولوتيكو (Politico) الأمريكية، في الثاني من مايو الجاري، نسخةً مسربة من مسودة القرار تحت عنوان «المحكمة العليا صوتت لصالح إلغاء حق الإجهاض».
وقد كشفت المسودة التي حررها القاضي المحافظ صامويل أليتو، أن المحكمة قد قررت إلغاء القرار التاريخي الذي سبق أن أصدرته هيئتها في العام 1973، في القضية المعروفة إعلاميًا باسم رو ضد ويد (Roe v. Wade) وكانت قد أكدت فيه على دستورية حق النساء في إنهاء الحمل طوعيًا، استنادًا للتعديل الرابع عشر لدستور الولايات المتحدة، الذي يحمي حق المواطنين الأمريكيين في الخصوصية، إذ ذكرت المحكمة في ذلك القرار الذي صاغه القاضي الليبرالي هاري بلاكمون أن حق النساء في الإجهاض ينضوي تحت الحق في الخصوصية المعترف به دستوريًا، وهو الرأي الذي تعارضه هيئة المحكمة الحالية وفقًا لمسودة قرارها المسربة، التي وصفت فيها القرار بالخاطئ وزعمت عدم وجود سند دستوري يسمح بتقنين الإجهاض.
وإذا ألغت المحكمة العليا قرارها السابق في قضية رو ضد ويد (Roe v. Wade) من المرجح أن يصبح الإجهاض محظورًا في 24 ولاية وثلاثة أقاليم، بينما سيظل الإجراء قانونيًا في 21 ولاية أخرى، بحسب توقعات مركز الحقوق الإنجابية (Center for Reproductive Rights).
ويرجع التحول في موقف المحكمة العليا إزاء قضية الإجهاض، إلى التغيير الذي طرأ على هيكلها مؤخرًا، إذ صار القضاة المحافظون هم من يهيمن عليها بعد تعيين الرئيس السابق دونالد ترامب لثلاثة قضاة محافظين هم بريت كافانو، وإيمي كوني باريت، ونيل غورستش، ليغدو بذلك عدد الأعضاء المحافظين بالمحكمة ستة قضاة في مقابل ثلاثة قضاة يمثلون التيار الليبرالي.
وقد شدد ترامب قبل شهور قليلة من انتخابه رئيسًا للبلاد في العام 2016، على ضرورة معاقبة النساء اللاتي يقدمن على الإجهاض، كما كانت مسألة تجريم الإجهاض ضمن وعوده الانتخابية ذات الأولوية، ثم أضحت هدفًا رئيسًا على أجندته بعد تولي الرئاسة، ولذلك حرص على تمكين المحافظين من السيطرة على المحكمة العليا، ودعم بشدة تحركات الحزب الجمهوري باتجاه سن قوانين محلية للولايات تحظر أو تقيد الإجهاض. وفي نهاية العام 2019، عبّر ترامب عن سعادته بنجاح 18 ولاية في سن 46 قانونًا ضد الإجهاض خلال 11 شهرًا فقط فيما بين يناير ونوفمبر من ذلك العام، معتبرًا أنه انتصار كبير لكل من يؤيدون الحق في الحياة (Pro-Life).
فصل جديد من فصول المقاومة
في صباح اليوم التالي لنشر الوثيقة المسربة التي أكدت المحكمة العليا صحتها، انطلق المؤيدات والمؤيدون لحق النساء الكامل والمطلق في التحكم بأجسادهنّ، في مظاهرات احتجاجية بالعديد من المدن مثل نيويورك، ولوس أنجلوس، وبوسطن، وسياتل، وشيكاغو، وتوجهت مسيرة نسائية حاشدة نحو مقر المحكمة بالعاصمة واشنطن، رفعت خلالها المشاركات لافتات تطالب بالإبقاء على الإجهاض قانونيًا وآمنًا، وبحماية الاستقلالية الجسدية للنساء.
وخلال الأسبوع اللاحق للتسريب، تظاهر عشرات الناشطات والنشطاء المدافعين عن الحق في الإجهاض، أمام منازل بعض القضاة المحافظين بالمحكمة العليا، وهم صامويل أليتو الذي صاغ مسودة القرار، وبريت كافانو، وجون روبرتس.
كما نظمت مؤسسات ومجموعات نسوية في الـ14 من مايو الجاري، ما يزيد عن 300 مسيرة احتجاجية في معظم الولايات الأمريكية، استجابةً لدعوة أطلقتها مؤسسة مسيرة المرأة (Women’s March) التي صرحت رئيستها راشيل كارمونا لجريدة رويترز (Reuters) بأن هذا اليوم سيكون مقدمةً لصيف غاضب بالنسبة للنساء في الولايات المتحدة الأمريكية، مشددةً على أن النساء سيكن خارج السيطرة حتى تبدأ الحكومة في العمل من أجلهن، وتتوقف الهجمات على أجسادهن، ويُنظّمُ الحق في الإجهاض بالقانون.
«يجب ألا ينصب التركيز على الحق في الإجهاض، بل على الحق في الخصوصية والتحكم في الإنجاب.»
روث بادر غينسبورغ
قاضية سابقة بالمحكمة العليا في الولايات المتحدة
في غضون ذلك، احتدم التنازع السياسي بين الديمقراطيين المؤيدين لحق النساء في التحكم الكامل وغير المشروط بأجسادهن من ناحية، والجمهوريين المؤيدين لتقييد النساء وضبط أجسادهن وإخضاعها للوصاية الأخلاقية من ناحية أخرى، وقد حاول أعضاء مجلس الشيوخ من الديمقراطيين أن يؤكدوا على موقفهم من القضية أمام القاعدة الانتخابية للحزب، فطرحوا للتصويت مقترح قانون يحمي حق النساء في الإجهاض في شتى الولايات، رغم علمهم باستحالة إقراره لعدم امتلاكهم أغلبية الـ 60 صوتًا من أصل المئة اللازمة لتمرير مقترحات القوانين.
ويعوّل الحزبان على حد سواء، أن يكون قرار المحكمة محفزًا للناخبات والناخبين للمشاركة بكثافة في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المزمع إقامتها في نوفمبر المقبل، أي أن أجساد النساء وكما جرت العادة ستكون ورقة رهان في الصراع الانتخابي بين القوتين السياسيتين الرئيستين في البلاد.
قضي الأمر: «رو ضد ويد» صار من الماضي
وفقًا لبحث صدر بالتعاون بين اتحاد تنظيم الأسرة في أمريكا ومنظمة بصوتنا الخاص، فإن نصف النساء في سن الإنجاب (18-49) في الولايات المتحدة، أو ما يزيد عن 36 مليون امرأة قد يفقدن حقهن القانوني في الإجهاض الآمن، إذا ألغت المحكمة العليا قرارها الصادر في العام 1973، وهو الأمر المحتمل حدوثه بشدة طالما أن كفة ميزان القوة داخل المحكمة تميل بوضوح إلى التيار المحافظ، بما يعني أن هؤلاء النساء لن يكون بإمكانهنّ الوصول إلى الإجهاض الآمن إلا إذا سافرنّ إلى الولايات التي تقننه وأبرزها كاليفورنيا ونيويورك، أو إلى البلدان المجاورة التي تبيحه قانونيًا مثل كندا والمكسيك، وهما خياران مستحيلان بالنسبة لكثير من الأمريكيات، ولذلك قرر بعضهن البدء في تعزيز علاقته بوسائل منع الحمل أكثر من ذي قبل، بما انعكس على مؤشرات محرك البحث جوجل (Google) في عدد من الولايات الأمريكية، بحسب ما أشارت إليه صحيفة الواشنطن بوست (The Washington Post)، إذ كشفت المؤشرات ارتفاعًا في عمليات البحث عن بعض وسائل منع الحمل كاللولب الرحمي (IUD)، وأقراص منع الحمل، وأقراص الصباح التالي (Morning After Pill) أو الخطة ب (Plan B)، التي تقلل احتمالية حدوث حملٍ إذا تناولتها المرأة عقب ممارسة الجنس غير الآمن.
كما رجحت منظمات نسوية لجوء بعض النساء إلى شراء حبوب الإجهاض عبر الإنترنت باعتبارها خيارًا آمنًا وفعالًا لإنهاء الحمل، استنادًا لما رصده مشروع تقييم سياسة تكساس (TxPEP) من زيادة في الطلب على هذه الحبوب بولاية تكساس خلال الشهور الثمانية الماضية، بعد أن دخل حيز التنفيذ تشريع محلي يحظر الإجهاض بعد الأسبوع السادس للحمل.
من ناحية أخرى، هناك نساء وفتيات لن يكون أمامهنّ سوى اللجوء إلى الطرق البدائية غير الآمنة وغير المضمونة لإنهاء الحمل أو الاضطرار إلى الاستمرار فيه، وهن ذوات الدخل المنخفض والمحرومات من الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية اللازمة، وأغلبهن من الملونات ونساء الشعوب الأصلية والمهاجرات.
إذا كانت واحدة من كل ثلاث أو أربع نساء أمريكيات قد أجهضت في وقت ما خلال حياتها، وهي تقديرات إحصائية شائعة، حتى في الأيام التي لم يكن فيها قانونيًا، فلماذا، لماذا يجب اعتبار هذا الإجراء الجراحي عملًا إجراميًا؟
غلوريا ستاينم
ناشطة وصحافية النسوية
أصداء تتردد خارج الحدود
لقد سبقت العديد من الدول الولايات المتحدة إلى إباحة الإجهاض قانونيًا، وأولها روسيا الاتحادية السوفيتية في العام 1920، إلا أن قرار المحكمة العليا الأمريكية في العام 1973 كان له أثره العالمي، خاصة أن واحدة من تبعاته كانت تمكين العديد من المؤسسات الأمريكية الداعمة لحق الاختيار (Pro-Choice) من الحصول على تمويل فيدرالي لاستخدامه خارج البلاد، في أنشطة مثل التثقيف الجنسي، وخدمات الصحة الإنجابية والمساعدات الطبية، وتقديم المساعدات المالية بما يساهم في وصول النساء إلى الإجهاض الآمن، خاصة في البلدان التي لا تزال تعاني نساؤها من حظر أو تقييد الإجهاض، ورغم أن هذه المسألة ظلت متأرجحة بين إجازة وتعطيل بقرارات تنفيذية من رؤساء الدولة تبعًا لانتماء كل منهم الحزبي، فإن إلغاء قرار رو ضد ويد (Roe v. Wade) قد يغلق الباب نهائيًا أمام أمر كهذا.
إضافة إلى ذلك، تتوقع منظمة العفو الدولية (Amnesty) أن يكون لقرار المحكمة العليا الأمريكية آثارًا وخيمة على قضية الإجهاض في باقي دول العالم، إذ أشارت في بيانها الصادر بتاريخ الثالث من مايو الجاري، إلى أن التراجع عن حماية الحق الإجهاض لن يضر فقط بالصورة العالمية للولايات المتحدة، بل سيكون مثالًا كريهًا يمكن للحكومات الأخرى والجماعات المناهضة لحقوق النساء في جميع أنحاء العالم، استغلاله لإنكار حقوق النساء والفتيات وبقية الأشخاص القادرين على الحمل.
في المنحى ذاته، أعرب خبير التنمية ابيبي شيبرو، مدير برنامج مؤسسة أم آس أي الدولية للخيارات الإنجابية (MSI) في أثيوبيا، في تصريحات لصحيفة الجارديان البريطانية (The Guardian)، عن تخوفه من إلغاء قرار رو ضد ويد (Roe v. Wade) لما سيمثله من انتصارٍ للجماعات المناهضة لحق النساء في الاختيار (ِAnti-Choice) التي تمول الجماعات المعارضة لذلك أيضًا في أفريقيا، واصفًا الأمر بالكارثة التي قد تؤثر على صنّاع السياسات، بما يعني استمرار رؤية النساء يقضين في القارة الأفريقية.